هو طفل، مجرد طفل لما يبلغ الرابعة من عمره، اسمه محمد واسم ابيه ربيع والعائلة عليان. فتح عينيه على الدنيا في بلدته العيسوية، وسط القدس. مقابلها كنيسة القيامة وخلفها المسجد الاقصى، غير بعيد عنها الجلجلة أو درب الآلام الذي مشاه السيد المسيح في رحلة العذاب والتنكيل الاخيرة، قبل أن يرفعه الله، سبحانه، اليه.
هو طفل اسمه محمد ربيع عليان. ولد فلسطينياً، لأب فلسطيني وأم فلسطينية، في بلدة فلسطينية تقع في قلب القدس الفلسطينية منذ أن أعاد بناءها اجداده الفلسطينيون الذين لم يغادروها وصمدوا للغزوات والحروب الصليبية ومحاولات الطرد الاسرائيلية المعززة بجنود الاحتلال البريطاني وصفقات الخيانة في الداخل كما في المحيط العربي، وهي الأخطر، خصوصاً وقد جاءت تنفيذاً لوعد بلفور ومقتضيات سايكس – بيكو والهزيمة التي مُني بها العرب لعجزهم - بالأمر - عن القتال من أجل كرامتهم وعزتهم وحقهم في أرضهم التي كانت أرضهم.
هو طفل اسمه محمد ربيع عليان. ولد جده قبل النكبة الأولى (أيار/ مايو 1948) وولد والده بعد النكبة الثانية (5 حزيران/ يونيو 1967)، وولد هو بعد سلسلة نكبات (1970 في عمان - 1982 في بيروت -1991 في اوسلو - 1992 في مدريد..) اما النكبة الأخطر وبشروط المحتل الاسرائيلي وضمانة القمم العربية والتعهدات الاميركية ومقررات المجتمع الدولي فهي بأنهم "كانوا في فلسطين ذات يوم، والآن صارت فلسطين اسرائيل بقوة اولئك جميعاً، وصاروا لاجئين فيها) وفي دول الجوار العربي (المملكة الاردنية الهاشمية) التي كانت في موقع السمسار لدى الطرفين، وسوريا التي فقدت مع هيبتها دورها القيادي، ولبنان الذي أضيف الى "شعوبه" بعض الشعب الفلسطيني معززاً بلقب "اللاجئين".
هو طفل اسمه محمد ربيع عليان، ابن العيسوية شرق القدس، كان يلهو بجنود العدو الاسرائيلي، يخافون منه ولا يخافهم، ويضحك منهم بينما هم يصرخون به وبأبيه.
انه فلسطين أرضاً وشعباً. هذا ابوه محمد، وهناك مدفن جده عليان. في المسجد الاقصى يصلون، وبكنيسة القيامة يتبركون ويمشون بخطى السيد المسيح نحو مواجهة الموت غير هيابين، فالأرض أرضهم في حياتهم، ومدافن الاجداد بعد رحيلهم..
بعد يوم او يزيد، تلقّى الطفل الفلسطيني قيس فراس عبيد، من بلدة العيسوية ايضاً، استدعاء آخر من قبل شرطة الاحتلال للتحقيق معه ومع والده للاشتباه بقيامه بإلقاء الحجارة على دوريات الشرطة.. وقد طارد جنود الاحتلال قيس في الشارع محاولين اعتقاله بحجة القاء حجر عليهم، في حين كان قيس في الحارة، وقد اشترى عبوة عصير من كرتون، وبعد أن شربها القى بها على الرصيف، وكان هناك جنود في المكان فافترضوا انه يلقي حجارة عليهم فهجموا عليه وهرب مسرعاً إلى البيت، واختبأ تحت السرير.
"دخل الجيش المنزل، وكانت الأم موجودة ووالدها كذلك، وحالا دون اعتقال قيس.. فأخذوا هوية الزوجة – الام وكتبوا استدعاء باسم الزوج ورقم هويته للحضور غدا الساعة الثامنة صباحاً إلى مركز التحقيق في شارع صلاح الدين..".
متى صار "صلاح الدين" اسم الشارع في القدس التي يحاصرها الاسرائيليون ويحتلون معظمها، فمن غير المستغرب أن يتساءل العرب: أهو هو الذي حرر القدس وأجلى الصليبيين بقيادة ريتشارد قلب الاسد عنها، بعد معركة حطين، ثم تتابعت هزائمهم حتى خرجوا من أرض العرب جميعاً التي توزعها الامراء وقادة الجيوش المقتتلة حتى جاء العثمانيون وقد رفعوا "الهلال" راية فورثوا جنود الغرب الذين كانوا يرفعون الصليب راية كما يرسمونه على بزاتهم القتالية..
وبعد الصليب والهلال جاء الاسرائيليون تحت رايتهم التي تحمل النجمة السداسية، يطالبون بأرض موسى وداوود وسليمان الحكيم الذين يجلهم الدين الاسلامي كما الدين المسيحي لأنهم كانوا يهوداً ولكنهم لم يكونوا "صهاينة"، ولم يكونوا بالتالي مستعمرين وغزاة يحاربون تحت راية "الحق التاريخي" ليخرجوا أهل الارض من أرضهم التي كانت دائماً أرضهم، أيام الانبياء موسى وعيسى المسيح وصولاً إلى عمر بن الخطاب الذي رفض أن يصلي في الكنيسة حتى لا يأخذها المسلمون بذريعة "هنا صلى عمر"!
انه جيل جديد ولدته "النكبة" التي لا يمكن أن تكون أول التاريخ ونهايته..
انه جيل يقاتل بأظافره، بتراث آبائه وأجداده، بشميم أرضه الطاهرة التي تحتضن آلاف الآلاف، بل ملايين الملايين من أبناء هذا الشعب الذي ولدته هذه الارض واعطت أبناءها أسماءهم والهوية المجللة بدماء الشهداء.
انه جيل لا يعرف الاستحالة.. وقد تعلم من عدوه أن مسيرة التحرير طويلة، فقد وضع هرتزل "فلسفة العودة" في أواخر القرن التاسع عشر، واشترت الحركة الصهيونية ولاء أو تأييد رؤساء وملوك الدول الكبرى، شرقاً وغرباً، وانخرطوا في جيوش الحلفاء لقتال النازية والفاشية في القرن العشرين.. قبل أن ينالوا مكافأتهم التي من أرض مقدسة وتاريخ من البطولات والتضحيات والفداء لحفظ الحق.
انه جيل العودة ولو كره الكارهون، من امثال ترامب في الشرق والغرب.. انه جيل ولد من صرة النكبة.. وهو الذي سيمشي نحو التحرير، بدماء آبائه وأجداده، أعمامه وأخواله، بدماء الأمهات والاخوة.. انه الجيل الذي سيهزم النفط والغاز وأهلهم الذين تواطأوا عليه مع العدو، وتآمروا عليه مرة ومرتين وثلاثاً، ويستعدون لتواطآت جديدة.. وانهم لعائدون. حتماً عائدون، بشهادة هذين الطفلين اللذين انتصرا بقوة انتسابهم إلى ارضهم على المحتل المدجج بالسلاح والتحالف مع عرب الهزيمة.