"منذ بدايات ممارستي للمهنة، اعتقدتُ أنه من الضروري أن يقوم العراق – عاجلاً أم آجلاً – بخلق هوية معمارية محلّية ومعاصرة في آن، كجزء من الأسلوب الطليعي العالمي".
**
"لقد انشغل نجوم العمارة الجدد بشكلية الشكل بعيداً عن مواجهة إشكالات التلوث البيئي والسكاني والذوقي.. وانقادوا وراء الربح السريع.. وفقد المعمار إنسانيته بقدر ما عجز عن التجاوب مع واقعية متطلبات المجتمع، وفقد المجتمع إنسانيته وتبلّد بالقدر الذي أصبح فيه يتعامل مع عمارة بليدة".
**
"إن المرأة البدوية هي آخر المعماريين الأصليين في العالم، فالمرأة البدوية هي التي تصمّم الخيمة في ذهنها وتغزل الصوف لها وتحيكها وتنصبها وتفككها وتحملها على الدابة".
رحل يوم الجمعة في 10 نيسان/ إبريل 2020 أب العمارة العراقية المعاصِرة، المهندس المعماري رفعت الجادرجي عن 93 عاماً، نتيجة إصابته بفيروس كورونا المستجد، في العاصمة البريطانية لندن. المعمار الذي رصد التحولات العمرانية لمدينة بغداد على مر السنوات وأشرف على تخطيطها بنفسه في السبعينات، له أيضاً أرشيف كبير من الصور النادرة توثّق الحياة الاجتماعية العراقية بين الخمسينات والثمانينات من القرن الفائت، وأخرى توثّق أزمان بغداد، لا سيما في مرحلة الحرب العراقية-الإيرانية حين كان أي تصوير للمدينة ممنوعاً، فقام بالتقاط بغداد من طائرة صغيرة مستخدماً منصبه كمستشار لمحافظ بغداد.
كانت فلسفة الجادرجي في العمارة تختصر بالحداثية المحلية-العالمية واستيحاء العناصر المعمارية التقليدية التي برهنت نفعها وجمالها واستمرار فائدتها عبر الزمن. فكان أن استخدم الطابوق الطيني العراقي خلف واجهات حديثة المظهر أو أشكالاً مجردة مستوحاة من الشناشيل العتيقة.
نصب الجندي المجهول.
للجادرجي أكثر من 100 مشروع معماري في العراق وسواه، وقد ترك علامته في بغداد والموصل بعمارات وهياكل صارت معالم للمدن التي تُنشَأ فيها. فهو مصمّم قاعدة نصب الحرية التي نحت مجسماتها الفنان العراقي جواد سليم، في ساحة التحرير ببغداد. في عام 1959، كُلّف الجادرجي بتصميم نصب الجندي المجهول الذي دمّره لاحقاً صدام حسين في العام 1982 لينشئ محلّه تمثالاً لنفسه في ساحة الفردوس. النصب لم يكن من عماراته الوحيدة التي تعرضت للتخريب الكامل، فكذلكمبنى التأمين في الموصل الذي دمرته داعش واستخدمته، بحسب ما يشاع، لإعدام معارضيها ومن تتهمهم بالمثلية الجنسية عبر رميهم من أعلى البناء.
في السبعينات الفائتة، حُكم على الجادرجي بالسجن مدى الحياة في سجن أبو غريب في عهد أحمد حسن البكر بتهمة تعامل غير مشروع مع شركة "ومبي" البريطانية- وهي تهمة يقول الجادرجي بأنها ملفقة، لكنه خرج بعد 20 شهراً بأمر من صدام حسين الذي كلفه بالتنظيم العمراني لبغداد. وكان قد كتب في السجن مؤلفه الشهير "الأخيضر والقصر البلوري". وعلاقة المعماري لطالما كانت معقدة مع العراق، فمن إرثه السياسي (ابن كامل الجادرجي، الشخصية الوطنية العراقية الذي شارك في "ثورة العشرين" واسس جريدة "الاهالي"وكان يرأس"الحزب الوطني الديمقراطي") إلى سجنه وثم عمله لصالح الدولة كمعماري، وحتى مغادرته العراق إلى بيروت أولاً ثمّ إلى لندن نهائياً... بقي منظر خراب بغداد التي عاد إليها الجادرجي بعد الغزو الأميركي بسنوات قليلة، جرحاً عميقاً صعقه ودفع به إلى الهجرة النهائية إلى العاصمة البريطانية، حيث بقي إلى أن فارق الحياة.