بدايةً ومنعًا للَّبَس، لن يكون هذا المقال نعيًا لسليماني ولا شماتةً في موته.
كاتب هذه السطور ليس ممن يرون إيران بالضرورة نصيرةً للعرب والمسلمين والمستضعفين، ولا من المدافعين عن الدور الانتهازي الذي لعبته إيران في العراق بتواطئها المؤقت مع الغزو الأمريكي ورعايتها للميليشيات الطائفية فيه، ولا عن الدور الدموي الذي تلعبه، مع روسيا، في سوريا. كاتب هذه السطور لا يجحد كذلك دور إيران في دعم المقاومة في لبنان منذ أن أرسلت حرسها الثوري إلى البقاع الغربي في 1982 إلى نصر 2006 المؤزر، ولا دور الثورة الإيرانية في حرمان أمريكا و«إسرائيل» من حليفهما الأهم في المنطقة.
سندخل إلى السياسة في هذا المقال إذن من باب المصلحة؛ ومن هذا الباب فإن إيران نصرت العرب حين اقتضت مصالحها، وحين اقتضت، لعبت أكثر الأدوار دموية وانتهازية. ولأننا سندخل من باب حسابات المصلحة، أو ما يسمى في نظريات العلاقات الدولية بــ«الواقعية السياسية»، فإننا سنتغاضى كذلك عن الأواصر التي تجمعنا بإيران، وتجعل بيننا، من باب الأخلاق والعشرة التاريخية واختلاط الثقافة والدم، نوعًا من التعاطف أو الألفة.
إلا أن حسابات المصلحة تختلط مع الأخلاق على مستوى جذري: لمصلحة من نحسب؟
حسابات المصلحة التي تشغلنا في هذا المقال هي مصلحة الشعوب: أولًا مصلحة شعب العراق الذي قتلته وتقتله أمريكا، بشكل مباشر، بالصواريخ والرصاص، في حرب 1991 وغزو 2003، وفي قصف الفلوجة (بتواطؤ من حلفاء إيران) في 2004، وفي سلسلة مستمرة من المجازر (مثلًا مجزرة الحديثة في 2004 إذ قتل الأمريكيون 24 من العراقيين العُزَّل، ومجزرة المحمدية في 2006 حين اغتصب الأمريكيون طفلة لم تتعد الرابعة عشرة ثم قتلوها وكل أفراد عائلتها)، ومؤخرًا أصدر دونالد ترامب عفوًا عن قناص أمريكي أدانته المحاكم العسكرية الأمريكية بارتكاب جرائم حرب، من بينها أنه كان يتسلى بقتل الأطفال والعجائز من مخبئه، وهذه ليست سوى بعض الأمثلة. هذا عدا عن القتل غير المباشر باليورانيوم المنضب الذي استخدمته أمريكا في القصف، والذي ما زال يؤدي إلى ميلاد أطفال مشوهين وإلى انتشار السرطان وأمراض لم تكن معروفة من قبل، وبالحصار الذي منع الغذاء والدواء من 1991 إلى 2003، وبخلقها للمناخ الطائفي ورعايتها له لكي يقتل الناس بعضهم بعضًا. وثانيًا حساب مصلحة الشعب العربي، الذي تآمرت أمريكا على ثوراته وطوّقتها بانقلابات عسكرية وحروب أهلية طائفية، والذي لا تأمن أمريكا أن يمتلك مقدراته وموارده، كما لا تأمن أن تنهض قوة ما بجوار حليفتها ووكيلة الاستعمار في المنطقة، أي دولة «إسرائيل». ولا ننسى حساب مصلحة شعب إيران الذي ترتكب أمريكا بحقه جريمة القتل البطيء بحصارها له منذ عام 1979 وهو الحصار الذي أدى فيما أدى إلى نقص الدواء، وإلى قتل الإيرانيين بحوادث الطيران بسبب غياب قطع الغيار.
سنذهب إلى الواقعية السياسية ولحسابات المصالح من باب التزامنا الأخلاقي بما نعتقد أنه مصلحة لهؤلاء كلّهم.
بقية المقال على موقع حبر.