صادق مجلس الوزراء الموريتاني في منتصف شهر يناير الماضي على إبرام الحكومة صفقة مع مجموعة الراجحي السعودية، تقضى بتأجيرها قطعتي أرض في ولايتي الترارزة وولاية لبراكنة، جنوب البلاد. وستستثمر المجموعة السعودية بموجب هذه الصفقة مليار دولار في القطاع الزراعي والرعوي في موريتانيا. لكن بعض سكان الجنوب الموريتاني، وخاصة الزنوج منهم، وبعض ملاك الأراضي من العرب لم يكونوا راضين، وثار جدل جديد حول سياسات الدولة الإقصائية تجاه الزنوج وكذلك حول واقع الزراعة والتنمية الحيوانية في البلاد.
الزنوج يخافون التهجير
بعد إعلان الصفقة، بدأت أصوات زنجية بانتقادها واتهام الحكومة الموريتانية بالعمل على تهجير سكان الجنوب الموريتاني خاصة من الزنوج، وبث النعرات. وبحسب وجهة نظهرهم، تؤدي الصفقة الى منح أراضي السكان المحليين، من دون استشارتهم، للأجانب، على الرغم من أنهم يحوزون أوراقا سليمة لملكيتها، وأن لهم تاريخاً عليها وأسسوا فيها ممالكهم العظيمة، ورووها بدمائهم وعرقهم. وحسب تصريح للناشطة الحقوقية الموريتانية لالة عيشة سي، فإن سكان الجنوب الموريتاني لن يسكتوا على احتلال أراضيهم ولن يقبلوا بهذا الظلم، وأنه على الحكومة أن تصرف النظر عن هذا الاتفاق لأنه سيضطر السكان لاستخدام كل الوسائل لطرد المستثمرين الأجانب والانتصار لحقهم في ملكية الأرض.
والعرب أيضاً
أعادت الواقعة للأذهان تهجير الزنوج الموريتانيين عقب أحداث 1989. يومها، وعلى خلفية التوتر مع السنغال، قامت السلطات بتهجير آلاف الزنوج الموريتانيين إليها على اعتبار أنهم من مواطنيها، لتتم في الوقت نفسه مصادرة أراضيهم وأملاكهم التي استولى عليها بعض العرب. ولكن الصفقة مع شركة الراجحي لم تغضب الزنوج فقط، بل أبدى بعض ملاك الأراضي من العرب انزعاجهم منها، وأكدوا أنهم لم يستشاروا حول نزع أراضيهم منهم، مع أن لديهم أوراق ملكية تقليدية وإدارية من سلطات الاستعمار وحتى من الدولة الحديثة. انتقد الصفقة النشطاء الحقوقيون والسياسيون، وقالوا إن موريتانيا تحتاج إلى أن تدعم المزارعين المحليين حتى يقدموا محصولاً طيبا، مع التأكيد أنهم لا يرفضون الاستثمار الأجنبي بل يشجعون ما يخدم منه المزارعين المحليين ولا يقضي عليهم.
تطوير
الحكومة لديها رأي مغاير، وتعتبر الاتفاق مع المستثمرين السعوديين نقلة نوعية لأنها ستساعد في توفير محاصيل مهمة تحتاجها موريتانيا لسد النقص الغذائي، مثل القمح والذرة الشامية، وبعض الحبوب الأخرى، والخضروات. وأن المشروع سيطوّر الثروة الحيوانية من خلال المساهمة في توفير الأعلاف والمواد البيطرية. وأكدت كذلك أن مجموعة الراجحي ستقدم مشروعا خيريا لسكان المنطقة، وأن الأراضي المؤجرة بعيدة من النهر، وليس فيها تجمعات سكانية كبيرة.
النقاش
عاد إلى المشهد نقاش أزمة الجوع في موريتانيا رغم وجود مناطق زراعية خصبة. فالبلاد تحوي أراضي زراعية تقدر مساحتها بنصف مليون هكتار، منها 137 ألف هكتار على الضفة الموريتانية لنهر السنغال. والحيز المستغل من أراضي الضفة لا يتجاوز العشرين ألف هكتار، وموريتانيا تستورد 70 في المئة من احتياجاتها الغذائية. وهناك دعوات أممية أطلقتها منظمات دولية من ضمنها الأمم المتحدة من أجل إنقاذ ما يقارب المليون شخص من سكان الأرياف المهددين. ويرجح أن أزمة الجوع وعدم استخدام الأراضي الزراعية الخصبة تعود الى أن الحكومات الموريتانية المتعاقبة لا تتبنّى سياسات زراعية ناجحة ولا تقدم الدعم اللازم للمزارعين، حيث إنهم يفتقرون للمعدات والآلات الزراعية، كما يحتاجون لدعم منتجهم وتسويقه. وكل ذلك جدير بتخفيف طوابير البطالة بين الشباب الموريتاني، الذين بسبب الأزمات، أصبح الكثير منهم يترك أراضيه بحثاً عن العمل في العاصمة نواكشوط. وحين تقوم السلطات بتدخلات وبرامج لتطوير القطاع الزراعي، لا يستفيد منها سوى المتنفدين وبعض التجار الموالين لها، ويكون الغرض منها ضخ التمويلات الى جيوبهم وليس دعم القطاع الزراعي.