قرأت أن الحكومة العراقية "ترغب بإضافة فقرة المذهب (سني أو شيعي أو مسيحي) في هوية الأحوال المدنية استناداً إلى (قانون الأحوال الشخصية الجعفري) الذي سنته حديثا. ومن المقرر أن يعرض على الشعب للاستفتاء، كما أنه من المتوقع أن يحظى بأغلبية الأصوات".
أهل العراق بحاجة لمثل هذه القوانين؟
لا أفهم لماذا تحتاج الحكومة العراقية لتحديد الملة على الهوية. لو كان الأمر متعلقا بالأمن، ألا يكفي استخدام الهويات الممغنطة التي تحتوي على مستشعر بصمة الإصبع، تنطوي على خصائص بشرية ثابتة غير قابلة للتغيير، يعرفون من خلالها مكان حامل الهوية وليس فقط ملته ولون عينيه وطوله وأشياء أخرى لا نعلم عن تفاصيلها أكثر من ذلك.
الجهات المسؤولة عن إصدار مثل هذه الهويات، هم أنفسهم المسؤولون عن المعابر والحواجز، وهم ذاتهم السبب وراء انعدام الأمن بسبب رغبتهم بالاستحواذ على السلطة، وهم من كتبوا اقتراحات للدول المانحة بتمويل الصلبان أو المصاحف والتوراة وتعليقها على الجدران.. وهم وحدهم الذين يحملون السلاح أمام المواطنين.
هذا المواطن، آه من هذا المواطن الذي يعرف كل ما ذكر حتى الآن، ومع ذلك فهو ينفذ خطط حكومته "العنصرية"، وهو الذي يقف على الحواجز... مستعداً لإهانة أخيه المواطن وقتله، إذا كان من الملة الأخرى أو الرأي المناقض.
فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية تسجيل المذاهب الدينية للمواطنين في الهوية (مسلم، مسيحي، درزي). وهذا جزء من السياسة التي يعتمدها النظام الصهيوني للتنكيل بالمواطنين غير اليهود على الحواجز والمطارات، فهم دائما عرضة للتفتيش والتحقيق والحجز على حاجياتهم وما يملكون. منذ أسابيع قليلة، رأيت على أبواب السكان في البلدة القديمة للقدس، صلبانا خشبية تدل على هوية سكانها الدينية.
ذُهلت، لمح صديقي جاك خوفي وقال "الإخوان المسيحيون".. على شاكلة "الإخوان المسلمين"، تماما مثل "الإخوان اليهود". وهكذا، لكل منا إخوانه.
ومن شدة فضولي، حاولت خلع الصليب من أحد الأبواب، لكنه لم يتزحزح. سألت صديقي وهو من سكان الحي: من المسؤول عن هذا الفعل؟ أجابني "ليس لي علم بذلك. صحونا في أحد الأيام ووجدنا الصلبان على جميع الأبواب". لكن بعد بحث قصير، وجدت أن أحد الأديرة جاء بتمويل من الدول المانحة الموقرة لعملية لصق الصلبان على الأبواب. دب الخوف في أوصالي، إذ رأيت في هذه الظاهرة دعوة لإثارة الفتن.
هذا عن المواطن العادي، أبحث له عن الأعذار، فرضا بأنه جاهل ويعتقد أن لا دور له سوى الخضوع وتنفيذ الأوامر. لكن ماذا عن الشعراء والأدباء والمفكرين؟ الذين يستخدمون أقلامهم للدعوة إلى تصفية الآخر؟ أشم رائحة غرف الموتى في بغداد والقدس وتل أبيب والقاهرة. أتوق الى رائحة الوردة الدمشقية التي احترقت.
وما زال التاريخ يعيد نفسه، وكأنه سها عن الحروب والجرائم التي ارتكبت باسم الدين، ألم تكفنا الحروب الصليبية؟ ألم تكفنا حرب الثلاثين عاما بين البروتستانت والكاثوليك، إبادة الهنود الحمر، الإبادة ضد الأرمن، والحرب الأهلية في نيجيريا... هل نسينا الحرب الأهلية في ايرلندا؟ ألم نتعلم من الحرب الأهلية في لبنان؟ كيف قضينا على معنى الحب في الدين؟ أين تاهت رسائل الديانات، هل ما زالت عالقة في السماء أم رحلت مع الأنبياء؟
هل الدين محبة، وهل المحبة حدوتة أو نكتة؟ هل الدين نعمة، هل الدين نقمة؟ هل أحيا باسم الدين، أموت باسم الدين؟ هل الدين أمان، ظلام، انتصار، انكسار...
من يملك الإجابة عن هذه الأسئلة ؟ أجبني يا صاحب كل ملة، ما هي العلة؟