أسدل الستار على نتائج الشهادة الأهم في حياة الأسر المصرية، الثانوية العامة، بفوز 371 ألف طالب وطالبة، بنسبة نجاح بلغت 79.4 في المئة من إجمالي المتقدمين، بينهم 70 طالباً انضموا إلى لائحة الشرف، إذ بلغ عدد الأوائل في القسم العلمي 57 طالبا بينما كانوا في القسم الأدبي 11 فقط. وحازت شعبة العلوم الأغلبية، بـ42 مقعدا مقابل 17 مقعدا لشعبة الرياضيات ومقعد واحد للمكفوفين، وهي المرة الأولى منذ سنوات التي تفوز به فتاة.
البنات في المقدمة
لائحة الشرف هذا العام سجلت رقما قياسيا يحدث لأول مرة في تاريخ شهادة البكالوريا المصرية. ومن الاوائل الـ70، هناك 40 فتاة متفوقة أي بما نسبته 58 في المئة من الاوائل، وهذا يتناسب مع نسبة عدد البنات الى البنين في الامتحان. كما شهدت نتائج الأوائل احتكارا تاما للبنات في القسم الأدبي، فالـ11 مركزا كانت من نصيبهن، وحزن 25 مركزا في العلمي علوم، ولكن في العلمي رياضيات حصلن على 4 مراكز فقط مقابل 13 للطلاب البنين. وأما الظاهرة الأكثر وضوحا فتمثلت في حصول 6 طلاب على مجموع 100 في المئة، أي الدرجات النهائية في كل المواد الدراسية، منهن 4 طالبات، ثلاث منهن بالعلمي علوم وواحدة بشعبة الرياضيات.
ومن اللافت للنظر ان كل الاوائل بدون استثناء أشادوا بدور الدروس الخصوصية في مسيرة تفوقهم في الثانوية العامة، وأنهم تحصلوا عليها في كل المواد الدراسية، وأنهم كانوا ينظمون أوقاتهم بين مواعيد الدروس الخصوصية والمذاكرة، بينما لم يذهبوا إلى المدرسة إلا لأيام لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة طوال العام الدراسي.
علماً أن أغلبية الأوائل من المدارس المجانية الحكومية، على الرغم من أن هذه المدارس تأتي في الترتيب الرابع وقبل الأخير بمركزين في النسبة العامة لنجاح طلابها، بينما احتلت المركز الأول مدارس اللغات الخاصة، تليها مدارس اللغات الحكومية، ثم المدارس الخاصة العربي، وهو المسلك الذي تشهده نتائج الثانوية العامة منذ سنوات عديدة. وقد فسر وزير تعليم أسبق سر هذا التفوق المخصوص، بالقول إنه لتشجيع التعليم الحكومي بطلابه ومدرّسيه، لان طالب التعليم الخاص أكثر حظاً في الرعاية التعليمية، والمساواة هنا عادلة حتى لا ينهار التعليم الحكومي تماما ويصاب طلابه تحديدا بالإحباط واليأس، وهم ما زالوا يمثلون الأغلبية العددية.
مئة بالمئة
لأول مرة يحصل ستة طلاب دفعة واحدة على الدرجات النهائية في كل المواد الدراسية، بما في ذلك اللغة العربية وما تتضمنه من درجات في التعبير والأدب والبلاغة، وهو ما وصفه العميد الأسبق لمعهد البحوث التربوية "بالمثير للدهشة والتساؤل حول معايير التصحيح، خاصة أن الامتحانات يتم تصحيحها بصرف النظر عن الظروف البيئية عبر نموذج موحد للتصحيح". وأضاف "نجيب محفوظ لم يكن ليتحصل على هذه الدرجات النهائية في اللغة العربية تحديدا، ولكن الأمر قد يكون مبررا في المواد العلمية"، وتساءل "هل هناك علاقة بين الغش وتسرب الامتحانات بالمحمول والتي تتكرر للعام الثالث على التوالي بدون ردع حقيقي، وارتفاع نسبة النجاح؟". ويضاف إلى ذلك ملاحظة أن الامتحان نفسه وأسئلته لا تميز بين المستويات المختلفة للطلاب، وأن الأسئلة ليس بها جديد، وبالتالي فقد نجحت الدروس الخصوصية لأنها تدرب الطلاب أكثر من عشر مرات على الأسئلة والامتحانات السابقة، فيحفظها الطالب عن ظهر قلب ويحصل على هذه الدرجات غير المعقولة. وتؤكد ذلك لغة الأرقام حيث أوضحت الإحصائيات الرسمية ارتفاع شريحة الحاصلين على مجموع أعلى من 95 في المئة إلى 16 في المئة مقابل 12.7 في المئة العام الماضي، وانخفاضها في الشرائح الأقل من ذلك مجموعا.
نتائج كارثية
لم تكد تعلن نتائج البكالوريا حتى دخل وزير التعليم العالي على الخط، وطلب تأجيل اجتماع المجلس الأعلى للجامعات إلى ما بعد العيد، لإتاحة مزيد من الوقت لبحث طرق علاج أزمة ارتفاع المجاميع، وخاصة لشرائح المتفوقين. ونقل عن الوزير وصفه للنتيجة بأنها "كارثية"، فقد كشف المجمع التكراري للطلاب وهو جدول إحصائي يوضح عدد الطلاب في كل نصف درجة، عن حقائق صادمة سوف تعصف بآمال الحاصلين على أعلى من 95 في المئة. فعدد الحاصلين على أعلى من 98 في المئة مثلا وصل إلى 10 آلاف طالب مقابل 5447 طالبا العام الماضي، وبالتالي سوف يرتفع الحد الادنى المطلوب في كليات القطاع الطبي والهندسي.
وضع المجمع التكراري لدرجات الطلاب المسؤولين عن مكتب تنسيق القبول بالجامعات في مأزق كبير. وجاء قرار تأجيل الاجتماع السنوي لمجلس الجامعات للبحث عن مخارج للأزمة. وليس أمام المجلس إلا التراجع عن قراره السابق بتحديد القبول بالعدد نفسه الذي عمل به في العام الماضي، وزيادة الأعداد المقبولة بمختلف القطاعات، وعلى رأسها ما يوصف بكليات القمة، في القطاعين الطبي والهندسي، وإلا فسوف يغضب الرأي العام والأسر المصرية.
الأزمة انتقلت أيضا إلى الجامعات الخاصة، حيث بدأ التسابق في التقديم إليها، ما أدى بمجلس الجامعات إلى تحديد حد أدنى للطب بمجموع 95 في المئة و90 في المئة لطب الاسنان والصيدلة، والأولوية لقبول الأعلى درجات وليس أسبقية الحجز كما كان متبعا في السنوات السابقة، مع رفع المصروفات التي وصلت إلى أقل قليلا من 10 آلاف دولار سنويا لكليات الطب.
على الرغم من الوعود والتصريحات الدائمة على مدار الأربعين عاما الماضية الخاصة بإصلاح منظومة الثانوية العامة، ما زالت شهادة البكالوريا المصرية تمثل كابوسا للأسر المصرية وصداعا سنويا للحكومة والمسؤولين، حيث تتأرجح النتائج بين ما هو تعليمي وما هو سياسي..