"التعذيب" في مصر.. سلاح الدولة الذي ينقلب عليها

تجاوزات فردية أم منهج أصيل، عود على بدء أم تزايد وتيرة الفعل لا أكثر؟.. اختيارات وتأويلات لا تستطيع أي منها أن ترفع أثر جرح واحد عن جسد مواطن تعرّض للتعذيب داخل السجون المصرية. الإجابة الأكثر واقعية التي يؤكد عليها المراقبون المحليون والدوليون لشؤون مناهضة التعذيب، أن الوتيرة زادت بشكل غير مسبوق عقب عزل محمد مرسي إثر موجة احتجاج شعبي واسعة. وهو تزايد يؤكد أن التعذيب لم يكن تجاوزات فردية بل هو
2015-06-23

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك

تجاوزات فردية أم منهج أصيل، عود على بدء أم تزايد وتيرة الفعل لا أكثر؟.. اختيارات وتأويلات لا تستطيع أي منها أن ترفع أثر جرح واحد عن جسد مواطن تعرّض للتعذيب داخل السجون المصرية. الإجابة الأكثر واقعية التي يؤكد عليها المراقبون المحليون والدوليون لشؤون مناهضة التعذيب، أن الوتيرة زادت بشكل غير مسبوق عقب عزل محمد مرسي إثر موجة احتجاج شعبي واسعة. وهو تزايد يؤكد أن التعذيب لم يكن تجاوزات فردية بل هو أحد الأساليب الرئيسية لدى منظومة الأمن المصري من أجل انتزاع معلومات واعترافات بشكل غير قانوني، وهو من جانب آخر ذراع لمواجهة أي تحرك احتجاجي مجتمعي بدلاً من التوجه نحو الحلول السياسية.
 

أرقام وآلام واللاجدوى
 

إحصاءات حديثة صادرة عن مركز "نديم" الحقوقي لمناهضة التعذيب ترصد أنه في شهر نيسان/ إبريل، حدثت 10 حالات وفاة داخل أماكن الاحتجاز الرسمية (أقسام الشرطة والسجون) بسبب التعذيب والإهمال الطبي، وهناك 68 حالة تعذيب جاء أغلبها في أماكن الاحتجاز غير الرسمية في مقار الأمن الوطني ومعسكرات الأمن المركزي، حيث يتم إنكار تواجد المعتقلين لفترة من الزمن فيخرج بعضهم جثة.
شهادات الشباب الذين تمّ اعتقالهم أثناء محاولة إنقاذ زملائهم ممن سقطوا قتلى في "ممر الموت" في ستاد الدفاع الجوي حملت الكثير من التفاصيل عن "ممر العذاب" الذين عبروه بأعجوبة حتى وصلوا الى ساحات المحاكم التي لا يشهد داخلها بالضرورة موقفاً مغايراً..
وحسب شهادة الحقوقية عايدة سيف الدولة، رئيسة مركز النديم، فإن موجة التعذيب عقب 3 تموز 2013 هي الأعلى في تاريخ مصر الحديث. فخلال هذه الفترة تجلت بوضوح تلك الجدلية العبثية التي ترى أن هناك تضاداً بين الأمن الوطني وحقوق الإنسان. وبالنسبة لها، فإن حالة الحرب او الطوارئ ليست مبرراً لوقوع التعذيب وفقًا للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر في 1986، وللإنسانية والمنطق. اما عن جدوى التعذيب فقالت سيف الدولة: "كل شهادة لأهالي المعتقلين ونشرها إعلامياً تفسد فلسفة التعذيب التي يريدون من خلالها كسر المعتقلين وبث الخوف في نفوسهم، وستكون لطمة على وجه الداخلية والنظام باعتبارها الذراع الأقوى له".
لم تختلف تقارير المركزي الحقوقي عن التعذيب بشهري أيار وحزيران عن الشهور الأولى من العام. اما تقرير هيئة الطب الشرعي ـ التابعة للدولة ـ فتشير الى 16 حالة وفاة إثر التعذيب في أماكن احتجاز رسمية وغير رسمية خلال عام واحد.
 

من التعذيب الى التصفية
 

ومن التصنيف الزمني الى المكاني، حيث سجل أحد أقسام الشرطة بمنطقة المطرية ـ ذائعة الصيت بسبب المواجهات الدائمة بين الشرطة ومتظاهري جماعة الإخوان المسلمين ـ 7 حالات وفاة نتيجة التعذيب، كان أشهرها لمحام شاب منتمٍ لجماعة الإخوان المسملين تمّ القبض عليه لانتزاع معلومات عن نشاط الجماعة بالمنطقة وخرج من القسم جثة مشوّهة بكسور في الفك والرأس وقطع باللسان.
ومع تزايد حالات القتل بالمظاهرات والتعذيب والموت داخل أماكن الاحتجاز، شهدت منطقة المطرية تلك تطوراً نوعياً شديد الخطورة، حيث بدأت مجموعات في تنفيذ عمليات اغتيال ضد ضباط شرطة يفترض أنهم متورطون ـ حسب شهادات المعتقلين والأهالي ـ في جرائم التعذيب. وعلى الجانب الآخر، اتجهت الشرطة الى مزيد من التورط في "الجريمة"، فانتقلت من ساحة "التعذيب" الى "التصفية" وهو ما حدث وتم توثيقه مجتمعياً في حالة الشاب الجامعي "إسلام عطيتو". فنجد أنه في حين خرج المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية ليؤكد "تصفية أحد العناصر الإرهابية المتهمة بقتل رئيس مباحث قسم شرطة المطرية أثناء مقاومته قوات الشرطة عند مهاجمته في مكان اختبائه بصحراء شرق القاهرة"، أصدر اتحاد طلاب جامعة عين شمس بياناً يؤكد ملاحقة أفراد أمن بزي مدني لزميلهم عقب خروجه من لجنة الامتحان، وأن كاميرات المراقبة قد كشفت ذلك قبل أن يختفي الطالب لمدة يوم وتظهر صورته في اليوم الثاني كجثة هامدة. الأستاذ الجامعي لعب دوره هو أيضاً في توثيق الحادثة، بتقديم ورقة الامتحان الخاصة بالطالب إلى النيابة العامة ـ التي فتحت تحقيقاً بالواقعة ـ وتساءل إن كان إرهابياً فيهتم بالامتثال للامتحان الدراسي قبل أن يتوجه الى وكره!
سؤال آخر خرج بحرقة من صدر والدة الشاب أمام مشرحة الطب الشرعي وهي تصف الكسور في الذراع والساق والكدمات في الوجه والصدر التي طالت ابنها إضافة الى خمس رصاصات؛ وقالت: "يعني مش كفاية يقتلوه، ليه يعذبوه قبل ما يموت ليه".
 

الاعتراف سيد الأدلة
 

"الاعتراف سيد الأدلة" جملة شهيرة بالقانون تحولت عبر أداء الشرطة الى أهم دلائل إثبات ممارسة "التعذيب". فمع كل فيديو تخرج به إدارة الإعلام في وزارة الداخلية المصرية ويشمل اعترافات لعدد من المواطنين، أغلبهم من الشباب، يقرّون بانضمامهم لجماعة الإخوان المسلمين ـ التي يصنفها النظام المصري الحالي كإرهابية ـ والضلوع في أعمال إرهاب وعنف، يتجلى سؤال بديهي حول لماذا يوافق هؤلاء على فعل ذلك حتى وإن كانوا متورطين؟ وتأتي الإجابة دائماً امام ساحات المحاكم: "أنكر هذا الاعترافات لأنها تم إجباري عليها تحت التعذيب".
"التعذيب أداة تحقيق رئيسية في مصر، ويتم الاعتماد عليها بنسبة 70 في المئة لجمع المعلومات"، حقيقة يؤكدها "محمود قطري"، وهو عميد شرطة متقاعد وأحد المدافعين عن ضرورة تطبيق قواعد حقوق الإنسان في عمل وزارة الداخلية لضمان كفاءة عملها أولاً ومصداقيتها ثانياً، فيرى أن الافتقاد لأساليب البحث الجنائي العملية، وضغط العمل من دون وجود هيئات نقابية تحمي الشرطيين من رؤسائهم، أديا الى ترسيخ هذه العقيدة داخل أبنية الشرطة حتى وإن كان يتم نفيها بل وإدانتها ليل نهار من جانبهم عند الظهور على الشاشات وصفحات الجرائد.

كارثة أخرى يعيشها المجتمع المصري وهي "عمليات الإرهاب والعنف"، التي تواجه بـ "الضربات الاستباقية" كما يسمّيها وزير الداخلية الحالي، الذي جاء الى المنصب عبر رئاسته لجهاز "الأمن الوطني"، و "دائرة العنف" كما يسمّيها الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق "خالد علي".. جميعها "مصطلحات" تحاصر تلك الظاهرة التي لا تتوقف حيث ترى السلطة أن انتشار الجماعات الإرهابية لا يسمح الا بنشاط محدود في جمع المعلومات، بينما ترى أصوات أخرى حقوقية وسياسية أن استمرار هذا النهج من دون وجود محاكمات رادعة ـ أغلب حالات الموت تحت التعذيب لا تصل الى المحاكم، وإذا حدث فيتم تسجيلها كجنحة قتل غير عمد!! ـ سيؤدي الى اتساع دائرة العنف والرغبة في الانتقام، مما يغذّي مجموعات إرهابية جديدة يصعب التحري عنها.

 

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...