كان المحتوى الموريتاني على موقع "يوتيوب" عبارة عن دمج لأغان تقليدية لبعض المطربين الموريتانيين المشهورين مع صور ثابتة لمناظر طبيعية من موريتانيا. يتم ذلك الدمج بوسائل بدائية تفتقر للإبداع والاحترافية، وهو أمر مزعج للمتصفح الباحث عن موريتانيا. بدأت مؤخرا بعض التجارب الموريتانية على موقع "يوتيوب"، يحاول أصحابها إثراء المحتوى بأعمال إبداعية تتفاوت في القيمة والجودة، وهو ما يعد تطورا ملحوظا للمادة المقدمة على الموقع ذي الصيت العالمي.
اليوتيوب منصة للمجاهرين
شهدت موريتانيا ولا تزال، هجرات لمواطنيها إلى كل أصقاع الأرض بحثا عن حياة أفضل وهربا من الواقع المعيش، فولدت مجتمعات موريتانية في الخارج. أكثر تلك الهجرات كانت إلى المملكة العربية السعودية، التي أصبح فيها مجتمع موريتاني له صبغته الخاصة، وقد انبرت مجموعة من شبابه للحديث عن واقعه من خلال قناة على "يوتيوب" اسمها قناة "اَدلقان"، بإنتاج مقاطع مصورة قصيرة منها الكوميدي والدرامي، محاولين رصد التحولات في المجتمع الموريتاني في السعودية وكشف معاناة أبناء الجيل الثاني مع البطالة وسواها. لا يقتصر اهتمام فريق عمل القناة على الجالية الموريتانية في السعودية بل يتحدثون عن واقع الدولة الموريتانية نفسها وفساد النظام ويبثون رسائل التغيير. يقول مخرج الفيديوهات على القناة، إسماعيل ولد الحسن، "يوتيوب منصة إعلامية سهلة وفي متناول الجميع - المرسل والمتلقي - وسهلة الوصول في كل مكان وزمان، بالإضافة لتوفيره حرية الطرح كغيره من فضاءات الإعلام الجديد. وحين يتعلق الأمر بانتقاد الأنظمة العربية خصوصاً، ليس أمامك سوى الإعلام الجديد". ويضيف قائلاً "نحن تحدثنا في البرنامج عن مشاكل الجالية، التي هي امتداد لمشاكل الموريتانيين في بلدهم إلى حد كبير، وبعض المشاكل المجتمعية، بدءاً من الزواج وتكوين الأسرة على أساس هش، وما ينتج من ذلك من قصور في تأدية الواجبات الأسرية والتفكك الأسري، ومواضيع أخرى مثل غياب كثير من المفاهيم كالطموح وجدوى المعرفة وأهمية وتقدير العلم.. وتكلمنا عن اليأس، فالكل يعيش ولا يفكر إلا في الموت، ويسود الكسل وتندر الفرص التعليمية والوظيفية، بالإضافة للحق في العلاج الصحي.. وهذه أحوال نشترك فيها مع الجاليات الأخرى. وطبعا هناك سيطرة الثقافة الاستهلاكية وتفشي فكرة تحصيل المال بأي وسيلة وبأسرع طريقة حتى أصبح كل شيء سلعة. وسيطرت ثقافة النفاق والسمسرة".
على خطى باسم يوسف
يبدو أن تجربة باسم يوسف تركت صدى كبيراً في موريتانيا، حيث ظهرت بعض التجارب المتأثرة بها. من ضمن تلك التجارب، تجربة "خدمة العللاء" (خدمة المغفلين) التي يقوم فيها الكوميدي الموريتاني "لمرابط" بانتقاد المجتمع والنظام بطريقة ساخرة وهادئة. وقد لاقت تجربته نجاحا منقطع النظير ما تؤكده نسب المشاهدة العالية والتحميل وانتشار فيديوهاته على شبكات التواصل الاجتماعي. وتعد صفحة البرنامج على موقع فيسبوك من أكثر الصفحات الموريتانية انتشاراً على الموقع.تتمحور فكرة البرنامج حول شخص يتلقى اتصالات هاتفية استشارية من طرف المواطنين ومن خلال الأسئلة والأجوبة يتم بث الرسائل المقصودة. وقد انتقل المرابط من التلفزيون إلى الإنترنت. وبدأ البرنامج يحصد بعض النجاح المالي، حيث حصل مؤخرا على رعاية إحدى شركات الاتصال المحلية. وعلى المنوال نفسه ظهرت مؤخرا تجربة تحمل عنوان "الموجب"، يقوم فيها الشاب عيسى الشيخ بتعقب خطابات الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وتبيان تناقض كلامه وتوضيح "كذبه" على الشعب.
وتعد تجربة برنامج "الموجب" الأكثر جرأة في الطرح والانتقاد، وقد حوت إيحاءات لفظية جنسية في سياق ساخر وهو ما دفع بالمشرفين على البرنامج الى وضع علامة (فوق سنة 18) عليه.ويقول عيسى ولد الشيخ "السخرية السياسية أداة من أدوات التعبير، ويمكننا من خلالها معرفة المقياس الحقيقي للحريات العامة في موريتانيا، وكشباب نحرص على الإسهام في تغيير كثير من القيم السيئة التي غزتْ عقولنا لمدة عقود، مثل التطبيل، الكذب على المواطنين، التناقض وإعطاء الوعود الكاذبة، التلاعب بالحقائق والتلاعب بالشعارات السياسية. لذلك نحن متفاعلون جدا مع الأحداث ومع تعاطي المجتمع معها. ونسعى من خلال هذا البرنامج الى كسر كل التابوهات، وإن كنَّا نُعاني حرجا حقيقياً في كيفية التعامل مع التابو الديني، بمعنى أننا لن نتطرق للدين من حيث المحتوى والنصوص، ولكن كيف يُمكننا تجاهل دخول رجال الدين في السياسة واستخدام السياسيين لرجال الدين من أجل تمرير مواقفهم السياسية؟ ونرجو أن نستمر، وألا نجد في طريقنا ما يدعو للتوقف إثر تهديد أو ضغوط".
للكرتون وإعادة النشر مكان في المحتوى
ومن ضمن المحتوى الجيد على "يوتيوب"، مقاطع كرتونية مصورة تحمل عنوان "مجانينوس" تقدمها قناة "ريم موفيز" وتعالج واقع المجتمع والدولة بأسلوب ساخر بالإضافة لبرامج أخرى على القناة نفسها تحاول رصد الواقع السياسي والاجتماعي في الدولة. وتعد تجربة هذه القناة إضافةً نوعية للمحتوى لكونها تعتمد على الرسوم المتحركة، وهو مجال لم يبدأ بعد في موريتانيا، سواء على التلفزيون أو على الإنترنت. وفي سياق مختلف تقدم قناة "بلوار ميديا" على "يوتيوب" خدمة إعادة نشر المحتوى الموريتاني المقدم على التلفزيونات المحلية، بحيث تربط مستخدم الانترنت بما يدور في الفضائيات المحلية، وتنشر كذلك مواد تلفزيونية قديمة جدا كنوع من تنشيط الذاكرة الجمعية للمواطنين. وقد أصبحت بمثابة متحف على "يوتيوب" يقوم بأرشفة كل ما يبث على التلفزيونات المحلية في مكان واحد، حتى أنه يعيد بث البرامج التي تتناول موريتانيا على القنوات العربية والأجنبية، وهو ما جعل البرنامج يحصد 20 مليون زيارة وهو رقم فلكي بالنسبة لعدد مستخدمي الإنترنت في موريتانيا.رغم التجارب السالفة الذكر والتطور الملحوظ، إلا أن المحتوى الموريتاني على "يوتيوب" ما زال في خطواته الأولى وتنقصه الكثير من الاحترافية والكثافة، ويحتاج لمزيد من العمل حتى يعبر عن الواقع ويعكس صورة البلد الذي يحتاج لمثل تلك المنصة المتحررة، خاصة في ظل عدم مهنية الإعلام المحلي والقيود المفروضة عليه وتحكم المال والسلطة والقوى الرجعية بالسياسة التحريرية.