نتناول مائدة الإفطار، فنتفحص كيف يكسر الصائمون صيامهم في مختلف أنحاء العالم العربي، ليس تسلية (على متعة الموضوع العظيمة، وفوائده الجمة!) ولا فلكلوراً، ولا انسياقا وراء الموجة السائدة التي أحالت شهر الصيام إلى شهر للنهم، بل لأن تلك اللحظة، الإفطار، تكثِّف معاني الحالتين معاً. فالمرء الفرد والمجتمعات على السواء، يفطرون كما يصومون، بتقشف يتناسب مع الغايات الروحية أو الفلسفية للصيام لمن يدركها، أو بوقوع على الدنيا لمن «عاقبه» الامتناع عن الطعام والشراب لساعات. وهكذا تؤشر العادات المتبعة إلى حالة عامة تتجاوز الفرْض الديني البحت، والذي يمكن أن يمارَس بتجويف أو بميكانيكية، لتقول الوعي السائد، ولتقول أيضا العلاقات الاجتماعية السائدة. وهو ما قصده كلود ليفي ستروس، عالم الانثروبولوجيا الأشهر، الذي أفرد مؤلفات كبرى وتأسيسية للطعام: «مطبخ أي مجتمع هو لغة يعبر بواسطتها ذلك المجتمع بطريقة غير واعية عن بنيته، أو أنه يكشف من حيث لا يدري عن تناقضاته». فكيف حين يضاف إلى «المطبخ» أو أنواع الطعام وأشكاله، وطرق تحضيرها وطهوها (أو عدمه)، مفهوم المقدس الذي يَنْظم حياة البشر، إذ يوزعها بين المعتاد والاستثنائي... ولولا ذلك لفقد انسياب الوقت معناه، ولضاع الزمن! ولأنه لا مجتمعات بلا «مقدس»، مهما كان شكله واسمه، ولا مجتمعات بلا طقوس، ومنها الصوم والإفطار، فالمعرفة المتوافرة هنا، ولو أنها تخص رمضان ومنطقتنا، إلا أنها عالمية وإنسانية شاملة... إفطاراً شهياً!
من كسر الصيام إلى البطنة التي تذهب الفطنة