شهد اليوم الأول للعام الدراسي الجامعي في مصر حالة من الفوضى العارمة، بدايةً من مشهد الطوابير الطويلة التي تمتد لعشرات الأمتار، يقف فيها الطلاب والطالبات على أبواب الجامعة كي يتمكنوا من الدخول إليها، وهو مشهد جديد وغريب على الجامعات المصرية، مرورا بالشد والجذب بين الطلاب وأمن الجامعة على البوابات، انتهاءً بالعنف بين الطلاب والأمن والذي انتهى بتحطيم أجهزة شركة الأمن الخاصة "فالكون" في عدة جامعات..
"فالكون": السخط والسخرية
تشهد الجامعات المصرية للمرة الأولى في تاريخها وجود شركة أمن خاصة لحراستها وتأمينها، حيث تعاقدت وزارة التعليم العالي المصرية مع شركة "فالكون" لتأمين 12 جامعة مصرية، "تجنبا لوقوع أعمال عنف وشغب كما حدث في العام الماضي"، بحسب الرئيس التنفيذي للشركة.. وهو ما يطرح تساؤلات عدة، أولها يتعلق بسبب التفكير في شركة أمن خاصة للجامعات المصرية في ظل وجود الأمن الإداري للجامعات، وكذلك عن السبب باختيار شركة "فالكون" بالتحديد، وهي الشركة التي أمّنت حملتي المرشح الرئاسي أحمد شفيق وكذلك حملة الرئيس السيسي الانتخابية. وعلى الرغم من الحديث عن كفاءتها وتأمينها الناجح لبعض البنوك المصرية وأماكن حساسة أخرى، إلا أنه يشتبه بوجود طابع سياسي لها أياً كانت درجاته، ما قد يجعله يثير حفيظة عدد من الطلاب، وهو أمر لا بد أنه كان في مخيلة صانع القرار.. فقد اصبحت فالكون جزءا من افتعال المشكلات والأزمات. شركة الأمن الخاصة هذه تأخذ من موازنة الدولة ما يقارب من أربعة ملايين جنيه شهريا رغم أنه كان من الممكن بأقل من ذلك المبلغ تجهيز الأمن الإداري للجامعة وهو مُهيأ بشكل أفضل نسبياً للتعامل مع الطلاب ما تفتقده تماماً شركة "فالكون" التي تعاملت بتعال وحزم غير مبرر مع الطلاب. هكذا جنت "فالكون" ثمار قرار وجودها على أبواب الجامعات المصرية بأن تحولت من مظهر للقوة والضبط (كما جاء في تصريحات مسؤولي الشركة عن استعدادهم التام لتأمين أيّة محاولات لاقتحام البوابات أو تخريبها)، إلى مادة للسخرية الشديدة بعد انسحاب افرادها من الجامعات وبعد تهشيم أجهزتهم ومطاردة بعضهم، وقد دشن النشطاء "هاشتاج" ساخر حول انسحاب أفراد شركة التأمين "فالكون"من الجامعات، ونشروا صورة لأحد البنطلونات قالوا إنه خاص بفرد أمن من فالكون، قام بالتخلص منه حتى يحمي نفسه من اعتداءات الطلاب، بالإضافة إلى التعليقات الكثيرة الساخرة منها: "فالكون تناشد استرجاع البنطلون والطلاب يرددون نكون أو لا نكون".. ويظل الأكثر مدعاة للسخرية هو حدوث مناوشات بين أمن "فالكون" والأمن الإداري للجامعة نتيجة رفض الاولى دخول أحد أفراد الأمن الإداري إلى حرم الجامعات!
تحويل الطلاب إلى مخبرين
الجامعة نموذج مُصغر لإدارة الدولة المصرية، حيث يعاني فيها صناع القرار من ضعف الخيال السياسي، ما يجعلهم يميلون إلى الحل الأمني باعتباره الجاهز والأسرع، وهو حل مع الوقت أظهر فشله سواء في إدارة الملفات السيادية لمصر مثل أزمة سد النهضة أو غيرها من الأزمات الأخرى، ليبدو أن الحل الأمني هو أخطر ما أورثه نظام مبارك الذي قامت ضده ثورة كانون الثاني / يناير 2011، حين خرج الناس ولديهم شغف لطعم الحرية وفي حلقهم مرارة جهاز أمن الدولة. ويبدو أن المعادلة التي كرَّسها مبارك عن أولوية الأمن على الحرية رائجة لدى السيسي الذي لا يكف عن الحديث عن احترام حريات المصريين وخصوصياتهم، وهو أمر يعكس الواقع ونقيضه تماما في ظل أمننة كل شيء. وتبحث وزارة الداخلية في تركيز مندوبين من أجهزة الأمن الوطني وغيره ليكونوا بمثابة شرطة سرية داخل الجامعات، لمحاولة السيطرة، بل هناك حديث عن تجنيد بعض الطلاب للإبلاغ عن زملائهم وللقيام بدور الشرطة السرية.
ضيق أفق
القرار الأصوب هو سحب شركة الأمن الخاصة من الجامعات كي لا تستمر حالة العنف والسخط والاستياء، وأن يتم تجهيز الأمن الإداري للجامعة بما يُمكِّنه من ضبط الدخول والخروج بشكل يحفظ النظام داخل الجامعة من ناحية، ويحفظ كرامة الطلاب وانتظامهم من ناحية أخرى، وهو حل وإن بدا بسيطًا للغاية إلا أنه يبدو عصيا على أنظمة تمتهن العناد وتثبت مع الوقت أنها ضيقة الأفق.