لم يكن اقتحام اريئيل شارون للمسجد الأقصى قبل عشرين عاماً، سوى عود الكبريت الذي أشعل مشاعر الناس المتحفزّة لمواجهة الاحتلال، والمُحبطة من مسار التسوية ونتائجه، فكانت الانتفاضة الثانيّة.
شكّلت الانتفاضة حدثاً مفصلياً هاماً، توحد فيه الفلسطينيون على مواجهة الاحتلال، بمختلف انتماءاتهم الجغرافية والحزبية، وبشتى الطرق من العمل الشعبي والمجتمعي وصولاً إلى الاشتباك المسلح. ترافق ذلك مع حاضنة شعبية واسعة رأت في الانتفاضة أفقاً جديداً للحرية، واستعدت لتقديم التضحيات.
في سعيها لقمع هذا النضال الجامع، اجتاحت "إسرائيل" المدن، وبنت الجدار، ووضعت مئات الحواجز وفرضت منع التجوّل، وقتلت الآلاف واغتالت العديد من القيادات العسكريّة والسياسيّة، ووضعت الآلاف في السجون، وأغلقت المؤسّسات الخيريّة التي دعمت صمود الناس.
إضافةً إلى ذلك، بحثت "إسرائيل" عن قيادة فلسطينيّة جديدة مُقَلّمَةَ الأظافر تتعاون معها في القضاء على الانتفاضة. عملت أجهزة السّلطة بقيادتها الجديدة آنذاك (أبو مازن وسلام فياض)، وبإشراف أميركيّ (الجنرال كيث دايتون) وإسرائيلي على تشويه منجزات الانتفاضة والعمل على ضمان عدم تكرارها.
حدث ذلك بطرق منها: تشجيع الفلتان الأمنيّ لتشويه قيمة السّلاح عند الناس، وتفكيك الخلايا العسكريّة وملاحقة المطاردين، وترسيخ "التنسيق الأمنيّ"، ومطاردة مصادر التمويل ودفع النّاس نحو البنوك.
واليوم لم يعد للسلطة بشقها السياسي أي حاجة بعد أن استحالت لمهمة أمنية بيد "إسرائيل"، فيما يسود المشهد الفلسطيني تغولٌ للاستيطان في الضفة، وتغول لمشاريع الأسرلة في القدس، وقيادة غارقة في خطاب المواطنة في الداخل، وحصار يعزل غزة، ولجوء فلسطيني ملاحق، تجري تصفية حقه في العودة.
ونحن نستذكر ذلك، نقف أمام حالة عربية تسودها الهرولة نحو "إسرائيل". يُعيدنا هذا إلى حقيقة أن نضال الشعوب ضد الاحتلال والاستبداد متشابك المصائر، وأن بقاء جذوة النضال في فلسطين مشتعلة يحمي أهلها ويعطل كذلك مصالح أنظمة الديكتاتورية، ويؤخرها عن مشاريع تحالفها مع الاحتلال.
***
كل نصوص الملف على موقع "متراس".