يتصادف شهر رمضان هذا العام في الصومال مع بدايات الموسم الماطر، حين يعتدل الجو وتكتسي السماء الغيوم التي تخفف من سطوع الشمس. ولا يكاد يمرّ يوم دون هطول أمطار تتراوح بين زخّات منعشة تُنَقِّي الهواء وتلطّف الجو، إلى أمطار رعدية مصحوبة برياح باردة تقلل الشعور بالعطش، وتجعل من الجميل الخروج للتنزّه ليلاً في أنحاء المدن والبلدات. ويتم تعديل العمل في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة والمحال التجارية، فتختصر الساعات أو توزع بين الفترتين الصباحية والليلية عوضا عن المسائية، كما تضيف مكاتب الحوالات المالية ساعات ليلية لعملها، حتى تسهّل استقبال وإرسال التحويلات المالية التي تكون بصفة "العيدية".
العبادات
قد يتميّز الصوماليون بأن أقسام النساء في المساجد عامرة طوال العام بالمصلّيات اللاتي يؤدين فرائضهنّ فيها، إلّا أن المساحة المتاحة للنساء في رمضان تكبر على حساب المتاح للرجال، إذ يمكن للرجال الصلاة حول المسجد، في حين أن مساحة كبيرة من الأجزاء الداخلية تصبح حكراً على النساء ليؤدين صلوات العشاء والتراويح والتهجّد براحتهنّ وبرفقة أطفالهن.
المدارس الصوفية المنتشرة تجعل المساجد تتحول إلى حلقات ذكر مفتوحة ودائمة، بحيث يحتار المارُّ في الأحياء إلى أي مسجد ينتحي. ويعود الصوماليون إلى عادتهم القديمة في ختمة المصحف خلال الشهر، وقد يمتاز الصوماليون عمّن سواهم بتقليد خاص في التلاوة الجماعية للقرآن، وهذا التقليد يُسمى "سُبعس" أي "الترتيل تباعاً"، ويكون ذلك في حلقة قد تكون من بضعة قرّاء، وقد تزيد، وتكون مهمّة كلٍّ منهم أن يقرأ آية واحدة من السورة التي وصل إليها دوره، ثم يتلو من يليه آية واحدة وهكذا، حتى تكتمل الدائرة وقد قرأوا أجزاء كثيرة، شارك كلٌّ منهم في قراءة شيءٍ منها، وتلك الممارسة التقليدية هادفة لتثبيت حفظ القرآن لدى المشاركين الذين سبق لهم حفظه كاملًا، خاصة أنه كان من تقاليد الصوماليين إتمام حفظ القرآن قبل بلوغ السنة السادسة، وهي شهدت تراجعا ثم عادت بقوّة في السنوات الأخيرة. كما من العادات تشجيع الأطفال على الصيام، خاصّة أن فترة الصيام لا تزيد عن 14 ساعة مهما كان موقع شهر رمضان في فصول السنة، وعليه فإن مشقّة الصيام أقل وطأة على الأطفال، خاصة هذا العام حيث تصادف مع فصل الصيف المعتدل والإجازة السنوية للمدارس. فيقدم الآباء الوعود للأبناء والبنات بإهدائهم ما يشاؤون في العيد إن هم استطاعوا التفوّق على أقرانهم في صيام أكبر عدد من الساعات يومياً بالنسبة للصغار، كأن يصوموا إلى الظهيرة ويتناولوا الغداء المعدّ لهم خصيصاً، أو أن يقوم من هم أكبر سناً بالتفوّق في عدد أيام الصيام التي أتمّوها، فتتراوح الهدايا بين حلوى وألعاب وأجهزة هاتف نقّال، أو الوعد باصطحابهم للمتنزهات والمحلّات التي تحوي الألعاب، وأخذهم إلى أحد المطاعم.
الأسواق
وتشهد الأسواق رواجًا استثنائيا بدءا بأسواق المواد الغذائية، فيعرض التجّار بكثافة فواكه مستوردة كالتفّاح والعنب، ويبالغون في أسعار البطيّخ الذي يمكن اعتباره الفاكهة المحلية الرئيسية الخاصّة بهذا الشهر، وتزاد البسطات التي تعرض المعجنّات والحلوى كـ "المشبّك".. وتزدان محلّات الثياب الجاهزة ببضائع جديدة تماشي "موضة" هذا العام، كما أن محلّات المواد التجميلية تقدّم عروضا خاصة كالانواع الجديدة من الحنّاء التي تجيد المرأة الصومالية رسم نقوشها بحرفية تكاد تكون فطرية. ويزداد رواج أنواع وتركيبات البخور المميزة التي يتم استخدامها لسرعة إزالة رائحة الطعام من المنزل قبيل خروج النساء إلى صلاة التراويح.
ومن الأمور الطريفة واللافتة للاهتمام، تغيّر بعض صور الحياة اليومية، فتتأخر ساعات عمل المقاهي، كما أن محلات بيع "القات" تبدأ عملها قبيل أذان المغرب بقليل وحتى قبل ساعة واحدة من أذان الفجر، كما تمكن ملاحظة تغيير الباعة المتجولين لبضائعهم، فيستبدلون النظارات وإكسسوارات أجهزة الهاتف النقّال، بالمسابح والعطور التي يشتريها منهم روّاد المقاهي ليهديها بعضهم لبعض، أو يقوم البعض بتعطير من حوله. ومن الملاحظ كذلك تناقص أعداد المتسوّلين وماسحي الأحذية، لقيام المحسنين بالمرور عليهم ـ حيث هم ـ بصدقاتهم ومعوناتهم، بحيث يكتفون بذلك عن الخروج لسؤال الناس. ويصبح من الملاحظ كثرة الرجال الذين يرتدون الأزياء التقليدية وعلى رأسها "الإزار/معويس"، والطاقية الشرق أفريقية ("كوفية" و "شال") ويصبح البعض منهم يحمل "بكّورة" أو عكازا، كقطعة إضافية للوجاهة.
المائدة
يعشق الصوماليون التمر ويتناولونه طوال العام، على الرغم من انقطاع التمور العراقية "البصرية" المفضّلة تقليديا لديهم والتي حلّت محلها التمور الآتية من السعودية والإمارات وسلطنة عُمان. ويتضاعف استهلاك التمور في رمضان، ويليها البطيخ الذي يسميه الصوماليون "حَبْحَبْ" أو "قَري"، ويحضّرون العصائر منه بالإضافة إلى الليمون الأخضر والبرتقال الظفاري والمانجو والبابايا والشمام.
وعلى الرغم من تنوّع المطبخ الصومالي بين الشمال والجنوب، وبين البيئات البدوية والقروية والحضرية، فإن سيّدة مائدة الإفطار هي الـ"سامبوسة"، التي أحدث ما تردد حول تحريم "حركة الشباب" لها ردود أفعال ساخرة، إضافة إلى معجنات "خمير بُرّ" التي تصنع من الدقيق والبيض والحليب والسكّر، وتنكّهُ بالهيل والقرفة أو الحبة السوداء، ويتم قليها لتوضع على المائدة وتكون هي أيضاً رديفًا لتناول التمر. وقد يرافق وجبة الإفطار شوربة مصنوعة من الشوفان المطبوخ مع قليل من اللحم المفروم، إذ يميل الصوماليون لتناول الإفطار مختصراً وبارداً إلى حدّ ما، ليمكن للصائمين اللحاق سريعاً بصلاة المغرب، ويكونوا نشيطين لدى أداء صلاة التراويح. ويلي وجبة الإفطار العشاء، ويميل الكثير من الصوماليين إلى تأجيلها إلى ما بعد صلاة التراويح، وهي تتكون من أطعمة غنية بحيث تكون الوجبة الرئيسية بعد إفطار خفيف، وتحتوي غالباً على الأرز أو المعكرونة مصحوبة باللحم أو الدجاج أو السمك، أو وجبة من اللحوح "عنجيرو" أو "كمس/سبايَد"، وهما نوعان من الخبز يصنعان على صاج سميك، يضاف إليهما المرق المحتوي على قطع اللحم والخضروات كالبطاطس والملفوف والجزر وسواه، أو يضاف إليها "سوغو/سنّونَد" وهي صلصلة كثيفة من البطاطس والطماطم والفليفلة وغيرها، تحوي لحماً مفروماً أو قطع الدجاج.
وتزداد وتيرة صنع الحلوى في المنازل وتتوفر بكميات كبيرة كذلك لدى الباعة، كالـ "عدرية/الشعرية" المحمّرة المحلّاة المطيّبة بالهيل، والـ "لبنية" والـ "مشمش" المصنوعة من الأرز وجوز الهند، ولقمة القاضي "قُراع" وغيرها، كما يزداد استهلاك القهوة بأنواعها، إلّا أن أكثرها رواجاً الـ "خشر" أو قشر كرز البنّ المحمّص، لما له من خواص مفيدة للهضم مزيلة لعسره والتلبك والتطبّل. وغالبا ما تكون وجبة السحور غنية شأن العشاء، ولكن الوجبة التقليدية للسحور بسيطة جدا، يسميها الصوماليون "سرّين"، وتتكون من قمح مطبوخ مع قدر قليل من الأرز، وعند التقديم يضاف إليها الحليب الطازج أو الرائب، مضافا إليه شيء من "السمن الصومالي"، وقد تتم تحليتها أو تركها مالحةً حسب الذوق، وهي تتميّز بإبعاد الجوع والعطش.