الاسئلة هي الطاغية في ملف "النسوية العربية ــ رؤية نقدية" في عدد شهر تموز/يوليو من مجلة "المستقبل العربي" (الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية). وقد يكون مرد ذلك هو درجة الاختلاف حول الموضوع منذ ظهور أول مصطلحات النسوية في عالمنا العربي مطلع القرن العشرين. وقد أدخلت وافدات تيار "النسوية الاسلامية" جدلاً إضافيا إلى النقاش المحتدم أصلا بشأنه.
يحضر الطابع الأكاديمي المشبَع بالإطار النظري في مقال مرنية لزرق من كلية هانتر ـ نيويورك. أما كلثم الغانم من جامعة قطر فتثير الأسئلة المركزية التي يمكن أن تطرح حول أزمة تيار النسوية في منطقتنا، بدءاً من أسباب عدم انتشاره وانحصاره في إطار الكتاب وبعض الأكاديميين، وصولاً الى بُعد شعاراته عن واقع وظروف المرأة العربية، ما أبقى تحريرها بعيداً عن الهموم الشعبية في العالم العربي. وهي محاولة لمعرفة ما إذا كان المطلوب تغيير المواقف تجاه المرأة، أم تغيير الظروف التي تعيش في ظلّها المرأة، والتي تنتج هذه المواقف التي تتسم بالتمييز، أو بكلام آخر تتناول الباحثة بنى ثقافة التمييز. كما تتعدد محاولات الاجابات بقلم الغانم، وربما أبرزها أن الأزمة الأكبر للمرأة العربية هي جزء من أزمة المجتمع العربي الذي أخفق في توفير شروط النهضة، ما انعكس ولا يزال على المرأة من النواحي الحقوقية والاقتصادية والثقافية.
انطلاقاً من ذلك، فإنّ تحسُّن بعض الأرقام حول وضع النساء (محو الأمية وانخفاض الخصوبة وتحسن الصحة الإنجابية) لا يعني الغانم كثيراً، ما دام هناك «تراجع في البنى الفكرية لحقوق المرأة» مثلما هو حاصل في الخليج مع بروز مطالب نسائية متجددة بتعدد الزوجات، واستمرار الأرقام المرتفعة حول اختيار الأهل لمواصفات الشريك في عدد من المجتمعات العربية، في إشارة إلى أن "جيل السعينيات كان متحرراً من سلطة الأهل أكثر من الجيل الحالي عامة" بحسب الغانم.
ولأن مساهمة الغانم هي بمثابة افتتاح للملف، فقد مرّت بعرض سريع لمختلف التيارات التي يمكن تصنيفها في خانة النسوية، فضلاً عن أثر نظرية "الجندر" في معارضة البعض لمساواة المرأة العربية بالرجل، ودور الاعلام العربي في تسطيح قضية المرأة، انتهاء ببعض إنجازات التيار النسوي في التعليم والعمل والمشاركة السياسية والمساواة الحقوقية في الدساتير العربية وإصلاح قوانين الأحوال الشخصية. وقد تكون الملاحظة الختامية لمداخلة الغانم هي التي تختصر الموضوع برمته: «مَن يقاوم حقوق المرأة، هي المرأة نفسها». إنها أزمة وعي المرأة العربية.
بدورها، تنقل ميرفت حاتم من جامعة هاورد في واشنطن، النقاش إلى مكان آخر، وتستعير في سبيل ذلك السؤال الشهير لسيغموند فرويد: ماذا تريد النساء؟ سؤال تنطلق منه حاتم للتشديد على ضرورة حلول المرأة مكان الرجل في المشاريع النسوية العربية، وهو ما كان سائداً مع الحبيب بورقيبة والشيخ رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وطاهر الحداد. وبناءً على هذه الحاجة، تسعى الكاتبة إلى تدمير الأسطورة التي تفيد بأن الرجال كانوا أول دعاة ومؤيدي حقوق المرأة. لذلك، كانت الحاجة ماسّة لنقد الكتابات المهينة التي قدّمها الطهطاوي عن تعليم المرأة، وكذلك لأدبيات قاسم أمين المحتقِرة للمرأة. ولا يخلو نص حاتم من أسماء الرائدات في مجال النضال لتحرير المرأة في العقد الأخير من القرن 19، من عائشة تيمور وهدى الصدّة وملك حفني ناصف ونظيرة زين الدين ودالندا الأرقش وفاطمة الزهراء قشي...
وتنتقل حاتم من ذلك إلى تفنيد مساوئ ما تسميه "نسوية الدولة" التي تم التعبير عنها في وصول بعض نساء الطبقات العليا إلى السلطة "لا لتمثيل مصالح النساء، بل للتضحية بهذه المصالح لفائدة الدولة"، مثلما حصل في دول عربية عديدة كعراق صدام حسين ومصر ما بعد 1952 والجزائر وتونس. وفي ختام مساهمتها، لا تتردّد حاتم في اعتبار أن تيار النسوية الإسلامية هو أحد أهم التيارات الواعدة، لأنه يكسر مقولة أن الإسلام عقبة أساسية لتحرير المرأة، مع الاشادة بمنظرات نسويات إسلاميات كأميمة أبو بكر، وفريدة بناني (المغرب) وزينب رضوان (مصر) وآمنة ودود (أميركا) وزيبامير حسيني (إيران).
وما ختمت به حاتم، تنطلق منه أمل قراحي من جامعة منوبة ـ تونس لتخصِّص له كامل مضمون نصّها. لذلك، كانت الحاجة ماسة بالنسبة للكاتبة لإيجاز انتشار هذا التيار وظروف نشأته والتعريفات المتعددة لـ«النسوية الإسلامية» أو «الإسلام النسوي»، وإيجاز النقاش حول التسمية والإشكالات التي يثيرها المفهوم، والهجوم الذي يتعرض له من قبل النسويات العلمانيات.
في النهاية، تختم مرنية لزرق من كلية هانتر في نيويورك الملف، فتقدم فيه عرضاً نظرياً لأدوات فهم النسوية والحجاب الاسلامي مثلاً، من مدرسة ما بعد البنيوية (أعمال ميشال فوكو) وتفكيكية جاك ديريدا، إضافة إلى تيارات النسوية الأكاديمية.
تمكّن ملف "المستقبل العربي" من تفادي أزمة عادة ما تواجهها المجلات الفكرية، وهي المقالات الطويلة، إذ جاءت المقالات الأربع في نحو 40 صفحة فقط. ومن محاسن نصوص الملف، أنّ ثلاثة منها تعالج الموضوع بطريقة قريبة إلى فهم القارئ غير المتبحِّر في الموضوع. بعد الانتهاء من قراءة مقالات الملف، يتنبه القارئ إلى أنه مرّ وقت طويل ولم يقرأ مادة بالعربية لا ذكر فيها لأحداث العالم العربي المنتفِض. حتى أنّ عدد تموز/يوليو من "المستقبل العربي" خالٍ تماماً من أي موضوع يتعلق بالثورات العربية!
(السفير العربي)