مصر: التشابك بين صناعة المستقبل وإعادة إنتاج الماضي

يعزز قانون التظاهر الصادر مؤخراً التخوفات المتنوعة التي ولدت نتيجة اهتزازات الفترة السابقة، كما أنه يؤجج تلك التي تلف المستقبل. التساؤل الهام يتعلق بجدوى الاستمرارية في نهج غير مرن وغير متماسك ولا يراعي معطيات الواقع المصري الحالي، وهو واقع استثنائي بالضرورة، وكذلك التساؤل عن مدى تشابك صناعة المستقبل مع إعادة إنتاج الماضي.الثورة تأكل أبناءها!أصدر رئيس الجمهورية المصري
2013-12-17

أحمد عبد العليم

كاتب وباحث سياسي من مصر


شارك
غرافيتي على أحد جدران القاهرة (تصوير عمرو عبد الله)

يعزز قانون التظاهر الصادر مؤخراً التخوفات المتنوعة التي ولدت نتيجة اهتزازات الفترة السابقة، كما أنه يؤجج تلك التي تلف المستقبل. التساؤل الهام يتعلق بجدوى الاستمرارية في نهج غير مرن وغير متماسك ولا يراعي معطيات الواقع المصري الحالي، وهو واقع استثنائي بالضرورة، وكذلك التساؤل عن مدى تشابك صناعة المستقبل مع إعادة إنتاج الماضي.

الثورة تأكل أبناءها!
أصدر رئيس الجمهورية المصري – المؤقت - مؤخراً قانون التظاهر، وهو يخص تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. لاقى القانون الذي سيخضع للاستفتاء الاستهجان لجهة الإجراءات والضوابط التنظيمية للتظاهر أو لجهة العقوبات المبالغ بها. ولكن الانتقاد الرئيسي لهذا القانون يخص توقيت إعلانه لا سيما أنه، وكما أعلن واضعوه، موجّه بالأساس لتحجيم تظاهرات الإخوان، وليس لشباب الثورة وداعمي خارطة الطريق التي أعلنها السيسي عقب عزل مرسي. وهو منطق فيه خلل. فالإخوان لا يعترفون بشرعية النظام السياسي القائم بعد عزل مرسي، وهم لا يعترفون بأدواته وآلياته وقوانينه. ثم إن السلطة تعتقل أصلا الإخوان سواء خلال التظاهرات أو حتى من البيوت ولا تحتاج لمثل هذا القانون. ثم إن القوانين لا تسن بناءً على حاجات هي آنية مهما يكن، بل يفترض انها تتبع فلسفة عامة في رؤية المجتمع، وفي الرغبة في تعيين خصائص السلطة.
وتعكس أول تظاهرة تمَّ الإعلان عنها بُعيد إصدار القانون رسمياً حالة التسرُّع في إصداره. وهي تظاهرة أقامها العشرات أمام مجلس الشورى المصري، للمطالبة بإلغاء المحاكمات العسكرية في الدستور الجديد، وتمَّ تفريقهم باستخدام خراطيم المياه وقنابل الغاز، وطاردتهم قوات الشرطة في الشوارع الجانبية وألقت القبض على 30 متظاهراً في أول تطبيق للقانون. ومن المفارقات أن غالبية مَن تظاهروا هم من النشطاء السياسيين الذين وقفوا في الخطوط الأولى في مواجهة الإخوان، ولذلك قوبل خبر القبض عليهم بتنديد عدد كبير من السياسيين والشخصيات العامة، حتى أن بعض أعضاء لجنة الخمسين المكلفة بعمل الدستور الجديد أعلنوا تعليق عضويتهم لحين الإفراج على كل من تمَّ القبض عليهم.
وقد أعلن عدد ممن قُبض عليهم بأنهم تعرضوا لمعاملة غير آدمية داخل أقسام الشرطة، وتم تعنيفهم وضربهم، رغم أنهم معروفون بمناهضتهم الشديدة أحياناً للإخوان، وهو ما ينذر بأمرين غاية في الخطورة، أولهما أن ثمة إعادة إنتاج للماضي الممثل في توغُّل الدولة الأمنية، وهو ما يتعارض مع الحقوق والحريات التي تكفلها مسودة دستور 2013 ضمن خارطة طريق المستقبل، وكذلك ينذر بأنه ثمة شقاق قد بدأ ولم ينته (وربما لن ينتهي في وقت قريب) داخل الصف المُعادي للإخوان، وهو شقاق يصب في مصلحة الإخوان بالأساس الذي قال واضعو قانون التظاهر إنه لتحجيمهم.

مشابه لدستور الإسلاميين
كان هناك توافق على أغلبية مواد مشروع الدستور. أما المواد الخلافية فكانت جميعها في الباب السادس المتعلق بالأحكام العامة والانتقالية، حيث اعترض بعض الأعضاء على انتخاب مجلس للنواب قبل انتخابات الرئاسة، خاصة أن الأحزاب ما زالت غير مؤهلة لهذه الانتخابات وكذلك لأن خارطة الطريق التي أعلنها السيسي في تموز/يوليو الماضي تحدثت عن انتخابات رئاسية مبكرة. وتمَّ حسم هذا الخلاف أخيراً بإحالة الأمر لرئيس الجمهورية ليُقرِّر أيهما أفضل "وفقًا للمصلحة العامة". ويُلاحَظ أيضًا في مسودة الدستور الجديد إلغاء مجلس الشورى وأن السلطة التشريعية تتمثل في مجلس النواب فقط، وتمّ التصويت على هذه المادة بالإجماع من دون أيّ اعتراض من الأعضاء.
مشروع دستور 2013 يشكل نوعاً من الارتداد الى دستور الإسلاميين الذي وضع في 2012، حيث المادة التي تسبّبت بحالة جدل واسع في الشارع المصري، المادة الثانية من الدستور الخاصة بمصدر التشريع، جاءت مشابهة للمادة الثانية من دستور 2012. ونصّت المادة على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وقوبلت باعتراض عضوين فقط من مجموع المصوتين (47 عضواً). وتمَّ في المقابل حذف المادة (219) من دستور 2012 وهي تلك المفسِّرة لمبادئ الشريعة والتي كانت مكملة للمادة الثانية، والتي كان حزب النور السلفي قد أصر على وضعها آنذاك في دستور 2012. كذلك فيما يتعلق بالنظام السياسي، فنصّت المادة الخامسة من مشروع دستور 2013 أن يقوم النظام السياسي على أساس التعددية الحزبية والتداول السلمي للسُلطة، ويُلاحَظ حذف كلمة "الشورى" التي كانت في نَص المادة السادسة من دستور 2012.

الأفق؟
التضييق على الحريات في مصر وتغوُل الدولة الأمنية، خاصة بوجود تأييد شعبي لذلك التضييق طالما أنه ضد الإخوان أو المتعاطفين معهم، ينذر بإعادة إنتاج الماضي التسلُّطي الذي قامت ضده ثورة 2011. ومَن يتصور أن "الاستقرار" الذي بات التحجج به غطاءً لكل شيء مرتبط فقط بوجود دستور مكتوب بأفضل شكل، وبرلمان ورئيس مُنتخبيْن، من دون التفكير في حلول للمشاكل الحياتية اليومية التي تَعني المواطن المصري بالأساس، فهو يبحث عن استقرار هشّ ضعيف، سوف يقود إلى "فوضى" أخرى (وهي الفزاعة الجديدة/القديمة، هي الاخرى)، أو ربما يؤدي الى ثورة تطيح بالجميع. وربما يتعين على الإخوان والمتعاطفين معهم إدراك أن استمرار التظاهرات لن يخلق أبداً وضعاً جديداً، وأن عودة مرسي مستحيلة وأن اندفاعهم على هذه الصورة يعطي الفرصة لإعادة إنتاج دولة أمنية هم أول وأكبر ضحاياها. وعلى النظام الحالي إدراك أن استخدام القوة المفرطة والتضييق على الحريات، بعيداً عن الحزم المطلوب والمشروع لمواجهة أيّ عنف أو تحريض، سوف يؤدي إلى انفجار جديد لن يستطع أحد أياً كان موقعه وأدوات قوته أن يوقفه أو يُحيّده. على الجميع إدراك أن مصر بالفعل تئنّ!
 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

المرأة المصرية واعظة بالمسجد

قررت وزارة الأوقاف تعيين 144 امرأة واعظات في المساجد كجزء من "تجديد الخطاب الديني" الذي دعا اليه الرئيس السيسي. المبادرة تبدو شكلية بالنظر للاشتراطات المصاحبة لها ولوجود  110 آلاف مسجد...