إنها السنة العاشرة بتقويم ثورة 25 يناير. يمكن أن تُستعاد ملفات ومقالات وتحليلات مطوّلة عما حدث، ولماذا حدث، وكيف انتهى الأمر بالمصريين إلى لحظة اليوم القاتمة، تحت قمع آخر وتنغيص عيشٍ من جديد. ولكنّ الناس لم يتوقّفوا عن تبادل التبريكات بتلك اللحظة - الحلم، حتى في أحلك الظروف. "كل سنة وانتو طيبين، ورحم الله الشهداء"، يقولون، ويزيدون ذلك بالدعاءِ للمعتقلين بالحرية القريبة.
إنها مناسبة لاستعادة عِلّة كون تلك الثورة لحظة من السحر الخالص، الصادق، والضروري. وهي استعادةٌ يجيدها أكثر من أيّ أحد المعتقلون في سجون السيسي اليوم، من ناشطين ومحامين وفاعلين... أولئك الذين دفعوا مرّات ومرّات ثمن حلمهم، وما يزالون. فهم، رغم الأذى الشخصي ونهب سنين عمرهم والسطو على جلسات قهوتهم مع العائلة والأصدقاء.. هم أكثر من يعرفون لماذا أقدم الناس على ارتكاب الأحلام في العلن والمغامرة بذواتهم في سبيل ما وجدوه مستحقّاً للمغامرة.
فهكذا تكلّموا:
• "أكاد لا أصدق أنه مرت 5 أعوام على هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" و"عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة انسانية"... ربما لأني حتى وأنا في زنزانتي ممتلئة بالحلم، بالحرية وبالأمل (...) أرى أننا لا زلنا في الرحلة لبناء مجتمع إنساني عادل. أخطأنا أحيانا، وانهزمنا أحيانا.. تكبّرنا أحياناً، ويأسنا أحيانا، ولكننا لا زلنا في حلبة الصراع.. التمجيد هو آفة الأغبياء، والبكاء على الأطلال آفة الجبناء واليائسين (...) إن الثورة دائمة دوام الحياة والحلم، وأن الثورة لا تقف على أشخاص، وأن آجلاً أم عاجلاً في حياتنا أو في حياة من بعدنا، ستكتمل الثورة لأن البشر يستحقون الأفضل، وأن القبح مهما حاول أن يجمّل نفسه سيكشف وجهه".
-ماهينور المصري، من رسالتها في الذكرى الخامسة للثورة، 2016. اعتُقلت عدة مرات كان آخرها عام 2019 حين كانت تحضر التحقيقات مع ناشطين آخرين وتؤدي دورها كمحامية. وهي ما زالت معتقلة.
• "هذا قدرنا. لا نملك أن نقدّم للناسِ إلّا أعلامنا، ولا نتقن إلّا تحريضهم على الحلم. لا حولَ ولا قوّة لنا إلّا بالحبّ".
"لن يخرجوك من التاريخ ما دمت قادراً على الحديث، لن ينفوك للماضي ما دمت قادراً على الاستماع. لكن أي حاضر تسكن؟ لتسكن أحلام رفاقك وكوابيس أعدائك، عش في مستقبل لم يتحقق، عش فيه كطيف وعبرة وذكرى. ذكِّرهم أن الحاضر لم يكن حتمياً قبل أن يصير. لا تشغل نفسك بسؤال لِمَ لم يتحقق هذا المستقبل المحتمل؟ دع المنتصر يبحث عن الإجابات. كن أنت السؤال ولا تنشغل بعجزك، فالشبح لا يحتاج لحضور مادي ولا تأثير فعلي. عليك فقط أن تتجلى".
-علاء عبد الفتّاح، من مقاله "خمس استعاراتٍ عن التعافي" في مدى مصر. وعلاء اعتقل عدة مرات بتهمة خرق قانون التظاهر وغيرها من التهم، كان آخرها في 2019. وهو ما زال معتقلاً.
• "من 2011 وأنا كل 25 يناير بمشى في مسيرة مصطفى محمود.. آخر ذكرى ثورة حضرتها كانت في 2014، وبالرغم من عنف الداخلية قررت ألتزم بروتينى ومشيت من مصطفى محمود للتحرير.. السنة دي، زيّ كل سنة همشي من نفس الطريق.. لوحدي بس متأكدة إن فيه سنة جاية، آلاف هيرجعوا يمشوه تاني".
-سناء سيف، عن المشي كل عام في مسيرة منفردة إلى ميدان التحرير لإحياء ذكرى الثورة. عام 2016، لبست سناء سترة كتبت عليها "لسّاها ثورة يناير" ومشت مسيرتها. اعتقلت عدّة مرات بعد الثورة، كان آخرها في حزيران/ يونيو 2020 وما زالت معتقلة.
• "نبعد عن الميدان ألف خيبة، وتسع سنين، فما الذي جلب رائحة قنابل الغاز، ودويّ الرصاص، وصرخات إليّ هنا؟ هنا حقل التذكّر. والتذكّر لعنة الذاكرين (ونصف طريقهم للانتصار) (...) منهَكون بالأمل الثقيل/ البخيل. المخادع... لكنهم، رغم كل شيء، ما زالوا هنا موجودين، ولو في هامش ضيّق/ خانق. واقفون على وهنهم المؤقّت/ الزائل. في نفوسهم طيفُ إيمان بقادم متلكئ لم يفقدوه بعد. تتردد في آذانهم وعود الله بالنصر، وهتافات الرفاق للحرية. هؤلاء هم الغد. ينازع ليكون، ويُنازعُ لينسحق. ولا غيره سيكون في المنتهى، مهما وهنت بواكيره، وشحبت بداياته... لو صبرنا".
-أحمد دومة، من كتاباته في حبسه الانفرادي. وقد حُكم عليه بالسجن المشدّد 15 عاماً وذلك في إعادة محاكمته في القضية المعروفة باسم "أحداث مجلس الوزراء عام 2011". وهو ما زال معتقلاً.
... فكلّ سنة وهم وكل المعتقلون في حريّة وخَلاص