التعليم والسياسة: المدرسة أداةً للتدجين

  «يمكن أن يكون التعليم وسيلة لتعلُّم ممارسة الحرية، ويمكن أيضا أن يكون وسيلة للتدريب على تقبل القهر والرضا بالظلم وتعوُّد الاستكانة» من مقال بعنوان «كيف يُنتج التعليم ثقافة مقهورين؟» (سعيد إسماعيل علي). تعليم مُسيَّس أثارت التعديلات التي أجرتها وزارة التربية والتعليم المصرية هذا العام على بعض المقررات الدراسية النقاش من
2014-10-29

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
من الانترنت

 

«يمكن أن يكون التعليم وسيلة لتعلُّم ممارسة الحرية، ويمكن أيضا أن يكون وسيلة للتدريب على تقبل القهر والرضا بالظلم وتعوُّد الاستكانة» من مقال بعنوان «كيف يُنتج التعليم ثقافة مقهورين؟» (سعيد إسماعيل علي).
تعليم مُسيَّس

أثارت التعديلات التي أجرتها وزارة التربية والتعليم المصرية هذا العام على بعض المقررات الدراسية النقاش من جديد حول علاقة التعليم بالسياسة. وتتعلق التعديلات بتضمين هذه المقررات الأحداث السياسية التي وقعت خلال العام السابق، في إطار ما عُرِف بـ«ثورة 30 يونيو»، وما سبقها وتبعها من أحداث. اعتـُبر ذلك مظهرا جديدا من مظاهر تسييس التعليم المصري وتحويله إلى أداة لتدجين الطلاب وتلقينهم وجهة نظر السلطة التي تُقدَّم كحقائق ومسلمات غير قابلة للنقاش أو النقد.ومحتوى الكتب المدرسية ليس المظهر الوحيد لتسييس التعليم. فعلى سبيل المثال، في النشرة التوجيهية للتربية الاجتماعية (تعد بمثابة دليل عمل للاختصاصيين الاجتماعيين بالمدارس) للعام الدراسي الماضي (2013 ـ 2014)، ذِكرٌ لضرورة «تفعيل برامج الانتماء والولاء للوطن لكي لا ينساق شبابنا وراء الشائعات أو الاعتصامات أو المسيرات التي تؤدي في النهاية إلى تعطيل الإنتاج وتأخر برامج التنمية، وتجديد الثقة دائما بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء الانتقالي، للتأكيد على وحدة واستقرار البلاد». هذه النشرة وُزِّعت على المدارس بمراحلها المختلفة، وهي صادرة عن وزارة التربية والتعليم التي تُعتبر بحسب النشرة نفسها «المؤسسة التربوية المعنية بإعداد وتعليم النشء والشباب ليكونوا مواطنين صالحين».

التربية والأيديولوجيا

لطالما كانت العلاقة بين التعليم والسياسة محل بحث ودراسة لرصد مظاهر تأثر النظام التعليمي بتوجهات النظام السياسي، سواء على مستوى السياسات التعليمية أو محتوى المقررات الدراسية. من هذه الدراسات تلك التي أجراها د. شبل بدران أستاذ أصول التربية بجامعة الإسكندرية، والمنشورة في كتاب بعنوان «التربية والأيديولوجيا: دراسة في العلاقة بين التربية وبنية النظام السياسي» وذلك خلال فترة زمنية تمتد من عام 1952 حتى عام 2007، مقسمة إلى ثلاث مراحل. ويمكن القول إجمالا من واقع ما توصل إليه الباحث في هذه الدراسة، وما أشار إليه اعتمادا على دراسات سابقة، إن السلطة السياسية حرصت دائما على السيطرة على النظام التعليمي وتوظيفه لتدعيم مواقعها وبث أيديولوجيتها وتوجهاتها السياسية والاقتصادية والثقافية، وإن هناك ارتباطا قويا بين الأيديولوجيا التي يتبناها النظام السياسي القائم، ومضمون المقررات الدراسية التي يتلقاها الطلاب في المدرسة. ويتجلى ذلك بشكل خاص في مقررات الدراسات الاجتماعية، والفلسفة، والتربية الوطنية أو القومية. وهذه الأخيرة تم النظر إليها على أنها تربية «رسمية حكومية»، الهدف منها تبرير القرارات والسياسات الحكومية الداخلية والخارجية والدفاع عنها. كما أن تعديل المناهج كثيرا ما كان يأتي استجابة للتحولات السياسية والاقتصادية الحادثة في المجتمع. فعلى سبيل المثال، مثَّل إعلان سياسة الانفتاح الاقتصادي (عام 1974) وما تبعها من إجراءات سياسية، كقيام الأحزاب.. الإطار الفكري الذي تم في ضوئه تعديل المناهج الدراسية في السبعينيات. وقد كشف تحليل مضمون عدد من المقررات الدراسية عن أنها تواكب الأيديولوجيا الرسمية بصورة واضحة، وتركز على دور الحاكم الفرد، وتعكس سيطرة الرجل، وتميُّز العسكريين على غيرهم. وأن كتب التاريخ المدرسية تركز على دور الأفراد (لا سيما الحكام) أكثر من دور الجماهير/الشعوب، كما أن تدريس التاريخ يطغى عليه سرد الوقائع التاريخية، ومن النادر أن يوجد التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والفكري. وتُحمِّل الكتب الدراسية مسؤولية الدفاع عن المجتمع للنظام السياسي/الحكومة وللجيش النظامي، مع إغفال دور المقاومة الشعبية، مما يؤدي إلى تكوين الطالب بشكل بعيد عن تحمل المسؤولية وعن المشاركة في قضايا مجتمعه، فهو ينتظر القرار والمبادرة من أعلى (كبير العائلة / ناظر المدرسة / رئيس الدولة) كي يستجيب له، وهو ما يضمن للنظام السياسي الاستقرار.وفي ما يتعلق بالسياسات التعليمية، نجد أنه مثلا منذ مطلع التسعينيات، ومع اتجاه الدولة نحو الالتزام بأجندة صندوق النقد والبنك الدوليين لتحقيق ما عُرِف بـ«الإصلاح الاقتصادي»، انعكس ذلك على السياسات التعليمية بصورة واضحة حيث اتجهت الدولة إلى التخلي التدريجي عن توفير تعليم مجاني جيد، وجرى ـ بناء على توجيهات البنك الدولي ـ تقييد الإنفاق الحكومي على التعليم وتركيزه في التعليم الأساسي دون العالي، والعمل على زيادة رسوم الدراسة التي يتحملها الطالب في المدارس ومؤسسات التعليم العالي الحكومية، بحيث يمكن تحقيق أكبر قدر من استرداد التكاليف، وهو ما يمثل أعباء متزايدة على الفقراء، ويؤدي إلى حرمانهم من الحصول على فرص تعليم جيدة أو إقصائهم بشكل كامل، وذلك في مقابل التوسع في التعليم الخاص لا سيما في المراحل العليا، مما يوفر فرص للدراسة والتوظيف أفضل للطبقات الغنية. ولمواجهة العجز الحكومي عن التمويل، والذي يعود في الأصل إلى انتشار الفساد وسوء توزيع الثروة وغياب العدالة، تزايد الاعتماد على القروض والمعونات (من دول أجنبية ومنظمات دولية) في تمويل مشروعات التعليم، مما شكَّل أداة ضغط لفرض توجهات الجهات المانحة، ومن ثم خضع التعليم المصري لأجندة هذه الجهات سواء بالنسبة لمحتوى المقررات الدراسية أو لرسم السياسة التعليمية.

ديْدَن الأنظمة المستبدة

سؤال يتكرر بألف طريقة وكل يوم: هل لا دخل للانتكاسة التي مُنيت بها «ثورة 25 يناير» بالتجهيل الذي لحق بالشعب المصري وبتزييف وعيه عبر سنوات طويلة؟ وهل مَن هذه حاله يمكنه أن يدرك حقوقه ومصالحه السياسية فضلا عن الدفاع عنها بنجاح. لا شك في أن نظام التعليم كان دائما أحد أهم الآليات المستخدمة من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة ـ إلى جانب آليات أخرى ـ في هذا التجهيل وتزييف الوعي وفي خلق شخصيات تقبل القهر والظلم والاستكانة كي يسهل حكمها!

 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...