كانت العاصمة الأردنية عمان في الشهر الماضي مكان لاجتماع المدونين العرب، حيث ناقش هؤلاء مستقبل التدوين وأهميته والتحديات التي تواجه المدونين والتهديدات التي تؤرقهم، وكذلك الأخطاء التي وقعوا فيها في فترة ما بعد الانتفاضات العربية. وتبادلوا كذلك الخبرات والتجارب وعمقوا أيضا النقاش حول كيفية تطوير التنسيق بين المدونين العرب، والتفاعل مع القضايا في الأقطار العربية، وخاصة تلك في دول الأطراف الواقعة خارج "نطاق التغطية".
الأخطار
استحوذت التهديدات والمضايقات التى يتعرض لها المدونين العرب على الحيز الأكبر من نقاشات الملتقى فعبر المشاركون عن قلقهم من الاعتقالات التي تقوم بها السلطات في الدول العربية بحق زملائهم، على الرغم من التضحيات المقدمة من أجل الحرية. وقد اعتبروا أنه انتكاسة للديمقراطية، خاصة في الدول التي شهدت تحولات مهمة مثل مصر (قضية اعتقال المدون المصري علاء عبد الفتاح كانت حاضرة بقوة في النقاشات) وتونس، على الرغم من وجود اختلافات بين النموذجين .ونوقش ما يتعرض له المدونين والنشطاء في الدول العربية التي لم تسقط فيها الأنظمة لحد الآن رغم اندلاع ثورات واحتجاجات قوية فيها.
حضر كذلك النقاش حول استفادة الأنظمة القمعية العربية من تكنولوجيا الرقابة على الانترنت وسنّها للقوانين القامعة للحرية على الشبكة، و دخولها في حرب الكترونية مع المدونين، وإنشائها للجيوش الالكترونية لمواجهة وخنق كل الأصوات المعارضة.
الصراع مع الأنظمة القمعية ليس وحده ما يؤرق المدونين العرب، فهناك تخوفات لدى بعضهم من حملات التكفير والإرهاب الفكري التي تقوم بها بعض القوى المحافظة في المجتمع بدعم من النظم الحاكمة، وهو على سبيل المثال حال بعض المدونين والنشطاء الموريتانيين، فصراعهم مع السلطة الحاكمة يرافقه صراع مع الجماعات التكفيرية.
دور ومكانة التدوين
احتدم النقاش حول دور التدوين والمدونين في الانتفاضات العربية، ووصل الأمر بالبعض إلى أن يعتبرها ناتجة عن عمل المدونين، وهو أمر لا يخلو من تضخيم. فهم كانوا جزء مهما من الخلطة التى أدت إلى تلك الانتفاضات، من خلال التعبير عن أرائهم بشجاعة وكشف مواطن الفساد في دولهم، وفضح انتهاكات حقوق الانسان، وتغطية الاحتجاجات الشعبية المطلبية في ظل سيطرة الإعلام الرسمى وارتهان الصحافة التقليدية لرجال الأعمال المستفيدين من الأنظمة في أغلب الدول العربية، وسطوة مقص الرقيب... لكن عمل المدونين هذا لا يمكن بأي حال أن يلغي دور النشطاء السياسيين والحقوقيين والحركات الاحتجاجية الموجودة في الميدان، والتي استطاعت الالتحام بالشارع الذى لا ييتواصل مع الانترنت. وذكرت النقاشات دور بعض الصحفيين الذي كانوا يساهمون فى كشف قضايا الفساد في دولهم والتعبير بكل جرأة عن أرائهم، وهو ما جعلهم يدخلون السجون احياناً. التدوين إذن جزء من المشهد وليس كل المشهد.
اخفاقات
انتقل النقاش في الدول التى حدثت فيها الانتفاضات والتغيرات الكبيرة إلى تناول مرحلة ما بعد سقوط الطغاة والتأسيس لدولة العدالة والديمقراطية. ولكن هذه لم تكن كل القصة، لأن المرحلة اتسمت باستقطاب إيديولوجي حاد جداً، وهو ما وقع فريسته بعض المدونين العرب، حيث انخرطوا بشراسة في تلك الحملات وتخلى بعضهم عن التحليل المنطقي وأصبح جزء من الحملات الدعائية التي تعتمد في بعض الأحيان على التضليل وتهدف إلى تشويه الخصوم السياسيين، وهو ما كان بمثابة انتكاسة كبيرة في مشوار التدوين في العالم العربي.
وفي هذه المرحلة أيضا، ظن بعض المدونين أن الاكتفاء بالنشاط على الشبكة والتدوين سيجعل صوته مؤثرا في صناعة المشهد السياسي في بلده، وهو ما جعل متبني هذا الموقف خارج الصورة وسيطرت جماعات لم تساهم في صناعة الثورة التى شارك فيها كمحتج ومؤطر وناقل لأصوات ثوراها، ما تسبب بالإحباط الشديد لهم أحيانا. وردا على ذلك يعمل الكثير من المدونين من أجل زرع ثقافة دمج النشاط على الشبكة مع النشاط الميداني.
في ضرورة التعاضد
"العالم العربي ليس مصر ولا الشام و لا السعودية فقط"، هذه جملة لقيت صدى في ملتقى المدونين العرب، وهي تعبير عن امتعاض بعض المدونين من قلة الاهتمام ببلادهم لأنها ليست من دول المركز في الوطن العربي. وهكذا فتح نقاش حول التشبيك بين المدونين وتبادل الدعم، وضرورة المساعدة في نقل الاحتجاجات في كل الأقطار العربية، والوقوف في وجه مضايقة المدونين في أي منها، وضد خنق أصوات مواطنيها. وقد أسفرت هذه النقاشات عن مبادرات تهدف إلى تعزيز التعاضد بين المدونين، سيبرهن الزمن المقبل عن مقدار فعاليتها... بانتظار تقييم نتائجها في الاجتماع المقبل للمدونين العرب.