الجـــــــزائر: رائحة نفط وفســـــــاد وغــضـــــــب

إنه «جنوب جميع المشاكل» بالنسبة للسلطة الجزائرية. وفي حين فُرضَت حرب مالي من قبل فرنسا ضدّ الحل السياسي الذي اقترحته الجزائر، فإنّ الهجوم الإرهابي ضد قاعدة «تيغنتورين» النفطية (إن أميناس)، الذي تلاه احتجاز كثيف للرهائن في عمق الجنوب، قرب الحدود مع ليبيا، طرح تساؤلات كبيرة حول فعالية الإجراءات الأمنية المتخذة. كانت حصيلة الخسارة بالأرواح ثقيلة، على الرغم من أن هناك
2013-03-27

الأخضر بن شيبة

كاتب من الجزائر


شارك
http://art-maniac.over-blog.com

إنه «جنوب جميع المشاكل» بالنسبة للسلطة الجزائرية. وفي حين فُرضَت حرب مالي من قبل فرنسا ضدّ الحل السياسي الذي اقترحته الجزائر، فإنّ الهجوم الإرهابي ضد قاعدة «تيغنتورين» النفطية (إن أميناس)، الذي تلاه احتجاز كثيف للرهائن في عمق الجنوب، قرب الحدود مع ليبيا، طرح تساؤلات كبيرة حول فعالية الإجراءات الأمنية المتخذة. كانت حصيلة الخسارة بالأرواح ثقيلة، على الرغم من أن هناك اتفاق على أن القوات الخاصة الجزائرية قد حدّت من الخسائر خلال عملية خطف رهائن غير تقليدية، حيث كان هناك حوالي 800 شخص مهدّداً.

الفساد والامن متناسبان؟

يكمن الفشل في واقع أن الإرهابيين تمكنوا من الوصول إلى القاعدة النفطية التي كان يُفترَض أنها تتمتع بحماية أمنية كبيرة. بالنسبة لنظام يقدّمه العالم ــ ويقدّم نفسه ــ على اعتبار أنه فاعل جداً في الحرب ضد الإرهاب، أثارت القضية نقاط الضعف الكبيرة من النواحي الاستخبارية، ومراقبة الحدود، وتأمين محيط موقعٍ غازي حيوي. وسواء أكان بالنسبة للرأي العام الجزائري أو العالمي، ولأسباب مختلفة، فإنّ هذا الضعف الذي كشفته العملية يوجّه ضربة قاسية لصورة النظام الذي برّر انعدام ديموقراطيته بهمّه بتوفير الأمن.
الجنوب الجزائري، حيث تكمن الثروات النفطية والغازية، الذي لم يشهد هجوماً مماثلاً حتى خلال عقد العنف الكبير في التسعينيات، ليس مجرد همّ أمني. ففي حين لم تُهضَم بعد حادثة «تيغنتورين»، على صعيد تقييم الأعطاب الأمنية أو العلاقات مع الشركات الأجنبية، فقد ظهرت قضايا فساد لتكشف عن الجانب المظلم من النظام.

فساد مُدار بدقة

ليست قضايا الفساد أمراً حديث العهد في الجزائر. فالجزائريون يدركون، ومن دون توهُّم، أن النظام «معتاد» على تقديم بعض الأفراد، من وقت لآخر، إلى العدالة للقول إنه مهتمّ حقيقةً بمحاربة الفساد. كما أنّ الجزائريين تعلّموا وضع إطلاق عجلة إجراءات مكافحة الفساد، في خانة المعارك بين أطراف السلطة. هي قضايا فساد «مُدارة» بدقّة لا متناهية، بطريقة لا تتخطّى عتبة «المسألة التافهة. وفضيحة «مصرف الخليفة»، الذي تأسس عام 1998 على يد أحد ابناء وزير سابق، مع دعم النظام له، تُظهّر أيضاً هذه الإدارة الاستثنائية لملف الفساد. كان المصرف المذكور عبارة عن عملية نهب هائلة للأموال العامة وللمستثمرين، مع تحويل أموال بشكل غير قانوني إلى الخارج. ومن ضمن المتهمين في المشهد القضائي الذي جرت فصوله في العام 2007، لم يظهر إلا أشخاص ثانويون، بينما كان معلوماً أن أركاناً كباراً في النظام كانوا من المستفيدين.

مزيان وشكيب وفريد وخلدون، والاخرون...

في كانون الثاني/يناير 2010، أدّت تحقيقات الاستخبارات الجزائرية إلى إعدام قضائي استعراضي للإدارة العليا لشركة «سوناتراك»، مؤسسة النفط والغاز الحكومية. بموجب هذه العملية، تمّت ملاحقة رئيس مجلس إدارة المؤسسة، محمد مزيان ونجليه، كما تمّت ملاحقة كوادر مسؤولة عديدة أخرى على خلفية قضايا فساد مرتبطة بتقديم الرشى. لم يكن نجلا رئيس مجلس إدارة «سوناتراك» عضوين في إدارة المؤسسة، لكنهما اتُّهما بتأدية دور «الوسيط» و«المسهِّل» لمكاتب دراسات ومؤسسات أمنية خاصة. وبما أنه يستحيل أن يحصل أي شيء في «سوناتراك» من دون موافقة وزير الوصاية، أي وزير الطاقة والثروات المعدنية، شكيب خليل، وهو أحد المقربين من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فقد تمّ وضع المسألة في الخانة «السياسية»، على اعتبار أنها رسالة تحذير للوزير المذكور. ومع الإطاحة بمسؤولي «سوناتراك»، أعلن شكيب خليل أنه لم يعد لديه «عناصر إلا ما تحدّث عنه الإعلام». وبهدف التشديد على الطابع «السياسي» لهذه المسألة، أوضح الوزير أنه «لا يعرف» مَن هو الطرف الذي تقدم بالدعوى القضائية في هذه «القضية». وأضاف حول هذا الموضوع قائلاً إن «الصحافة كانت تعرف قبلي بالموضوع، وربما قبل القاضي حتى». وكان مصير خليل موضوع معاملات وترتيبات. لقد غادر الحكومة في ايار/مايو 2010 غداة تعديل حكومي من دون أن تلاحقه العدالة، وحتى من دون أن تستدعيه للاستماع إلى إفادته. كان ممنوعاً المسّ بخليل، لكونه من بين الأشخاص الذين يمتلكون قدراً كبيراً من المعلومات التي سيؤدي الإفصاح عنها إلى التسبب بأذى سياسي ثقيل. كان الرجل يتمتع بـ«الأمان»، وهو الذي فشل في اللحظات الأخيرة بتمرير مشروع قانونه للمواد النفطية في العام 2005، الذي كان من شأنه ببساطة وضع الثروات التي تختزنها الجزائر بين أيدي الشركات متعدّدة الجنسيات. «أمان» ظلّ سارياً حتى أعادت قضايا الفساد الجديدة تلك توجيه نيران الفضيحة صوبه. هذه المرة، ومنذ مطلع شهر شباط/فبراير الماضي، تنهال المعلومات كالمطر، وهي لم يتم وضعها كما جرت «العادة» في خانة الصراع السياسي بهدف الحدّ من آثارها وحتى طمسها. والسبب خلف ذلك هو أنّ قضاة إيطاليين يجرون تحقيقاتهم حول أعمال شركة «سايبم» النفطية، التي تعمل في مجال الهندسة النفطية والحفر، وتملك مجموعة «ENI» الايطالية النفطية 43 في المئة من أسهمها، وهي أعمال تشكّل مصدر الاعترافات التي تهدّد بشكل كبير بالكشف عن الحقائق. وأمام عجز الصحافة عن تجاهُل هذه الوقائع، فقد تناقلتها. وقد تأكّد الرأي العام الجزائري من أنّ الفساد في الجزائر مسألة «عائلية»، بالمعنى المافيوي للكلمة. تأكّد أنّ الفساد يشكّل «جزءاً من الخريطة الجينية للنظام» بحسب تعبير موقع La Nation الالكتروني. وتفيد الفضيحة بتقديم شركة «سايبم» رشى بقيمة 200 مليون يورو، مقابل نيلها عقوداً عدة بقيمة إجمالية تبلغ 11 مليار دولار. وقد دُفعَت هذه الرشى عبر شركة تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، إلى حسابات مصرفية في زيوريخ والفجيرة ودبي. وتعطي المعلومات الواردة من إيطاليا، التي تبعتها أخرى من كندا (من خلال شركة SNC Lavalin) صورة فائضة عن النظام. كان «الوسيط» في هذه الفضيحة، أو «الصديق الضروري»، فريد بجاوي، إبن شقيق محمد بجاوي، القاضي السابق في محكمة العدل الدولية، والذي شغل منصب وزيرٍ مرات عدة، وهو مقرَّب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
لقد عاش فريد بجاوي، الذي يبلغ من العمر 44 سنة، حياة ذهبية متنقلاً بين الأحياء الفخمة في باريس ومونتريال... وقد أصبح «الصديق الضروري» لشركات أجنبية ساعية للحصول على عقود نفطية، وذلك فقط لكونه ابن شقيق محمد بجاوي. وشكيب خليل معنيّ مباشرة بالقضية. وتفيد معلومات أخرى بأن فريد بجاوي متعاون مع خلدون خليل، نجل وزير الطاقة السابق في الجزائر، وكان الرجلان «يديران أصولاً بقيمة ثمانية مليار دولار في الشرق الأوسط وآسيا». وقد حيّا جزائريون ساخرون على موقع «فايسبوك»، غِنى اللغة العربية مع اختراع مصطلح «الشكبة» (المشتقة من شكيب)، والفرنسية بفضل كلمة «السيبمة» المشتقة من اسم الشركة saipem) ). وقد حاول الرئيس بوتفليقة، الذي ظلّ صامتاً حتى ذلك الحين، أن يظهر بصورة النبيل، من خلال بثه رسائل تفيد بأنه «لن يدع الأمر يمرّ».

وسط ذلك: حركة العاطلين عن العمل

لقد أعلن القضاء الجزائري أن القضية تندرج في خانة فضيحة «سوناتراك 2». لكن بالنسبة للجزائريين، فإنّ ما كشفته التحقيقات الايطالية ــ الكندية ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الفساد الذي يأكل البلاد ويدمّرها في العمق. إنّ نفط وغاز الجنوب هو قضية «عائلات»، و«وسطاء» ورشى... وفي هذا الإطار الفضائحي، قررت حركة العاطلين عن العمل تنظيم تظاهرة في وَرڤلة في الجنوب من أجل الدفاع عن الحق بالعمل، وللتنديد بـ«الاستعباد» الذي تمارسه الشركات المفوَّضة في المناطق النفطية. لقد حاولت الحكومة إطلاق حملة مضادة من خلال اتهام هؤلاء المتظاهرين بتهديد وحدة البلاد... وبكونهم يعملون لمصلحة «أجندات خارجية»، وفق تعبير مسؤولة عن حزب يفترض أنه تروتسكيّ!
«النظام الجزائري المحاصَر بالقضايا، يخترع عدواً له في الجنوب»، بحسب صحف كتبت بقسوة. لكن عبثاً. لقد حصلت التظاهرة في وَرڤلة بتاريخ 14 آذار/مارس، ونجحت بشكل كبير، بينما لم تنجح محاولة التمويه التي قام بها النظام. هناك في الجزائر، من جنوبها إلى شمالها، رائحة نفط وفساد وغضب.

    
 

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه