نساء العائلة منشغلات بالمسلسلات الماراتونية المدبلجة، لا يتركن الشاشة إلا لحظة الاعلان. يستمتعن بقصص عشاق هربوا وتركوا حبيباتهم حبالى، ثم عادوا وسيمين، بلهفة الحب الأول. آباء ماتوا ثم ظهروا من جديد. لقطاء ضائعين عثروا على آبائهم. أغنياء خيرين ودودين لكنهم يعانون من العقم يربّون أبناء الفقراء بعطف وصبر. يتامى لهم الجمال والذكاء والقوة والمستقبل. أبناء يجهلون آباءهم ويتربون في بيوت أعدائهم.
بسبب ذاك الانشغال تتعطل أشغال البيت، حتى إن زوجا طلب كأس شاي فأجابته: وهل أنت ألفريدو؟ في صباح اليوم التالي كان الزوجان أمام القاضي، لكن الوسطاء أقنعوا الزوج الغيور بأن زوجته لن تختلي بألفريدو أبدا. اطمأن.
من المغرب الى الخليج، تحدثت الصحف عن طلاقات بسبب نور ومهند. اشترطت عروس يمنية على زوجها ألا يشتري صحنا مقعرا، كي لا يقارن قوامها بقوام لميس. لهذا تبرّع شيوخ الشاشة بفتاوى تمنع المشاهدة من باب الوقاية من الغواية.
ما مصدر قوة هذه المسلسلات؟ إنها تقدم البطل الرومانسي. تفتقد المتفرجة هذا الهوى والحلم، وهي تعيش مع رجل عادي له كرش. تحلم بالتخلص من التفكير في ثمن البطاطا وقيود مواقيت الطبخ والغسيل...المسلسل يوفر لها ملجأ خياليا للتنفيس عن ضغوط الحياة اليومية...
ولكن الخطير في المجتمعات التقليدية هو حين تكون البطولة الرومانسية نسائية، تغامر على هواها: استقلت سيدة موريتانية، من دون علم زوجها، الطائرة إلى إستانبول لتبحث عن مهند.
تنجح المسلسلات ليس فقط لأن فيها كتابة درامية جيدة، بل لأن القصة صُممت أساسا بناء على معرفة عميقة بذهنية المتفرجات وحاجاتهن. يدرك كتاب السيناريوهات أن الواقعية المفرطة مضرة، وأن تسويق الحلم معلبا بشكل جيد، مربح.
منذ القدم، كانت القصص الرومانسية المغامرة ملاذا للبشر، فيها عشاق لا يشيخون، يعيشون عواطف جياشة لا تبرد. وفي جل المسلسلات يوجد اختبار دائم للعواطف، حيث نجد رجلين يتقاتلان على حب امرأة. وعادة يتم تجنب تصوير امرأتين تتعاركان على رجل لأن ذلك سيكون إهانة للمتفرجات.
وهذه الوصفة الفنية ذات فائدة مزدوجة: فهي اقتصاديا تروج لوجوه وسيمة ذات شحنة عاطفية عالية لاستدرار الشفقة وتنشيط بيع أدمغة المتفرجين لشركات الإعلان. وهي سياسيا، بتقديمها لحبكات منفصلة عن الواقع، تريح الأنظمة التي نجت من رياح التغيير، تسلي، وتكافح التسييس الشديد الذي عاد على الموضة.
فبينما الشعب يريد إسقاط النظام، يسعى هذا الاخير لإنتاج جمهور رومانسي، لا تهمه العبودية في القرية البشرية، بل يتشوق لإطفاء ظمإه العاطفي في قنوات المسلسلات والفيديو كليب... تجار الفرجة يعرفون ما يريدون!
وأنتم، ما الذي يهمكم في المسلسلات التركية المدبلجة، وقبلها المكسيكية؟ كيف "يعيش" الناس من حولكم تلك المسلسلات، وما هي وظائفها بالنسبة إليهم؟
اكتبوا لنا على:
arabi@assafir.com
إعداد "السفير العربي"