رغم اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية في مصر، إلا ان ذلك لم يحل دون إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام في دورته الرابعة والأربعين، وهي الدورة الثانية بعد ثورة يناير.
شارك في المعرض الذي افتتحه رئيس الجمهورية في الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير ومدد حتى التاسع من شباط/ فبراير، 25 دولة، منها 17 دولة عربية و8 دول أجنبية، و735 ناشرا منهم 498 ناشراً مصريا و210 ناشرين عربيا و27 ناشرا أجنبيا. وحلت ليبيا ضيف شرف على المعرض هذا العام، حيث شاركت بنحو 2500 عنوان من خلال 42 دارا، ما بين جامعية وخاصة. وتأتي المشاركة الليبية استكمالا لاستقبال المعرض لدول الربيع العربي بعد أن كانت تونس هي ضيف الشرف العام الماضي.
تضمن المعرض الذي أقيم تحت شعار «حوار لا صدام» العديد من الأنشطة الثقافية التي شملت مناظرات سياسية ومناقشات لأحدث الإصدارات (بعنوان «كاتب وكتاب»)، وأمسيات شعرية وندوات فنية، بالإضافة إلى عروض سينمائية ومسرحية. وشهد المعرض إقبالا معقولاً، تكثف شيئا ما بعد بداية كانت متواضعة. وإلى جانب دور النشر، كانت هناك مشاركة من مكتبات سور الأزبكية، فحضرت أكثر من مئة مكتبة من مكتبات السور في المعرض، إضافة إلى بائعين للكتب من مناطق ومحافظات أخرى، مثل بائعي شارع النبي دانيال بالإسكندرية وغيرهم. ويستأثر سور الأزبكية بالجانب الأكبر من جمهور المعرض، فمعظم الزوار يبدأون جولتهم من هناك ثم يتجهون للأجنحة الأخرى لشراء ما لم يجدوه في مكتبات السور، وذلك نظرا لتنوع الكتب المعروضة فيها علاوة على انخفاض أسعارها.
ويرى أحد بائعي الكتب من أبناء سور الأزبكية أن هناك تغيرا كبيرا طرأ على المعرض، وعلى سوق الكتب بوجه عام في مصر بعد الثورة. فقد زال التضييق الأمني والتدخل من قبل جهاز أمن الدولة لمنع بيع كتب معينة، سياسية كانت أو دينية، والتي كانت من ثم تباع بسعر مرتفع جدا نظرا للمخاطرة التي يخوضها بائعوها. مع الثورة، أصبح هناك قدر كبير من الحرية ما سمح بإعادة طباعة الكتب التي كانت ممنوعة من قبل، وهو ما أدى إلى توفرها بأسعار منخفضة بشكل كبير.
لكن هناك سلبيات ظهرت بعد الثورة ـ يضيف البائع ـ تتمثل في انتشار ظاهرة قرصنة الكتب وغياب الرقابة على المطابع التي تقوم بإعادة طبع بعض الكتب، لاسيما تلك التي ألفها كتاب معروفون، وبيعها بسعر منخفض عن سعرها الأصلي، ما يسبب خسائر كبيرة لدور النشر. وهي ظاهرة كانت موجودة قبل الثورة ولكن على نطاق محدود. «أما لجمهور، فلم يختلف كثيرا، فما زالت كتب التنمية البشرية هي الأكثر مبيعاً، وكذلك كتب الأطفال حيث تأتي الأسر لزيارة المعرض وتهتم بالبحث عن كتب لأطفالها، أما بالنسبة للكتب التي تتناول الثورة، فقد قلّ الإقبال عليها كثيرا مقارنة بالعام الماضي، وهناك ارتفاع ملحوظ في نسبة الزائرين من العرب والأجانب في هذه الدورة بخلاف الدورة الماضية».
وبالإضافة إلى التخلص من عائق الكتب الممنوعة، وتوفر حرية أكبر لدور النشر، يرى العديد من الزوار، وبينهم من أتى من مدن ومناطق بعيدة، أن المعرض صار أفضل بكثير بعد الثورة بسبب الإقبال الكبير من جانب الشباب على شراء الكتب. فكتاب «شخصية مصر» على سبيل المثال للمفكر المصري الراحل جمال حمدان - والذي أصدرته هيئة قصور الثقافة في طبعة جديدة من أربعة أجزاء بسعر رمزي هو 32 جنيها للأجزاء الأربعة - تزاحم عليه الشباب مثلما يتزاحم المصريون على رغيف الخبز. وهناك أيضا إقبال على الكتب السياسية. وهو أمر لا شك بارتباطه بالأحداث التي تعيشها مصر والمنطقة عموماً منذ عامين، ويفسر بائع سور الأزبكية أن قراءة هذه النوعية من الكتب لم تعد مجرد تحصيل حاصل لمن يريد التثقف، كما كانت في ظل النظام السابق، بل صارت مرتبطة بإمكان الممارسة العملية للسياسة «وليس فقط القراءة عنها».
هناك السلبيات المتعلقة بالتنظيم مثل عدم وضع خريطة للمعرض في مكان بارز، وغياب اللوحات الإرشادية، ما يصعب من مهمة الزائر لا سيما مع كبر حجم المعرض، إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض الكتب نتيجة احتكار دور النشر الكبرى لعدد من العناوين، ورغم ذلك يضطر الزوار لشرائها لعدم ثقتهم بالنسخ المقلدة.
أما الظواهر الإيجابية، فهي ظهور عدد من دور النشر الجديدة التي أسسها شباب ذوو اتجاهات فكرية مختلفة لكن يجمعهم الاهتمام بالفكر والثقافة. وعن ذلك يقول شاب اسس دار نشر جديدة مع اصدقاء له: ظاهرة دور النشر الجديدة لم توجد بعد الثورة فقط لكنها موجودة منذ عام 2005 حيث ظهرت دور تهتم بنشر أعمال لكتاب شباب، بعضها استمر وبعضها الآخر لم يستطع الصمود. ونحن نبغي من وراء تأسيس الدار الإسهام في الوعي الجديد الذي يتكون الآن، ونخاطب الشباب بالأساس، فهم جمهورنا ودعايتنا تعتمد على فيسبوك وتويتر، والتمويل شخصي حيث يشارك كل منا بمبلغ. نهتم بإعادة إحياء عناوين قديمة من خلال إعادة نشرها نظرا لأهميتها، ونحن إن كنا ننطلق من منطلق إسلامي إلا اننا لا ننتمي إلى أي تنظيم، ولسنا أعضاء في أي جماعة أو حزب. وتتكرر التجربة، مترافقة مع رهان على قياس مدى نجاح الدور الجديدة في معرض العام المقبل.
وعلى كل ذلك، فهناك أزمة قراءة، وهي عالمية، وإن كانت أحجامها تتفاوت بين البلدان، ومن أسبابها ميل الشباب للقراءة الرقمية، وليس الورقية. وبالطبع فارتفاع أسعار الكتب عامل حاسم، يجعل شراءه ترفاً لا يقوى عليه سوى المقتدرين. وهناك التسلية التلفزيونية التي تحجب القراءة، وهناك خصوصا، وفي جذر كل ذلك، المكانة المنخفضة في سلم القيم السائدة للثقافة، والتي تتمثل في غياب او قلة حضور المكتبات العامة على سبيل المثال. ووفقا لدراسة أصدرها «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» في مصر، بعنوان «ماذا يقرأ المصريون؟» فإن نسبة تصل إلى 88 في المئة من الأسر المصرية لا يقوم أي من أفرادها بقراءة أي نوع من الكتب باستثناء الكتب المدرسية.
وهناك نسبة قدرها 76 في المئة من الأسر لا تقوم بقراءة الصحف والمجلات على الإطلاق، أما عدد الأسر التي يوجد قارئ من بين أفرادها فتقدر بنحو 2.2 مليون أسرة في مصر، لكن نحو 5 ملايين أسرة ليس لديها مكتبة بالمنزل. وضمن الفئة القارئة، فإن نسبة قراء الكتب الدينية تصل إلى 79 في المئة، وتليها العلمية ثم الأدبية وأخيرا الكتب ذات الطابع السياسي.