ترسخ بعض الصور في البال. ترتسم لسبب محدّد وتقيم في الذاكرة. لا شيء يقوى على هزّها، مهما كان مقدار صوابيّتها أو خطئها. هكذا هي فلسطين. سكنت في ذكريات بعضنا على شاكلة الدولة البعيدة. ملعب القضيّة والصراع الدائم، الذي لا حلّ له في المدى القريب. حللْنا ضيوفاً على جيل مهزوم ومكسور. فنقل لنا بعضاً من هزيمته، ما مهّد الطريق نحو خمولنا الفكريّ. بينما لم يتمكّن المتفائلون من كسب كفّة الميزان.
الشعب الفلسطيني له أيضاً صورته «شبه» الراسخة في أذهاننا نحن، من ولدنا بعد سنوات من مجزرة صبرا وشاتيلا. تشكّل في ذاكرتنا لاجئاً منكسراً ومطحوناً. كلّ الصور التي خرجت إلى العلن امتلأت دماءً وأسى وأطفالا. كان الفلسطيني بالنسبة لنا على الدوام أشلاء. كذلك هي منازله، حطام وركام، سواء في فلسطين أو في المخيّمات.
حدث أكثر من خرق لصورة العدوّ الرابح على الدوام. وهذا ما أعطى كثيراً من الأمل. لكن طعم القضيّة «المرّ» ونفَسَها «الطويل» كانا أكثر دواماً. وهكذا تمّ التعايش مع الواقع. لا قدر للفلسطيني إلاّ الصمود. وإن كان اللاجئ لا يمكنه خوض المعركة، لأسباب كثيرة، وإن كان المقيم في أرضه المحتلّة مكتوما على نفسه حدّ الاختناق. في غزّة، المثال الأكثر ايلاماً، شُدّت مفاصل الحصار. ولو كان بمقدار العدوّ، لصادر هواءهم. لهذا ولظروف أخرى، اكتملت الصورة عن أن «فلسطينيّ» لم يعد قادراً على تغيير مسار اللعبة. لا عسكريّاً ولا نفسيّاً. قد تكون هذه الانكسارة منطقيّة ومبرّرة.
لكن ما حصل في الأيّام الأخيرة من تصدّ للعدوان على غزّة، يطيح مبدأ الانكسار. فرض الفلسطينيون واقعاً جديداً. غاب التركيز على المجازر، فهي أمر «معتاد». جاء الجديد في صاروخ فلسطينيّ، طار ليحطّ في الشطر المحتلّ. من الصعب التجرؤ على الفرح. يسيطر الخوف الدائم من احتمال ادّعاء النصر السريع. صواريخ المقاومة الفلسطينيّة تدفع نحو الخوف. هي رسمت خطّاً جديداً للصراع بعيداً عن القدرة الاسرائيلية العالية على طمس حدود الخطّ بالدماء والقتل. ما يحيط بهذه المعادلة الجديدة جميل ومخيف. لا أحد يرغب في إعادة صناعة جيل مهزوم أو مطعّم بخسارة. لا داعي لنفحات أمل، قد يتولّد منها ستون عامّاً جدد. لكن يبقى أن ما يريده هذا الجيل هو فلسطين. هنا، ينقطع الانقطاع، إذ نكتشف تواصلاً مع هؤلاء الذين سبقونا وقاتلوا وهزموا، وربما انكسروا. نريد فلسطين، ما زلنا نريدها، رغم كل ما مرّ وسبق. نشبههم في هذا على الاقل، أو هم يشبهوننا.
نكتفي اليوم بالقصور في النظر. تكفينا رؤية ما يجري الآن من دون أبعاد وتحليل. هذا أصلاً كفيل بصناعة فرح طويل: مستوطنون مذعورون، نتانياهو في الملجأ، تل أبيب تحت النار، قبّة حديدية ركيكة...مزجُ الخوف بكثير من الفرح لا بدّ منه. فرح بمعادلة أهل غزة الجديدة، وفرح بأنهم يلعبون للمرة الأولى على هواهم... كذلك هو الفرح لإثباتهم من جديد قدرتهم وأحقيّتهم ورغبتهم بالحياة.
فكرة
حصادٌ في تل أبيب
ترسخ بعض الصور في البال. ترتسم لسبب محدّد وتقيم في الذاكرة. لا شيء يقوى على هزّها، مهما كان مقدار صوابيّتها أو خطئها. هكذا هي فلسطين. سكنت في ذكريات بعضنا على شاكلة الدولة البعيدة. ملعب القضيّة والصراع الدائم، الذي لا حلّ له في المدى القريب. حللْنا ضيوفاً على جيل مهزوم ومكسور. فنقل لنا بعضاً من هزيمته، ما مهّد الطريق نحو خمولنا الفكريّ. بينما لم يتمكّن المتفائلون من كسب كفّة الميزان.الشعب
للكاتب نفسه
ثورة "17 تشرين" اللبنانية: استدعاء شعارات الربيع العربي
زينب ترحيني 2020-02-01
ما الذي أثار غضب النظام؟ هل هو خوفٌ من تمرّد اللغة بكل ما يحمله من مؤشّرات؟ أم أنّ إعادة إنتاج بعضٍ ممّا سُمع في شوارع عربية أثار الرُعب وأعاد الكوابيس؟
عندما ترتاد امرأة شاطئاً عامّاً..
زينب ترحيني 2017-08-03
التهديد بالعري مقابل "حشمة" الحجاب المفروض، كما يحدث الآن بخصوص المايوه في الجزائر، هو الوجه الاخر للعملة نفسها. الاصل أن النساء لسن عورات للستر وان لهن حقوقاً مساوية للرجال في...
رمضان في تولوز: هل ترغبين بالتذوّق؟
زينب ترحيني 2016-06-12
عند السادسة مساءً يكتظّ الوسط التجاري الخاص بباغاتيل. تنزل النسوة مع أزواجهنّ وأولادهم لشراء ما ينقصهم قبل الإفطار. صفّ الناس لسحب المال من ماكينة البنك تجاوز الرصيف ليصل إلى الطريق...