الاستجارة من الرمضاء بالنار

"عجْز القضاء العراقي وفشله وعدم استقلاليته، فضلاً عن الدعم الذي يقدم للميليشيات من جهات حكوميّة متنفذة»: بناءً عليه أطلق ذوو ضحايا الميليشيات الطائفية في العراق حملة لمحاكمة الأخيرة في المحاكم الدولية. بدأوا بجمع التواقيع وتحميلها بأدلة وصور ووثائق تدين إجرام تلك الميليشيات.
وبالتزامن، وجه عراقيون طلباً للبيت الأبيض، نُشر على موقعه الإلكتروني، فيه دعوة لمحاكمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كـ«مجرم حرب». ويحتاج هذا الطلب، كي يُرفع إلى أوباما وتتخذ الإجراءات الرسميّة لتنفيذه، إلى 100 ألف توقيع.
وبالتزامن أيضاً، أعلنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أن حصيلة أعمال العنف والإرهاب التي ضربت العراق في آب/أغسطس الماضي بلغت 1420 شخصاً (على الأقلّ)، فيما جُرح حوالي 1370 في الفترة ذاتها. هذه الحصيلة لم تشمل محافظة الأنبار، علاوة على صعوبة التأكد من الحوادث التي تقع في المواقع الخارجة عن سيطرة الحكومة. ومعنى هذا معروف: رقم الضحايا أعلى ولكن هذا ما أمكن الوصول إليه.
وبالتزامن أيضاً وأيضاً، نشرت اليونيسف خريطة التوزيع الجغرافي للنازحين العراقيين داخل البلاد، الذين قدّرت أعدادهم بـ1.8مليون إنسان. وكانت حكومة كردستان، بالشراكة مع الأمم المتحدة، قد أعدّت إحصائية لأعداد النازحين ذكرت فيها أنّه «من مجموع العراقيين النازحين، البالغ عددهم مليوناً وثمانمئة ألف شخص على الصعيد الوطني، يُقدر أن أكثر من 600 ألف منهم قد نزحوا خلال هذا الشهر وحده». وعزت هذه الزيادة إلى تصاعد العنف في مناطق مختلفة من البلاد، لا سيما في نينوى وديالى والأنبار.
ثلاثة أخبار لا تُشبه إلاّ العراق. لا مكان لها إلاّ فيه. أخبار تؤكّد بأن الجنون لاعبٌ حاضر. ذوو الضحايا المفجوعون بناسهم وأهلهم يستجدون «العدالة» من المحافل الدولية التي سبق لها ان أجازت حصار العراق والحرب عليه، ويطلبون من الولايات المتحدة، التي غزت العراق واحتلته، الأخذ بثأرهم. لنتذكّر أرقام «هيئة إحصاء قتلى العراق» التي أحصت الضحايا في صفوف المدنيين العراقيين في ظل الاحتلال، بين آذار/ مارس 2003 وتموز/ مارس 2010. قالت إن أعدادهم عدة عشرات من الآلاف (تتراوح ما بين 97461 و 106348 شخصاً). يدفعون الناس، بالسياسة وبالاضطرار، إلى أبشع الوضعيّات.