مع قرب انتصاف العام 2015 الذي أعلنته الحكومة الموريتانية سنة للتعليم، لا تظهر في الأفق القريب مؤشرات على إصلاح التعليم في البلاد. "عام التعليم" شعار رسمي تقول الحكومة إنها من خلاله تعمل على إنجاح العملية التعليمية، إلا أن المجتمع الأهلي كما بعض النقابات يشككان في ذلك. تظهر الاحصاءات أن هذا العمل يتطلّب الكثير؛ فـ182 الف طفل (أكثر من ربع الأطفال في سن التمدرس) لا يذهبون للمدارس، خصوصاً في المناطق الهشة في الارياف.
وفيما يتحدث وزير التعليم عن ورشات جدية من أجل تحريك القطاع وتطويره تقلل نقابات التعليم الأساسي من التفاؤل، وتقول إن سنة واحدة لن تحقق الكثير في بلد يعاني فوضى تتجلى في وجود أكثر من 3241 مدرسة ثلثاهما في الريف، بينما لا تحوي كل مدرسة في الغالب أكثر من تسعين تلميذاً، في حين يبلغ عدد الأساتذة والمعلمين قرابة سبعة عشر ألفاً.
النقابات: التعليم يحتاج عشرية لا سنة
تسخر نقابات التعليم من قرار السلطات وتؤكد أن القطاع يحتاج إلى عشرية مخصصة له، وليس إلى سنة واحدة. وقالت النقابات إن قطاع التعليم الأساسي "يعيش وضعية صعبة توشك أن تقوده إلى الانهيار التام إن لم تتداركه السلطات نتيجة تراكمات السياسات المرتجلة والإهمال وسوء التسيير وضعف التكوين أو انعدامه أحياناً، وغياب المعيارية في الترقية والتحويل والتعيين، وكذلك غياب المحفزات المادية والمعنوية للعاملين في هذا القطاع".. ودعت النقابات الى توظيف المناسبة في معالجة الاختلالات الخطيرة التي يعاني منها القطاع، وتحقيق مطالب مستخدميه عوض استخدامها في ما أسمته الدعاية الفارغة والأغراض المشبوهة لبعض "لوبيات الإدارة الفاسدة". ولخصت خمس نقابات تعليمية (النقابة الوطنية للتعليم العمومي، والنقابة الوطنية للنهوض بالمدرس، والنقابة الوطنية للمستشارين التربويين للتعليم الأساسي، والنقابة الوطنية لمكوّني مدارس تكوين المعلمين، والنقابة الوطنية لمفتشي التعليم الأساسي) معاناة القطاع في خمس عشرة نقطة أبرزها تحسين الأوضاع المعيشية للمعلم والأستاذ الذين لا تتجاوز رواتبهم ما يتراوح بين 200 و500 دولار شهرياً في حين لا تقل رواتب نظرائهم في التعليم الخصوصي عن الألف دولار. كما طالبت بإبعاد قطاع التعليم عن التجاذبات السياسية والتركيز على التكوين واعتماد الشفافية في الترقية وإعادة الاعتبار لأسلاك التعليم وتوفير التأمين الصحي.
السياسة تفشل التعليم
خلال الـ38 عاماً الماضية، تراجع التعليم في موريتانيا بحسب المختصين الذين يحمِّلون المؤسسة العسكرية في بلادهم السبب المباشر في ذلك. ويؤكد باحثون في التعليم أن وصول الجيش للسلطة العام 1978 شكل نكسة للتعليم وذلك بسبب الفوضى التي باتت تطبع القطاع. ويؤكد محمد الأمين وهو دكتور في التربية وأحد كبار الباحثين في العملية التعليمية، أن المدارس ظلت مقدسة خلال العقدين الأوليين من عمر الدولة وكان المعلم والأستاذ يتبوآن مكانة لائقة، لكن الفوضى طالت قطاعات عديدة من الدولة، أولها التعليم. ويضيف أن الأنظمة المتعاقبة شجعت أولوية كسب ولاء القبائل، وأصبح كل من يقيم قرية تُفتح له مدرسة من دون أية دراسة، مما ولّد مدارس تفوق العدد المطلوب في بلد لا يبلغ تعداد سكانه الأربعة ملايين نسمة. وهذه أخطر ضربة تلقاها التعليم العام، مما جعل الكثير من الموريتانيين يُرغمون على إرسال أبنائهم للتعليم الخاص.
ثنائية التعليم تهدّد مستقبل الأجيال
أكثر من تسعين في المئة ممن يرتادون المدارس الحكومية هم من أبناء الفقراء، في حين يتوجه أبناء الميسورين وحتى الأسر متوسطة الدخل الى المدارس الخاصة.. مع ما يعنيه هذا الواقع من خطورة على النسيج الاجتماعي، فقد دعم المستعمر السابق إثنيات من دون أخرى، وما يزال. وشجع هذا الواقع الأتراك وغيرهم على الاستثمار في التعليم، فانتشرت مدارس "برج العلم" التابعة للدولة التركية، وتزاحمها أخرى باسم "السليمانية" تركّز على العلوم الشرعية في بلد تفوق كتاتيبه المسمّاة بـ "المحاضر" الثلاثة آلاف، كما يتساءل كثيرون عن جدوى ذلك في بلد ظل أسلافه من أبرز علماء الدين في المنطقة..