في أهمية المبادرات الأهلية، أمثلة من تونس

تبقى مثل هذه المشاريع رمزية ومحدودة بالطبع ولا تحل مشكلات الأزمة البيئيّة الخانقة، ولكنها خطوات إيجابية لتطوير حس المسئولية الفردية تجاه هذه المسائل، ولتحفيز روح المبادرة الجماعية إجمالاً، بدءاً من رفض التأقلم مع البشاعة والإهمال..
2019-08-14

ضو سليم

كاتب من تونس


شارك

في مدنين، وهي إحدى المدن التونسية الساحلية في جنوب البلاد، على بُعد 450 كم من العاصمة، أطلق مدرِّسان وفنانان تشكيليان من أبناء المدينة مبادرة لتنظيف وصيانة شارع الحدّادين الضارب في القدم، والذي تصطفّ فيه ورشات الحدادة ويكسو اللون الأسود جدرانه وتتكوم فيه أكداس النفايات التي تخلّفها هذه الورشات بينما هو يتوسط المدينة،. مُنسّقا الحملة، مراد عتيق ومحمد الكرمي، أطلقا على هذه المبادرة اسم "بلمّتنا نزيّنوا حومتنا" أي بتجمّعنا نزين حيّنا، وهو ما تحقّق فعلاً. فبمجرّد الحصول على تأشيرة العمل من رئيس البلدية تمّ الاتصال بجمعيات المجتمع المدني القائمة في المدينة لدعوتهم الى المشاركة. ثم جرى الاتصال بالتجار، جيران الحي المذكور، لطلب دعمهم. ولعبت وسائل الاتصال الاجتماعي دوراً هاماً في الترويج لهذه الحملة والتعريف بها، فتحرك المتطوعون من طلاب الجامعات والتلاميذ ومن أهالي المنطقة.

بدأت الحملة بتنظيف المكان تلاه دهن الجدران باللونين الأبيض والأزرق اللازوردي، مع زركشة مُستوحاة من رموز وعلامات تنهل من معين الثقافة الأمازيغيّة التي سادت المكان عصوراً قبل أن تُعرّب المدينة. واختير لأبواب المحلّات اللونين الأصفر والأسود، وهي علاوة على بهجتها وابراز التناقض فيها بين الضوء والقتامة، ألوان فريق المدينة الرياضي. وتوّجت الحملة بتأثيث المكان باُصص الأزهار.

استغرقت الحملة ثلاثة أسابيع متتالية ونفذت في مدينة مناخها شبه صحراوي جاف تصل درجات الحرارة فيه الى 55 درجة مئوية. وقد مهّدت لها حملات مشابهة، فمحمد الكرمي كان قد أسس مجموعة فنيّة غير منظمة قانونياً تحت اسم "فلتة فنيّة" - وهي "فلتة" لأنّها منفلة من عقال الإجراءات الإداريّة الصارمة ولأنّها أيضاً محاولة للخروج بالفن من الفضاءات المُغلقة وللاهتمام بفن الشارع وبدوره في تغيير العقلية السائدة.

.. وكذلك في العاصمة

وفي العاصمة تونس، قام حسام حمدي - وهو رحّالة جاب أربع قارات وأكثر من 70 دولة فيها علاوة على جُلّ المناطق الجبلية والغابيّة والمحميات التونسيّة – باطلاق حملة لتنظيف السواحل الشاطئية، مستحثاً بعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بمقاومة التلوّث البيئي وتحقيق التوازن الأكيولوجي. استهدفت حملات التنظيف التطوّعيّة بعض المناطق الساحلية كطبرقة وقربص وأوتيك و قمرت وبنزرت التي كان عدد منها غير مأهول حتى وقت قريب، ثم صارت أماكن للاصطياف والزيارة... فامتلأت بالفضلات والنفايات. ويُشكّل البلاستيك جزءً هاماً من تلك الفضلات، وقد قرر المبادرون إعادة تدوير ما يمكن تدويره بينما سلّم الباقي ل"البرباشة" (وهو مصطلح عامّي يُطلق على من يقومون بفرز القمامة). وتصرف مداخيل المواد المعاد تدويرها لعائلات تحتاج للدعم من أجل اقتناء أدوات مدرسيّة لأبنائها أو لإنشاء أو دعم مشاريع صغرى لها.

مثل هذه المشاريع تبقى رمزية ومحدودة بالطبع، ولا تحل مشكلات الأزمة البيئيّة الخانقة التي نتجت عن الانتشار العشوائي للمنشآت الصناعية أو للمجمعات الكيميائية، وعن غياب الاهتمام الرسمي بشؤون البيئة وتقاعس البلديات حين يتعلق الأمر بدورها في الاشراف على نظافة الشوارع أو على تحسين شكلها.. ولكنها خطوات إيجابية لتطوير حس المسئولية الفردية والجماعية تجاه هذه المسائل، ولتحفيز روح المبادرات الجماعية إجمالاً، بدءاً من رفض التأقلم مع البشاعة والإهمال، وتعزيزاً لاعتبار الحيز العام ملكاً لساكنيه يحرصون عليه كما يحرصون على بيوتهم، ومساءلة كذلك للسلطات عن مسئوليتها تجاهه.

مقالات من تونس

للكاتب نفسه

القيروان أمُّ المدائن ورابعة الثلاث

ضو سليم 2023-05-18

للمولد في مدينة القيروان رونقه الخاصّ وطعمه المميّز، فالمدينة تُعدُّ من أوّل العواصم الإسلاميّة بشمال إفريقيا، وكانت مركز ومنطلق الفتوحات نحو بلاد المغرب والأندلس وأجزاء من البحر الأبيض المتوسّط، وفيها...