يُعَدُّ موضوع الزواج من أهم القضايا التي يُشجع عليها المجتمع الشرقي بشكل عام، والعربي بشكل خاص. للزواج وجه حقوقي يغفل عنه الشريكان والأهل، إضافة الى لاعب أساس وهو المحاكم الشرعيّة لدى المسلمين بشكل خاص.
فحين يُقدم أي شريكين على اجراء عقد شراكة بينهما، لا بد من أن يحفظ كل منهما حقه سواء المعنوي أو المادي، إلا ان ما يجري في عقد الزواج بين الشريكين لا ينطبق عليه ذلك. لماذا على أحد الشريكين، الا وهو الرجل، ان تكون له الكلمة الفصل في الموضوع؟
في الزواج الاسلامي، وبحسب الشريعة الاسلامية، يحق لكلا الطرفين امتلاك حق الطلاق. لكن، لأسباب غير معروفة وغير سارية في المجتمع، ينحصر الطلاق بيد الرجل، علماً انهما يتفقان على أدق التفاصيل، ولا يترك هذان الشريكان المقبلان على حياة جديدة بحلوها ومرّها أمراً الا ويناقشانه!
فلماذا يتجنبّان الخوض في موضوع حق الطلاق (وكالة طلاق) في حال رغبت المرأة بذلك لأسباب واضحة ومعلومة ومحقة؟ لماذا تُعتبَر كل من تُقدم على طلب حق امتلاك وكالة طلاق بيدها انها تبيّت نية ما، ويُعتبر الطلب أمراً غير مستحب، لا بل مستنكر ومستهجن؟
فعندما اشترطت "سهى" على زوجها المستقبليّ امتلاك حق الطلاق بيدها، لم يستهجن هو نفسه بقدر ما استهجنت والدتها واستنكرت الامر. ذلك لأنه بحسب والدتها، "لا داعي لذلك، فالعريس انسان معروف بأخلاقه الحسنة".
لكن أمام اصرار "سهى"، وعرضها في المقابل على المتقدم لطلب يدها تخليها عن مسألة المُهر، وافق الجميع وبارك هذا الزواج؟ هذا التخليّ من قبلها عن المهر، الذي يفرضه الشرع الاسلامي ولو شكليّا، كان سبباً لحماسة العريس الذي لم يكن سوى رجل طامع بأن تتحمل الزوجة نفقاتها ونفقات المنزل لكونها موظّفة، علماً أنها حين تعرفت الى من قبلت أن يكون زوجها المستقبلي، عبّرت بطريقة أو بأخرى عن توجّهاتها وأفكارها التي ترى فيها أن المرأة والرجل شريكان فعليّان، أي أنه يترتب على الطرفين المسؤولية المادية والمعنويّة نفسها.
إلا ان ما فاجأ الزوج هو توقيف الزوجة عن عملها تعسفاً، ما أكّد للزوجة ما كانت تشعر به وتكبُتُه في داخلها؛ وما ساعد الزوج على عدم افتضاح أمر بخله الشديد هو أنها كانت ترفض فكرة أن تكون المسؤولية الاقتصادية على عاتق الرجل وحده كما تفعل معظم الزوجات حتى في حال كونهن عاملات ومُنتجات.
بعد توقفها عن العمل، شعرت بالمهانة الشديدة كلما كانت تحتاج لبعض المصاريف البسيطة، ما جعلها تسعى، طبعاً مع زوجها، لإيجاد عمل بديل مهما كان نوعه. لكن كلما مرّ الوقت، كانت تصرفات الزوج تزداد انفضاحاً، وهي التي لم تكن تُقدم على طلب "خرجيّتها" من ذويها أيام كانت طالبة جامعية تفادياً لإحراجهم.
لكن الزوج بالغ في بخله، وصارعصبيّاً لأسباب تافهة. حزنت سهى على حالها ونصيبها الذي أنفقت ما تملكه من أجل تأثيث منزل متواضع يجمعهما، طامعة بأن تصبح أماً ولو لطفل واحد.
لكن نفد صبر سهى بعدما كان زوجها يتركها عند أهلها ويقصد هو منزل أهله توفيراً للمال. وهنا شعرت بغضب شديد، وأخذت قرارها وهو الطلاق، بعد سبعة أشهر فقط من الزواج.
استغرب الجميع، وتُركَت تعاني وحدها من قبل زوجها الذي بات بعد تركها وظيفتها، يحاسبها على الطعام، مُعلناً أمام الجميع أنها "تأكل كثيرا"!.
وعندما أعلنت عن نيّتها أمام القاضي، وعرضت له المشكلة، لم يتوانَ هذا الأخير للحظة عن إجابتها بأنه يحق لها تطليقه فوراً. اتخذت سهى قرارها ونفّذته.
وبالعودة إلى مفهوم الناس لموضوع "وكالة التطليق"، وكعيّنة عن مجتمع مهما تطوّر مادياً وتكنولوجياً، إلا أنه يفضح نفسه في تركيباته المتخّلفة اجتماعياً وحقوقياً. ويُختضَر مفهوم العامة لوكالة الطلاق بقول أحد الأصدقاء: لو كان زوجك رجلاً، فما كان يجب عليه تركك تحصلين على وكالة الطلاق بيدك، لكنه ليس برجل حقاً.
"صبراً أيّتها المرأة". هذه العبارة التي كانت ستسمعها وستلوكها الألسن أمامها عشرات المرات، بدءاً بنساء الحيّ والقرية والشارع والصديقات والرفاق، وكل من يسمح لنفسه بالتدّخل، إلا أهل الزوج الذين نأووا بأنفسهم عن المشكلة كليّاً بحجة أن هذه المسألة يمكن معالجتها.
ثمة عدد كبير من النساء يدخلن القفص بأرجلهن، واقفات، قويات، ثوريات، مجاهدات...، ينسين في لحظة عشق وغرام أنه في هذه الحياة ثمة خفايا تظهر تدريجاً، سواء ببخل الزوج أو شكه أو غيرته أو اعتماده على المرأة أو عصبيته أو عجزه الجنسي أو سوء أخلاقه، وإلى ما هنالك من خفايا لا يعلمها إلا رب العالمين.
أنت أيتها المرأة: كيف تُسلّمين له رقبتك الحرة والتي حرّرها لك الشرع؟ كيف تكونين حرّة كإنسانة، وتدخلين القفص برجليك من دون أن تكوني قد ارتكبت جريمة بعد؟
ليس هناك امرأة في العالم تهوى الطلاق على ما اعتقد، فهي التي تسعى للزواج والارتباط والعيش الحرّ مع مَن تختار، وتسعى لتأسيس عائلة. فهل ترضى دخول دور الزوجة والأم من دون أن تكون مدركة حقوقها؟ وهل تُسلِّم أسلحتها كامرأة وكإنسانة وككائن بشريّ، لفرد وشخص يدافع عنه الدين والمجتمع والقانون بشراسة؟
يبقى السؤال الأهم: لماذا يخفي رجال الدين المسلمون عن المرأة هذا الحق؟ حق المرأة بتطليق نفسها في حال تبّين لها أن ثمة أخلاقا سيئة، أو عادات سيئة، أو صحة عاجزة، يعيشها هذا الذي ارتبطت به؟
ويُرجع أحد الرجال سبب تعنّت الأزواج في الموافقة على تطليق زوجاتهن الى الأهل الذين هم أول من يتحمل مسؤولية عذاب بناتهن في المحاكم ولدى القضاة، لكونهم لا يعمدون الى توعيتهن على حقوقهن، لأنهم ينظرون بعين الرضا الى العريس، خاصة اذا كان ثرياً.
ونتيجة لغياب التوعية من طرفين أساسيين هما الأهل ورجل الدين، تبذل المرأة مالها ومهرها لتتخلص من زوج يُسيئ اليها ولا تريده. من هنا نسأل: هل سمعتم عن شركاء في مؤسسة ما، يبذل أحدهما ماله ليفضّ الشركة، إلا في مؤسسة الزواج؟
من هنا، بما أن الزواج في الإسلام شراكة، فليس على أحد الشريكين إذاً أن يبذل ماله للطرف الآخر ليدخل معه في شركته، وليس على أي منهما أيضاً أن يبذل ماله ليفضّ هذه الشركة. وفي حال ظهر لدى أحدهما إشكال مالي، وجب عليهما أن يقصدا قاضيهما ليفضّ الشركة بأقل الخسائر المعنوية الممكنة، وإلا تصير هذه الشركة شركة قسريّة.
من الواضح أن المسؤولية الكبيرة في عملية انكشاف الطبيعة التكوينية لعقليّة كلا الطرفين في مرحلة ما بعد الزواج، تعود الى أن مجتمعنا لا يسمح باختبارات متبادلة بين المُقبلين على حياة أبدية تضطرهما الى تقرير أمر الارتباط وبشكل غالباً ما يكون سريعاً جداً.
نموذج آخر من النساء تمثله "هدى" التي ارتبطت بزوجها، ووقع بينهما خلاف رفض خلالها الزوج التطليق؛ أدى ذلك إلى اندلاع مشاكل بينهما في المحاكم دامت لأكثر من سبعة أشهر، انتهت بمزيد من العداوات والتحديّات والاستفزازات لكون الزوج طلب مالاً لإتمام عملية الطلاق.
فهل من متّعظ؟ ومتى يؤدي رجال الدين دورهم في التوعية؟ في ظل مجتمع ينخره السوس من الداخل، مع أنه يبدو كأنه يحافظ على كيان الأسرة.
عندما تطلّق المرأة الرجل
يُعَدُّ موضوع الزواج من أهم القضايا التي يُشجع عليها المجتمع الشرقي بشكل عام، والعربي بشكل خاص. للزواج وجه حقوقي يغفل عنه الشريكان والأهل، إضافة الى لاعب أساس وهو المحاكم الشرعيّة لدى المسلمين بشكل خاص.
فحين يُقدم أي شريكين على اجراء عقد شراكة بينهما، لا بد من أن يحفظ كل منهما حقه سواء المعنوي أو المادي، إلا ان ما يجري في عقد الزواج بين الشريكين لا ينطبق عليه ذلك. لماذا على أحد