"ياك مايقولو لينا والو" (ألن يعترضوا على ما نقوله؟).
بهذه الجملة الاعتراضية الوجيزة، قطع تقني متخصص في الهواتف شرحه لمزايا وعيوب أنواع الهواتف المحمولة، محاولاً استطلاع رأي محاوره الخبير في المعلوماتية حول ما إذا كان كلامه يحمل تبعات قانونية قد تؤدي به إلى السجن.
حذر التقني من التعبير عن آرائه الفنية حول منتجات استهلاكية ليس دعابة، إذ بات أي مغربي مهدد بمتابعته قضائياً إذا نشر خبراً يتضمن عيوباً أو انطباعات شخصية تشكك في جودة منتجات تجارية، أو أي محتوى يمس "الأمن" أو "المقدسات"، وفقاً لما ينص عليه مشروع قانون 22.20.
قانون لـ"تكميم الأفواه"
بغتة، وبشكل صادم، خرجت إلى العلن خلال شهر نيسان/أبريل الماضي، تسريبات بنود مشروع قانون 22.20 الذي قيل فيه بأنه سيُرجع البلد إلى سنوات مصادرة الحريات، ويحولها إلى جنة لـ"الأخ الأكبر". كان المغاربة قد "توسموا خيراً" بجائحة كورونا كفرصة للتغيير وإعادة الثقة مع الحكومة ومراجعة العقلية السلطوية لجهاز الدولة. لكن تلك الآمال تبدو في غير محلها بعد أن كشفت بنود هذا التشريع أن مهمته الأساسية تكمن في الإشراف والرقابة على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل تعتبره أصوات حقوقية "سلطوياً" و"تعسفياً".
في إحدى مواده، ينّص مشروع قانون 22.20، الذي يوصف بـ"قانون الكمامة"، على معاقبة كل من ينشر ويروّج محتوًى إلكتروني يتضمن "خبراً زائفاً من شأنه المساس بالنظام العام، وبأمن الدولة واستقرارها"، وهي تهم مطاطة.
الحكومة من ناحيتها، ترى بأن للقانون جوانب إيجابية، إذ سيواجه ظواهر تقع تحت بند التحريض على العنف والتمييز العنصري، والتشهير، والاستغلال الجنسي واستهداف خصوصية الأفراد، وتهديد أمن البلد و مؤسساته. وهي كلها مجرّمة. كما أنه جاء ليحارب "فوضى" الأخبار والمحتوى الزائف المنتشر في هذه المنصات.
في إحدى مواده، ينص هذا التشريع الذي يوصف بـ"قانون الكمامة"، على معاقبة كل من ينشر ويروّج محتوًى إلكتروني يتضمن "خبراً زائفاً من شأنه المساس بالنظام العام وبأمن الدولة واستقرارها": بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة من 3000 إلى 30 ألف درهم (من 300 إلى 3000 دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المغرب في مملكة الريع
11-07-2019
وهي تهمة يراها معارضون فضفاضة ومطاطة، ويمكن أن توظف كآلية "انتقامية" لمصادرة حرية التعبير والرأي. وهو ما حصل فعلياً في الأشهر الأخيرة من عام 2019، إذ تمّت متابعة وسجن العشرات من النشطاء والمواطنين الذين عبّروا في هذه المنصات التواصلية عن آراءٍ اعتبرتها السلطات تجاوزاً "للخطوط الحمراء" و"مساً بمقدسات البلد".
ولتحصين الشركات أيضاً
في حال تمّ إقرار هذا التشريع فلن يكون أمام المغاربة مجال للحديث عن أذواقهم الاستهلاكية (1) ، فأي تشكيك أو تقليل من قيمة منتوج معين قد يعرّض صاحبه لمتابعة قضائية (2) . ويبدو أن الشركات الكبرى عملت على تحصين كيانها ضد أيّة محاولة جديدة للمقاطعة كما حصل قبل سنتين، عندما دعا نشطاء على الـ"سوشال ميديا" إلى مقاطعة ثلاث شركات رئيسية في البلد، وهو ما كبدّها خسائر فادحة بملايين الدولارات. لذا تحاول الشركات أن ترد وتنتقم بسلاح القانون الذي لايمكن لأحد أن يعتدّ بجهله.
وكان هذا التشريع على وشك أن تتم المصادقة عليه في البرلمان في ظرف صعب كجائحة كورونا، حيث تسود أجواء الخوف والارتياب و اللايقين من حاضر مربك ومستقبل مجهول، ولانشغال المغاربة بتفاصيلهم اليومية المملة في الحجر الصحي، وغرق معظمهم في دوامة تأمين الأساسيات من المعيشة.
قد تكون خطوة تأجيل إقرار مشروع القانون 22.20 مجرد محاولة لامتصاص غضب المغاربة. فعلى الرغم من قوة هذه المنصات (خاصة فيسبوك) في التأثير على صناع القرار، إلا أن تغيير مجرى الأمور بشكل جذري مستبعد، لأن وقود هذه المنصات يكمن في الانفعالات اللحظية.
بيد أن الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي أتى أكله في الضغط على الحكومة، إذ قررت تأجيل مناقشة ومراجعة مواد هذا التشريع في البرلمان إلى حين انتهاء هذه الفترة الحرجة.
لكن "الترند" سيدفن القضية..
قد تكون خطوة تأجيل إقرار مشروع القانون 22.20 مجرد محاولة لامتصاص غضب المغاربة. فعلى الرغم من قوة هذه المنصات (خاصة فيسبوك) في التأثير على صناع القرار، إلا أن تغيير مجرى الأمور بشكل جذري مستبعد، لأن وقود هذه المنصات يكمن في الانفعالات اللحظية، ووفرة الاحتجاج المثقل بالصراخ والتنديد دون حضور لمشروع مجتمعي أو قيمي حقيقي.
الحجر الصحي: صرخات من خلف الأبواب الموصدة
13-05-2020
وعلى هذا الأساس، تتعرض معظم القضايا المطروحة في هذا الفضاء الافتراضي للتقادم ومن ثم للإهمال، بسبب حضور ثقافة الموجة أو "ترند" (Trend) المعززة بتدفق الخبر/ الحدث السريع الذي يستدعي ميكانيزمات التفاعل السريع والمشاركة السريعة، ثم أخيراً النسيان السريع.. بحكم أن الحدث المستجد يلغي سابقه ويدفنه. والمحصلة أن هذا القانون قد يتم إقراره في ظرف ملائم لصناع القرار، حين ينشغل الناس ويلهثون وراء "ترندات" أكثر إغراءً وآنية مهما كان وزنها أو أهميتها.
الخوف من أن تؤجل حرياتنا حتى إشعار آخر..
الخوف صديق حميم للسلطة السياسية التي تسعى دوماً لفرض عنفها المادي والرمزي تحت ذريعة حماية المصلحة العامة. لذا منحت الجائحة الحكومات المستبدة والديمقراطية على حد سواء، الضوء الأخضر لتكريس "العسف والإجهاز على الحريات وتحويل الأزمة الصحية الراهنة لأزمة أمنية".
ثم "لماذا تخلق السلطات الحكومية، ووسائل الإعلام مناخاً من الذعر؟" يتساءل الفيلسوف الإيطالي "جورجيو أغامبين"، وهو يرى بأن مسوغ "محاربة الإرهاب" استنفد مفعوله لدى السلطات فيتم تعويضه بإقرار "الطوارئ الصحية". أي نعم لا تُنكَر أهمية الاحتياطات المتخذة في التباعد الاجتماعي، لكن الفيلسوف يحذر في الوقت ذاته من دوام حالة الاستثناء تحت مسوغ حماية صحة المواطنين.
تشريح العزلة.. بورتريه لرجل خائف ووحيد
19-03-2020
تتضاءل مساحات التفكير العقلاني الجمعي في ظل الهلع والخوف، فهذه المشاعر تعزز من فرص "تمرير أي إجراء غير عقلاني أو غير عادل بمبرر تجاوز الكارثة، وتصير الديمقراطية ونقاشاتها العقلانية ترفاً"(3) ، كما تؤكد الكاتبة "نعومي كلاين"، إذ ترى بأن الناس يميلون في لحظات الأزمات إلى "التركيز على حالات الطوارئ اليومية للبقاء على قيد الحياة متعايشين مع الأزمة، أياً كانت، ويميلون إلى وضع الكثير من الثقة في أولئك الذين هم في السلطة". وهذه الأخيرة، كما ترى كلاين، توظف موجات الهلع الصحي والاجتماعي والأخلاقي لتقوية سياسات معينة، أو لتكريس وقائع أو إجراءات سلطوية جديدة يستحيل تمريرها في المناخ الديمقراطي.
يرى الفيلسوف الإيطالي "جورجيو أغامبين" بأن مسوغ "محاربة الإرهاب" استنفد مفعوله لدى السلطات، فيتم اليوم تعويضه بإقرار "الطوارئ الصحية".
وبالمجمل، يبقى الانتظار سيد الموقف في محاجرنا الصحية وغير الصحية، إذ لا بديل لنا من أن نتنازل عن حرياتنا ظرفياً في سبيل أن نكسب مزيداً من الوقت لنحيا آمنين، أو نلعب "الغُمَيْضة" مع هذا الكائن اللامرئي، أو في أسوأ الأحوال نتعايش معه كأي فيروس يجتاح أجسامنا. لكن الخوف يكمن في أن تؤجل حرياتنا إلى إشعار آخر، حتى وإن غادرنا طوعاً ضيفنا الثقيل كوفيد 19 إلى أجل غير مسمى..
1.جاء في المادة 18 مايلي : "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 20 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديداً وخطراً على الصحة العامة والأمن البيئي". المادة 18.
2.تنص المادة 14 على أن كل من قام عمداً بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح، يعاقَب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
-أما المادة 15 فتنص بما يلي :"يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر محتوى إلكتروني يحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها".
Coronavirus Is the Perfect Disaster for ‘Disaster Capitalism’.interview with Naomi Klein.3