"أرابتيك" والمليون وحدة سكنية

"احذر المحروم اذا ما وعدته بالجنة ثم أفاق على وهم كذبك". حكمة تاريخية لا تضعها فى حسابها الحكومات التي لا تعمل من أجل المستقبل أو التاريخ.. حكومات اليوم الواحد واللغة الواحدة ، والمكسب السريع الذي لا يعني غالباً غير عدد النقاط المحرزة نتيجة الحشد والترويج لانجازات غالبا تتبخر ما أن نقترب من أرض الواقع. وهذا رصد لحالة المجتمع المصري عند استقباله، بعدما يزيد عن العام، الخبر
2015-09-24

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
وفا حوراني-فلسطين (Here and Elsewhere)

"احذر المحروم اذا ما وعدته بالجنة ثم أفاق على وهم كذبك". حكمة تاريخية لا تضعها فى حسابها الحكومات التي لا تعمل من أجل المستقبل أو التاريخ.. حكومات اليوم الواحد واللغة الواحدة ، والمكسب السريع الذي لا يعني غالباً غير عدد النقاط المحرزة نتيجة الحشد والترويج لانجازات غالبا تتبخر ما أن نقترب من أرض الواقع. وهذا رصد لحالة المجتمع المصري عند استقباله، بعدما يزيد عن العام، الخبر الرسمي بالتراجع عن تنفيذ مشروع "المليون وحدة سكنية" من خلال شركة "أرابتيك" الإماراتية الشهيرة للعقارات.

مليون أم 150 ألفا أم.. صفر؟

جاء الخبر ــ الصدمة كحصاد لسلسلة تصريحات وتصريحات مضادة من الطرفين زادت وتيرتها في الشهرين الأخيرين. فتحت الحكومة المصرية على مدار عام باب الحجز وجمع المقدمات المالية التي تصل إلى خمسة آلاف جنيه من كل مواطن راغب بالشراء، وإجراء القرعة العلنية بل والإعلان عن قبول منح دولية لدعم المشروع القومي.. خرجت شركة "أرابتيك" ببيان مقتضب في تموز/ يونيو الماضي، نفت فيه تصريحات وزير الاسكان المصري عن قرب توقيع العقد النهائي مع الشركة الإماراتية (خلال أيام!)، بل قال البيان: "لا توجد أي تطورات تستوجب الإفصاح عنها".
وعلى مدار ثلاثة شهور مرت، تزايدت وتيرة التصريحات الحكومية المختلفة على ألسنة رؤساء قطاع التشييد والبناء والتمويل العقاري داخل مصر، إلى أن تم الإعلان رسمياً أن بروتوكول التفاهم الذي تم توقيعه مع الشركة الإماراتية "لم يسفر عن اتفاق نهائي"، وأن هذا لا يعني انتهاء حلم المليون وحدة سكنية، ولكن ستكتفي الحكومة المصرية بما تم البدء ببنائه فعلا، وهو 150 ألف وحدة، على أن يتم استكمال المشروع فى مراحل تالية.
من أين تأتي الـ150 ألف وحدة، وكيف؟ ومن سيحصل عليها ومن ستتأخر فرصته؟.. ملف آخر شابه التضارب. فبينما خرج مسؤولون حكوميون ليؤكدوا أن الشركة الإماراتية ستنفذ فقط المرحلة الأولى من المشروع، بواقع 150 ألف وحدة وبتكلفة 280 مليون جنيه، عادت الشركة لتنفي ذلك بداية هذا الشهر، وقالت "لم يتم الاتفاق على ذلك".
لم يصدر رد رسمي من الحكومة المصرية على النفي الإماراتي، لكن تمت معالجة الأمر من خلال سلسلة تصريحات أخرى أشارت إلى أن الـ150 ألف وحدة هي حصاد ما تم بناؤه بالفعل من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وبتمويل "صندوق الإسكان الاجتماعي" (تم إنشاؤه عقب ثورة 25 يناير)، وكذلك عبر منحة لا تُسترد من الحكومة الإماراتية لبناء 50 ألف وحدة سكنية فى مصر.
مساعد وزير الإسكان للشؤون الفنية، والمدير التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي، قال في تصريحات صحافية أن التكلفة الاستثمارية لتنفيذ تلك الوحدات تبلغ 30 مليار جنيه، وأنها قائمة على مصادر تمويل الصندوق من مساهمات المقدّمين (5 آلاف جنيه يدفعها كل من يشارك في قرعة علنية لاختيار الفائزين بالوحدات السكنية)، وهذه تمثل السهم الأكبر في التمويل، تليها القروض الدولية والمنح التي حصلت عليها مصر عبر المؤتمر الاقتصادي. أما قطاع "اتحاد المقاولين المصريين" فقد أدلى بتصريحات قوية تطالب بإنهاء حالة الترقب التي عانى منها القطاع على مدار عام بسبب حلم الشركة الإماراتية الذي لم يرَ النور، وأنه آن الأوان لفتح الطريق أمام 17 ألف شركة مصرية لبدء تنفيذ المشروع.

"بروتوكول"، كلمة السرّ الغامضة

كيف يتم الإعلان عن مشروع بهذا الحجم، ثم يعاني كل هذا التخبط والتضارب، إلى حد النكوص عن تنفيذه بالكامل؟. الأسئلة الكثيرة على كل لسان في مصر، ليس فقط بما يتعلق بمشروع المليون وحدة سكنية، وإنما بغيرها من "المشروعات القومية" التي تم الترويج لها بقوة ولم تخرج للنور بعد. أصبحت كلمة "بروتوكول" هي كلمة السر التي تبدأ من عندها رحلة الشك بما سيجنيه المواطن جراء الترويج المستقبلي لمشروعات لم تتبلور فعلياً ولم يتم الاتفاق عليها بشكل نهائي.
مشكلة أخرى تفاقم هذا الحال البائس: الخلط بين "الإعلام" و "الإعلان"، بحسب الإعلامي عماد عبد اللطيف في تفسيره لظاهرة "البروتوكول": القطاع الأكبر الذي يعاني من التخبط في مصر هو الإعلام، حيث تحوّل إلى ما يشبه جهة إعلانات حكومية لا ترى ولا تسمع، بينما الجهاز الرسمي يسعى لكسب أكبر مساحة تأييد عبر الاعلانات عن مشروعات قادمة، قد تكون حسنة النية، ولكن هذا وحده لا يكفي بالتأكيد.
ووفق تقديرات حكومية وحقوقية، فإن حجم العجز السنوي في الوحدات السكنية في مصر يصل الى 500 ألف وحدة، 300 ألف منها هي الاحتياج السنوي الحقيقي و200 ألف هو المتراكم عن السنوات السابقة. وقد كانت تلك الأرقام هي السبب وراء الإعلان عن هذا الحلم الذي تتوارثه منذ ثورة يناير الحكومات، واحدة تلو الأخرى.
أما شركة أرابتيك الإماراتية، فلم يحصد المصريون منها على أرض الواقع بالفعل إلا عائد نشر إعلانات كبرى بالصفحات الأولى في الصحف، إبان الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية، تستعرض فيها "بروتوكول التفاهم الأولي" الذي لم يسفر عن بناء غرفة سكنية واحدة في البلاد.
وعلى الرغم من هذا، لا زالت ملايين الأوراق الثبوتية والملفات المضغوطة تزدحم بها المكاتب الحكومية، بل ولا زالت طوابير السائلين والباحثين عن فرصة للسكن، مشهداً يومياً معتاداً أمام وزارة الإسكان والجهات التابعة لها.. وهي تجسِّد آمال ملايين المصريين، وتمسكهم بحلم الحصول على وحدة سكنية بغض النظر عن كل هذا التضارب في ملف "المليون وحدة".

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...