في العام 1877، وبالتحديد في 22 أيلول/سبتمبر منه الذي كان يصادف شهر رمضان، أراد الرحالة الإيطالي رينزو مانزوني قياس انفتاح الريف البدوي الجنوبي في اليمن على الحواضر آنذاك، فأجرى هذه المغامرة: دعا ثلاث راعيات بدويات لشرب الكحول أثناء قيلولته في أحد حقول منطقة الحوطة التابعة لمحافظة لحج جنوب اليمن. سألته الفتيات: ماهذا؟ فرد عليهن: خمر. فما كان منهن إلا وجرعن منه، فوجدنه قوياً ولكنه ممتازاً، وقلن: "مليح كثير".
وبعد زيارته لصنعاء أورد مانزوني في كتابه "اليمن" وصفاً لدكاكين اليونانيين التي تبيع كل شيء، ومن بينها جميع أنواع الكحول من نبيذ وبيرة، وانتهى إلى شرب نخب على صحة تركيا، فيما بادله حاكم صنعاء إسماعيل حقي باشا الأنخاب بشربه كأساً في صحة الملك الإيطالي فكتور إمانويل الثاني.
في الوقت ذاته، كان الفلاحون في "قاع الحقل" بمديرية يريم محافظة إب في وسط اليمن، يموتون جوعاً وهم ينفذون عصياناً مدنياً بالإضراب عن فلاحة حقولهم، للاحتجاج على الضريبة الباهضة التي فرضتها الدولة العثمانية على محاصيلهم، ليهنأ الحاكم المظفر ودولته.
وعلى الرغم من عدم إفصاح مانزوني – صراحة - عن الغرض الحقيقي من زيارته، حدد الكتاب المنفعة في علاقة "دولة الخلافة" باليونانيين والإيطاليين، لإمداد المستعمرات العثمانية بالسلعة التي تحرمها عن رعاياها وتقرع كؤوسها في البلاط: الخمرة.
وبعد 140 عاماً من هذه الزيارة، أحاول قراءة أنخاب الصراع السياسي التي يتجرعها بلد قصي ومنسي كاليمن في تاريخه الحديث.
"شيفاز" حزب الإصلاح
في 19 أيار / مايو 2019، اقتحمت جماعة مسلحة تتبع "حزب الإصلاح" (الإخوان المسلمون)، منزلاً ريفياً لمحافظ تعز السابق في الريف الشرقي لمدينة تعز.
أقيل المحافظ من منصبه في بداية كانون الثاني / يناير 2019، بعد ضغوط سياسية مورست على رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي من قبل "حزب الإصلاح" الذي يفرض سيطرة عسكرية على مدينة تعز.
وكان الرجل قد تعرض أثناء تنصيبه محافظاً لتعز في خريف العام 2017 لحملات تكفير بسبب خلفيته العلمانية، وكونه تكنوقراطياً، وعدم انصياعه لتنفيذ أوامر قادة عسكريين مدعومين من نائب رئيس الجمهورية، علي محسن الأحمر، الساعي لتمكين "الإصلاح" من المدينة المنكوبة.
قوبل اقتحام منزل المحافظ السابق بالاستهجان من قبل يساريين وقوميين، رأوا في الفعل سلوكاً شائناً للثأر من الخصوم السياسيين، ما حدا بالجهة المنتهِكة إلى استخدام سلاح تلجأ له عادة القوى اليمنية المعادية للتحديث:
سرّب المعتدون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لصفوف من قناني ويسكي"شيفاز ريغال" قالوا إنهم وجدوها في منزله.
علق كمال شعلان، وهو نقيب "الموالعة" (متعاطي القات) في تعز، على هذا الخبر بالقول:
- وماذا عن الفتاتين الفرنسيتين، هل عثرتم عليهما؟
"الغداء الأخير"
في 28 نيسان/ إبريل المنصرم، أعدت قناة الجزيرة فيلماً وثائقياً عن اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي (اغتيل في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1977)، حمل عنوان "الغداء الأخير".
ومع أن الفيلم أكد ما هو الأكثر رسوخاً في الذاكرة السياسية اليمنية، من أن مؤامرة الاغتيال تقف وراءها السعودية، فهو ألمح بطريقة إلتوائية عابرة إلى القبائل التي كانت لها المنفعة القصوى في الإطاحة بمشروع الدولة اليمنية الحديثة.
فدولة الحمدي قلصت دور الزعيم القبلي النافذ عبد الله بن حسين الأحمر (1933 - 2007 ) إلى حدود إقطاعية حاشد (شمال اليمن)، وقلّمت أظافره في الدولة والجيش، ما دفعه بالتعاون مع قوى يمينية وعسكرية، إلى التحالف مع السعودية التي دبرت "الغداء الأخير"، لرئيس الجمهورية اليمنية حينها.
ولأن الأحمر ترأس بعد عام 1990 "حزب الإصلاح"، فقد تجنب الفيلم الوثائقي ذكره، لوجوده داخل المحمية التي ترعاها وتحرسها دولة قطر.
أما وقد أعاد الفيلم إبراز لجوء القائدين العسكريين – آنذاك - علي عبد الله صالح 1947) - 2017) وأحمد الغشمي (1935 - 1978) للدسيسة، بوضع قناني ويسكي وفتاتين فرنسيتين مقتولتين بجانب جثة الرئيس المغدور، فقد عمدت قوى مسلحة من الإخوان المسلمين المدعومة من قطر بعد ثلاثة أسابيع من بث الوثائقي، للغة الدعاية نفسها، مبررةً اقتحام منزل المحافظ ، بوجود قناني من الويسكي في أقبيته.
حانة الحلاقة
يتذكر (ز. ع) هذه الحكاية، من زمن الرئيس عبد الرحمن الإرياني (1910 - 1998)، وهي تحكي عن حلاق يدعى "ساري"، ويمتهن إلى جانب الحلاقة، بيع الخمور.
وكان لا بد لزبائنه أن يغادروه وهم يخفون في ستراتهم قناني الخمرة حتى صار الناس منشغلين برؤوسهم كما لم يحدث من قبل.
بلغ الرئيس الإرياني، وهو الرئيس المحافظ، مقدار الشعبية التي صار يحظى بها مواطن يعمل في مهنة موصومة اجتماعياً، فاستدعاه إلى مقر حكمه، وهناك زجر الرئيس الحلاق، فرد الأخير:
- سيدي الرئيس، هل تدري أنه لولاي لما كنت أنت على هذا الكرسي.
أستغرب الرئيس ما يقوله مواطنه البائس ذاك، فسأله:
- وكيف ذلك؟
رد عليه:
- إنني أشغل شعبك بالخمر عن التفكير بالانقلاب عليك.
جدتي عارفة
أطاح "الانقلاب الأبيض" في عام 1974، وكان بقيادة الجنرال إبراهيم الحمدي (ترأس اليمن الشمالي في الفترة 1974-1977) بالرئيس عبد الرحمن الإرياني، الذي صعد هو الآخر إلى السلطة بالانقلاب على الرئيس عبد الله السلال، أول رئيس للجمهورية.
شعر الكثيرون بالغضب من هذا التصرف، واعتبروه انقلاباً على أول سلطة مدنية بعد "ثورة سبتمبر 1961"، ومن بين هؤلاء الشاعر عبد الله البردوني الذي كتب قصيدة: "هذا انقلاب، جدتي عارفة".
بعدها بثلاث سنوات فقط، وبينما كان البردوني ينزل ضيفاً على فندق الأموي بالعاصمة السورية دمشق، كانت مجموعة من المتآمرين تقتل الرئيس الحمدي، باستدراجه إلى مائدة طعام. فكتب الشاعر اليمني الكبير قصيدة رثاء أسماها "صنعاء في فندق أموي" قال فيها: "طلبت فطور اثنين قالوا بأنني وحيد فقلت اثنين، إن معي صنعاء".
سلطة المتآمرين
صعد الزعيمان العسكريان أحمد الغشمي (رأس اليمن الشمالي في الفترة 1977-1978)، وعلى عبد الله صالح (رأس اليمن في الفترة 1978-2011) إلى منصب الرئاسة، كمكافأة لانخراطهما المباشر في المؤامرة الإقليمية لتصفية سلفهم الرئيس إبراهيم الحمدي.
حينها صاغ المتآمرون البيان الأول، وضمنوه الرواية المفبركة التي سعوا من خلالها إلى وضع سياق أخلاقي للجريمة: أحضرت فتاتان فرنسيتان، وقناني ويسكي إلى مسرح الجريمة، بما يوحي أن رئيس البلاد قتل أثناء حفلة مجون. لم تنطلِ هذه المسرحية على العامة، وبعد فترة وجيزة أشير للقتلة بالأصابع فأمضوا حياتهم يحملون هذه الذكرى ككابوس.
ومع محاولته استخدام الخمرة لتدنيس خصومه، عرف الرئيس صالح بصلاته الوطيدة مع مهربي الخمور، وتجاره.
عين الرئيس الحمدي الضابط علي عبد الله صالح منتصف سبعينات القرن الماضي، قائداً للواء تعز العسكري، ومقره معسكر خالد بن الوليد بميناء المخا الاستراتيجي، لما عرف عن صالح من الشجاعة والإقدام، حتى لُقِّب "تيس الضباط".
اليمن: ما الذي تقوله صالونات الحلاقة؟
27-07-2016
تمثّل تعز حجر الزاوية بالنسبة للملاحة الدولية، لموقعها المطل على مضيق باب المندب ومرفأ المخا التاريخي الذي ينسب إليه الفضل في تصدير القهوة (موكا) التي عرفها العالم. وتكون تعز بذلك حلقة وصل بين آسيا وأفريقيا، إلى جانب دورها المحوري سواء في الاستقرار أو في الاضطراب السياسي الداخلي، لكونها خزاناً بشرياً رافداً للدولة، مما حمل النظام العسكري للاعتقاد بأن صالح جدير بهذه المهمة.
واجه صالح تحديات في صميم عمله، منها التهريب الذي كان عليه مواجهته. لكنه، بدلاً من ذلك، انخرط هو وقواته المدربة تدريباً عالياً، في علاقة شراكة مع مهربي الخمور من القرن الإفريقي إلى اليمن.
ومع أن طرق التهريب سبقت لمعان نجم صالح، إلا أنها اكتسبت زخماً أكبر بتهيئة الأجواء لها. ودخلت –وهي ظاهرة تستحق الدراسة - أريافاً محافِظة تابعة لقبائل الطوق الغربي للعاصمة، في تجارة الخمور بسبب اِلتحاق أبناء هذه القبائل بالقوات المسلحة.
وبعد أن طال صالح قمة هرم السلطة، مكّن بعد عام 1994 قوتين ضاربتين من مواصلة هذه المهمة، وهما اللواء 32 مدرع، بقيادة الجنرال (ض) الذي يحكم السيطرة على مثلث التهريب البحري المهم، أبين- لحج -تعز، وهو نفسه مالك فندق في تعز ستروى قصته، واللواء 31 مدرع بقيادة (ق)، الذي يسيطر على مدينة عدن وبقية الساحل الجنوبي للبلاد، ويملك فنادقاً وشاليهات كبيرة، يتقاسمها مع (ط) الذي تقلد منصب مدير أمن عدن.
رافق هذه السيطرة الإبقاء على قوانين تجريم تعاطي الخمر وتداوله والاتجار به، ليكون حكراً على السوق السوداء التابعة لسلطة صالح.
صالح في المخيلة الشفاهية
تأتي المخيلة الشعبية الشفاهية على هذه الفترة بحكاية تتحدث عن إفريقي كان يعمل في بيع الخمور من القرن الإفريقي إلى اليمن في السبعينات الفائتة.
وأنه وفي فترة الاستقرار التي سادت جنوب شرق إفريقيا، توقف الإفريقي عن بيع الخمور، وتحول لتجارة أقل مخاطرة، حتى أتت فترة التسعينات، حيث شهدت إفريقيا اضطرابات اضطرت صاحبنا الإفريقي للعودة لبيع الخمور إلى اليمن.
عبر الرجل البحر على ظهر "صنبوق" (قارب خشبي تقليدي صغير) إلى ميناء ذوباب، بالقرب من باب المندب، وهناك احتجزته سلطات الجمارك في أحد مكاتبها، وطلبوا منه مبالغاً مالية كبيرة، حتى يستطيع إدخال خموره إلى البلد وبيعها.
تلفّت الإفريقي حائراً، فرأى صورة الرئيس صالح تتصدر الجدار أعلى مكتب المدير. فقال، وهو لا يعلم أن الذي في الصورة صار رئيساً لليمن:
- جيبو (أحضروا) لي هدا (هذا) الفندم أتفاهم معه، فهو كان طيب ياخذ 50 (يكتفي ب50 ريال)، لكن أنتم 500 ريال ما تريدون (لا تكتفون بها).
تجارة الكبار
وفي العام 2008، دخلت البلد في حالة انسداد سياسي، بعد فشل حوار السلطة مع مكونات المعارضة، فرأى صالح في المكون الديني فرصة جديدة لجعل انتخابه "مهمة مقدسة".
اجتمع برجال دين سلفيين، ومنحهم في منتصف تموز/ يوليو، صلاحية تشكيل شرطة دينية تحت مسمى "هيئة الفضيلة"، ووضع على رأسها رجل الدين السلفي عبد المجيد الزنداني.
في اليوم التالي باشرت الهيئة عملها بإغلاق 3 مطاعم صينية في العاصمة، كانت تقدم مشروبات كحولية لزبائنها، ثم اتجه "المحتسبون" غرباً، إلى محافظة الحُديدة، المفقرة إفقاراً مدقعاً، ليمارسوا نشاطاتهم ضد ما سموه "أوكار الدعارة والخمور".
عندما قال صالح "يجب أن نحلق".. ثم أطلق لحيته
14-07-2016
في العدد الخامس من مجلة "أبواب" آب/ أغسطس 2008، تجادل السلفي عبد الملك التاج، عضو هيئة "الفضيلة"، مع الصحافي ذو التوجه الليبرالي نبيل سبيع. قال سبيع أن الهيئة لن تستطيع الاقتراب من موضوع الخمور، ولا من مهربيه، لأنها "تجارة الكبار". التاج أكد هذا الأمر، لكنه قال إن إغلاق محال تروج فيها الخمور شرفٌ لا يدعيه.
شرطة، وملتحون، وفودكا
(د. د.) أحد المحامين الذين انتقلوا بفعل الحرب من محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، رمى لي بهذه الحكاية، لأحد موكليه السكارى:
في نيسان/ إبريل 2009، التقيت الشرطي حميد. ع (35 عاماً) الذي اتهم بحيازة قنينة خمرة، وأودع سجن البحث الجنائي بمدينة إب (وسط اليمن).
كان السجين يقبع في الزنزانة الشرقية رقم (4) وينكسر على شعره الأشعث القمحي شعاع شمس الأصيل، الذي يتسرب من كوة علوية مستطيلة أعلى رأسه. دنيت لأحاوره، فشممت الرائحة الحامضة لفمه، سألته:
- ما تهمتك؟
قال:
- بيبسي.
لم أفطن لمقصده، فرمى محبطاً كل أوراقه:
أنا جندي أمن أعمل بقسم شرطة في العاصمة صنعاء، وتلقيت قبل شهر دعوة لحضور حفل زفاف في مدينة إب. ولأنني أعمل في جهة ضبطية، فقد أدمنت شرب الخمرة التي نصادرها من السكارى في نقاط التفتيش.
وتلك الليلة، أخذتُ قنينة "جين" ماركة "الملك روبرت الثاني"، ضبطناها مع أخرى في نقطة بمدخل العاصمة، وكانتا في كرتون بسكويت لشابين في منتصف العشرينات، فقررت تمضية حفل الزفاف بها.
اتجهت لمحطة سيارات "البيجو"، واستقليت إحداها. وصلت مدينة إب صباحاً، فتذكرت القنينة المحشورة في حقيبة ملابسي، وما قد تسببه لي من متاعب لو أوصلتها إلى المنزل، فانسحبتُ إلى سور المجمع الحكومي، وأوهمت المارة أنني متقرفص للتبول.
وبينما كنت أقوم بتبديل قنينة "الجين" بصبها داخل عبوة مياه معدنية، لمحني حارسان في بوابة المجمع فتوجها نحوي مسرعين.
ألقيت القنينة الفارغة على الجدار، فتحطمت، وحثثت الخطى إلى الشارع العام، وهناك دلفت المقصورة الأمامية لأقرب حافلة عامة، وتفاجأت أن الحارسين صارا بالكرسي خلف ظهري، فرميت العبوة بمشروبها عند الكابح بين ساقي سائق الحافلة الملتحي.
أوقف الحارسان الحافلة، فترجلتُ، وعندما لم يريا العبوة، أوهمتهما أنني رميتها بين حشائش عين الجمل بجانب السور.
حملاني إلى نوبة حراسة المجمع، وعندما لم يجدا شيئاً يدينني بحيازة الخمرة أو شربها، هَمّا بعد دقيقتين بالإفراج عني.
أخرج أحد الحارسين مفتاح القيد في اللحظة التي عاد فيها السائق الملتحي بحافلته إلى بوابة المجمع، وناول الحارس العبوة الممتلئة بالمشروب الكحولي، وغادر.
تمّ تسليمي لإدارة البحث الجنائي، وهناك عُرضت العبوة المحرزة وطُلب مني الإقرار بحيازتي للعبوة، رفضت وقلت لهم:
- هذه العبوة ليست لي. عبوتي ممتلئة بالشراب.
وبحسب السجين فإن النيابة العامة طلبت منه خلال التحقيقات عقد صفقة: الإقرار بشرب الخمرة مقابل التسريع في قضيته.
قال والحزن يعلو ناصيته:
- رفضت الصفقة. ليس لأنني لا أتعاطى الكحول، وإنما لأنه حين قُبض علي لم أكن قد ذقت قطرة من المشروب.. وهم وقد شربوا ثلثي العبوة ،ويريدون إدانتي بالسكر.
يواجه حميد تهمة اقتراف فعل جنائي جسيم قد ينتهي به إلى قضاء سنتين في السجن إذا أدين بحيازة الخمرة. سألت السجين قبل أن أغادره:
- هل أنت ثمل الآن؟
قال وهو ممسك بكيس حراري فيه مشروب فودكا:
- نعم، هل تريد رشفة؟
هززت رأسي بالرفض، وسألته:
- من أحضره لك؟ فرد:
- لديهم وسائلهم، لا قلق، كل شيء هنا من الحشيشة إلى الشمة (سعوط) إلى القات إلى الفودكا إلى التمبل، والخدمة خمسة نجوم.
صداع الخمرة الرديئة
في29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، سرّب موقع ويكليكس وثيقة استخباراتية تابعة للخارجية الأمريكية عن لقاء جمع الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالقائد الأمريكي لعمليات الشرق الأوسط، الجنرال ديفيد بيتراوس.
وصفت الوثيقة صالح بأنه كان في ذلك الوقت ذا مزاج منشرح، وأضافت أن "هذا الحاكم المستبد لبلد مسلم محافظ اشتكى للقائد أيضاً من عمليات التهريب التي تأتي من جيبوتي، قائلاً له: أنا قلق من تهريب المخدرات والأسلحة وليس الويسكي.. خصوصاً إذا كان ويسكي من نوعية جيدة".
انفجرت ثورة "11 شباط / فبراير 2011" بعد هذا بأسابيع قليلة، فأرسل صالح في الأول من آذار/ مارس رجل الدين السلفي ورئيس "هيئة الفضيلة"، عبدالمجيد الزنداني مبعوثاً له للوساطة لدى الثوار الذين افترشوا الأرصفة، وكان متيقناً من فاعلية الخطاب الديني في دغدغة مشاعر جيل كامل يهتف للخبز والحرية.
صعد الزنداني إلى منصة ساحة الثورة، وتناول الميكرفون ليشرع بمهام "النوايا الحسنة" لإنقاذ النظام المحتضر، فهاله حجم الحشود وحماستها، فقال في لحظة زهو:
- الثورة براءة اختراع.
وكان بهذه العبارة الموجزة يشير إلى منظومة توهّمات طويلة اعتاش عليها، ابتدأها باكتشاف علاج لمرض الإيدز، وأنهاها بابتكار علاج لمرض الفقر.
إذاً، مع كل براءات الاختراعات التي حازها، تبقى الثورة واحدة من الاكتشافات التي سُجلت براءة اختراعها لدى فضيلته.
بهكذا بساطة خلع رجل الدين جبة الحاكم، ونصّب نفسه ثائراً عليه، وقد رأى أمور الثورة لا تستقيم إلا بالقطيعة الجذرية مع الماضي. غادر الزنداني صنعاء بعد عشرة أيام من تعميده ثائراً للاحتماء بسلاح عصبيته القبلية، وقد استنجد بقبائل "أرحب" المسلحة شمال صنعاء، حيث الأعراف تأتي أولاً.