"أوقدي النار يا أمي عندما أموت، فأنا أمقت اللون الأزرق على شفتي. لا تخافي من الوحدة يا أمي، فلديك من الأبناء الكثير، ربما يشفقون عليك من بعدي".
هكذا ستكتب مريم لأمها تَمام قبل أن تموت، في حال عدم نجاتها من الاقتران برجل متزوج وله أولاد.
جاء خال مريم برجل لم يسمع به أحد من قبل، رجل من قرية بعيدة، وقال لها: "يا مريم سيكون زوجاً صالحاً لكِ، أنا أعلم بذلك، ومن يدري ربما تهنئين معه".
حكت مريم أن والدتها المريضة بكل الأمراض تريدها أن تتزوج من هذا الرجل، إذ إن احتمال السعادة وارد مع الزوج المنتظر. وعلى حد قوله إنه هجر زوجته الأولى ولا يعاشرها، لكنها أم أولاده، ولهذا لا يستطيع الطلاق. وهي لن تكون مصدراً لتعاستها في أغلب الأحوال.
طلبت أم مريم من جميع من زار البيت إقناع ابنتها بالزواج من العريس المجهول. قالت الخالة: "روحي اخدمي في بيتك وزوجك، بلتشي يكون معاكي منيح وتسعدي".
تلطم مريم وجهها الأبيض المدور، الذي تتوسطه عينان ذابلتان وكأنها على نعس دائم: "ليش بلتشي؟ ليش بلتشي؟ ليش ما اتزوج واحد يسعدني بدون بلتشي"؟
لكن العرسان لا يقفون بالدور. طلقها زوجها بعد عام من الزواج وهي لم تتم عامها الثامن عشر، عادت مع والدها من المستشفى بعد أربع عمليات جراحية في رأسها، لإخراج قطع الخشب والحجارة التي تحطمت على رأسها على إثر الشجار الأخير مع زوجها الأسير السابق، الذي تزوجها بعد خروجه من سجن أقام فيه سبع سنوات، بتهمة ضرب جندي تاه عن مجموعته التي طوقت الحارة لالتقاط ما تيسر من شباب المخيم، في الساعة الرابعة صباحاً، وهو الموعد اليومي لزيارة الجيش للمخيم.
لمريم ثلاثة أشقاء، يمارسون البطالة في النوم حتى الظهر والسهر حتى الصباح، ينتظرون مريم لتعدّ لهم القهوة والإفطار، قبل أن تنطلق إلى العمل في تنظيف البيوت. ينتظرونها لتجلب لهم السجائر وتعدّ لهم وجبة الغداء، أو ما تيسر مما تأتي به من بقايا الثلاجات التي تنظفها.
يضربونها إن شاكست أو رفضت أن تناولهم كل ما جنت من مال في عملها اليومي. يضربونها كل ما طاب لهم أيضا، لا لسبب إلا لكي يذكروها مَن هو الرجل في البيت.
هجر والدها البيت وتزوج بأخرى بثمن أساور مريم الذهبية التي عادت بها من زواجها المبكر، وكان يضربها كلما رآها تسير في الشارع ذاهبة الى العمل أو عائدة منه.
لا تريد مريم الزواج مرة أخرى خوفاً من أن يضربها زوجها الموعود. عليها القبول خلال أسبوع لا أكثر، وإلا ستضيع عليها الفرصة الأخيرة في الزواج، وستظل حاملة عار طلاقها في الحارة وأمام الجيران.
تقول مريم: "دمعتي ما تنزل أبداً، أخاف تدمع عيني وما أعود أشوف وين نازلة، أهمّ شي أحمي راسي، جرحي القديم إن فتح مرة ثانية، ما ينفع يقفلوه". تتابع مريم وهي تمسح عيونها الجافة: "أمي طلبت من إخوتي ما يضربوني على راسي، لكن هم لما يركبهم الشر ما بيشوفوا وين بيضربوا".
"إيش أسوي؟ أتجوز رجل ما بأعرف إذا راح يضربني أم لا؟، وما بأعرف إذا يحُوش القرش من وجهي، وما يخليني أزور أمي؟ إيش أسوي..إيش"؟
تحلم مريم بالزواج من رجل أرمل. في تقديرها، سيكون أرحم من رجل متزوج. فماذا لو كانت زوجته الأولى قوية وتصدت لها وحولت حياتها الى جحيم؟
لم تقتنع مريم باحتمالات السعادة أو الهناء التي يعدها بها الجميع، الأم والخال والجارات. فالأم لكي لا يفوت مريم القطار والخال لأن الرجل ميسور ولديه بيت من ثلاث غرف وسيارة موديل ألفين وسيشتري لها أساور ذهبية وكأنها بنت بكر، أما الجارات فيتدخلن في كل ما لا يعنيهن، كالعادة.