في الوقت الذي كان موظفون حكوميون فلسطينيون، من مؤيدي القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، يستنكرون قطع السلطة الفلسطينية رواتبهم، صرّح ناطق باسم الحركة متّهماً دحلان بأنه أحد أدوات إسرائيل. وشهدت مدينة غزة حادثة حرق سيارة لكادر فتحاوي، وكان تبادل الاتهامات بين دحلان والرئيس الفلسطيني محمود عباس محتدماً، وهو انسحب على أنصار الطرفين..
من قلب هذه المعمعة، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ("اونروا") وقف تقديمها المساعدات المالية للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة لإصلاح منازلهم المدمّرة، بسبب النقص في التمويل. حصلت "اونروا" على 135 مليون دولار فقط من أصل 724 مليوناً طلبتها خلال مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة، الذي انعقد ليوم واحد في 12 تشرين الأول 2014، وحضره ممثلون لأكثر من 50 دولة و30 منظمة دولية. ووفق الاونروا، فالأرقام الفعليّة للدمار الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، تشير إلى هدم وتضرّر 96 ألف منزل في القطاع.
نفد المبلغ تماماً. مدير عمليات "اونروا" في القطاع حكى عن استمرار نوم الناس بين الركام، وبأنّ الأطفال يموتون من البرد.. سرد مطوّلاً الواقع في تصريحه الذي كان درامياً فعلا، ومليئاً بنداءات الاستغاثة. حماس أعلنت على إثر ذلك عن ضرورة "وعي خطورة القرار"، الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين "استهجنت"، شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية "نظرت بخطورة وقلق للأمر".
باتت معروفة المناكفات السياسية بين قيادات الفصائل الفلسطينية وكذلك ممارسة النكايات والتلاعب بمصائر الناس (مسألة إيقاف رواتب موظفين حكوميين مثلا)، في وقت يغرق الغزيّون في البؤس واليأس.
لكننا الآن أمام موقف مُستجدّ: توقف البناء وهذا يعني إجبار الناس على العودة إلى المدارس والمراكز التابعة للأمم المتحدّة، وهي التي تشكّل أصلاً الآن مأوى لـ12 ألف شخص. وليس من يقول لماذا لا تصل الأموال ولا يتم الوفاء بالتعهدات.
على إثر إعلان أونروا، اقتحم عشرات الفلسطينيين من أصحاب البيوت المدمرة مقر الأمم المتحدة في غزة، محتّجين على توقف إعادة الإعمار ودفع ايجارات البيوت. صحيح أنه انفجار صغير محدود الأضرار، لكنه مؤسّس في مدينة تعيش وأهلها حصاراً من كل الجهات، محرومة من المياه وتعرف أزمة كهرباء حادّة.
يُحكى الآن عن شروط لم يلتزم بها، وأن الوفاء بالوعود تعرقل بسببها، ومنها عدم تحقق التوافق الداخلي الفلسطيني، ومنها عدم التزام إسرائيل بتسهيل المرور عبر معابرها وخلافه.. ولكن ما دخل الناس بهذا وكيف يؤخذون رهائن لمعطيات لا سلطة لهم عليها؟
ربّما يتوجب على اونروا أن تخرج من إطار الإبلاغ، الى اقتراح حلول سريعة ومفيدة. وربما كان على قادة الفصائل الفلسطينية، هم أيضاً، الاهتمام ولو قليلاً بالأمر!!