من يتابع وسائل الإعلام الرسمي البحريني يتيقن إن البحرين أصبحت دولة كبرى في منطقة الخليج العربي. ويتيقن إنها استكملت - أو هي على وشك استكمال - الإستعدادات التي تتطلبها الحرب مع إيران. وفيها يخرج كبار قادة القوات العسكرية والأجهزة الأمنية لطمأنة المواطنين والمقيمين على نجاحها في "تحقيق أعلى مستويات الجاهزية الدائمة للقوات وقدرتها على سرعة الانتشار لتنفيذ مهامها.." (أخبار الخليج 29/5/2019).
وتحت عنوان تأكيد الجاهزية، يندرج إهتمام وسائل الإعلام الرسمية بابراز خبر زيارات واستقبالات يقوم بها المشير الشيخ خليفة آلخليفة، القائد العام لقوة دفاع البحرين. ففي أحد الأيام الماضية قام المشير بزيارة تفقدية لمواقع عسكري لمتابعة الاستعدادات والتجهيزات وللوقوف على الجاهزية القتالية والإدارية (الأيام 24/5/2019). وفي اليوم نفسه إستقبل المشير البحريني وفداً عسكرياً أمريكياً برئاسة الجنرال جوزيف غواستيلا، قائد القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، التي تُستخدم البحرين مركزاً لقيادة عملياتها، لمناقشة التنسيق العسكري والتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة الأمريكية والبحرين.
توخي الحيطة والحذر
بهدف إستكمال تلك الإستعدادات للحرب قامت السلطات البحرينية بعددٍ من الإجراءات التي تؤكد من جهة على خطورة الأوضاع في المنطقة وتؤكد من جهة أخرى إهتمامها بسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها. ففي 18/5/2019 وجهت وزارة الخارجية في البحرين تحذيراً لمواطنيها من السفر إلى إيران والعراق "نظراً للأوضاع غير المستقرة التي تشهدها المنطقة، والتطورات الخطيرة، والتهديدات القائمة وما تحمله من مخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار" مشددة على ضرورة أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر". ودعت الوزارة جميع المواطنين المتواجدين في البلدين "إلى المغادرة فوراً وذلك ضماناً لأمنهم وحفاظاً على سلامتهم". وكان لافتاً إن بقية دول الخليج العربية لم تحذُ حذو البحرين ولم تطالب مواطنيها بمغادرة العراق أو إيران أو عدم السفر إليهما.
وفي 21/5/2019 أعلنت قيادة الأمن العام في البحرين إنها ستقوم في اليوم التالي وضمن "الإجراءات المعمول بها دوريا، بمراجعة الخطط الوطنية للطوارئ ومن بينها التأكد من جاهزية صفارات الإنذار". وطلبت قيادة الأمن العام "من كافة المواطنين والمقيمين الاطمئنان وعدم الانزعاج" خلال فترة تجربة الصفارات. وبالفعل انطلقت في اليوم التالي صفارات الإنذار لتنطلق معها وبعدها ردود الفعل الشاكية والساخرة. فحسب تقارير صحافية، لم يسمع الناس في بعض مناطق البحرين أصوات الصفارات. أما من سمعوها فلم يعرفوا ما المطلوب منهم القيام به بعد سماع صفارة الإنذار، إذ لم تتوافر لهم الإرشادات اللازمة حول إجراءات السلامة والوقاية من شظايا القنابل أو المواد الكيميائية التي قد تحملها الصواريخ. ففيما عدا عددٍ محدود من مواقف السيارات المغطاة في المراكز التجارية، فلا يوجد في البحرين ملاجئ محصنة يلجأ إليها الناس. بل إن صغر مساحة البحرين، كما أشار أحد المغردين ساخراً "يجعلها هدفاً عسكرياً واحداً". وهنا أيضاً، كان لافتاً إن بقية دول الخليج العربية لم تعلن عن قيامها بتجربة صفارات الإنذار فيها.
تتصرف السلطات البحرينية كما تتصرف دولة كبرى. إلا إنها وبسبب إمكانياتها المتواضعة لم تقم بتوفير وسائل النقل اللازمة لنقل مواطنيها من البلدين اللذين دعتهم الى مغادرتها. وليس سهلاً معرفة عدد البحرينيين الذين غادروا إيران أو العراق إستجابة لتحذير وزارة خارجية بلادهم. من جهة أخرى لم تتسرب أية معلومات عن الدروس المستقاة من تمرين صفارات الإنذار ولا عن مدى إستفادة أجهزة الدفاع المدني في البحرين والأجهزة الأخرى المعنية بالخطط الوطنية للطوارئ، بدءاً من ملاحظات الناس وشكاواهم من إنعدام الملاجئ وغيرها من وسائل الوقاية والحماية في حال إندلاع المواجهة العسكرية مع إيران. وهذا يعزز الظن إن تحذير المواطنين البحرينيين من زيارة إيران والعراق وتمرين صفارات الإنذار يندرجان ضمن الحرب الإعلامية المستعرة في المنطقة.
البحرين تبحث عن دور في الميزان العسكري للمنطقة
بعد توليه مهامه الرئاسية، رفع الرئيس الأمريكي الحظر المفروض على بيع الأسلحة والمعدات العسكرية لعدد من البلدان بسبب إنتهاكات أنظمتها لحقوق الإنسان. ومن بين هذه البلدان البحرين التي تعاقدت خلال السنتين الأول من عهد ترامب على شراء ما تزيد قيمته على ستة مليار دولار من الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وفي بداية أيار/مايو الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن الموافقة على بيع البحرين مجموعة من نظم صواريخ "باتريوت" والمعدات الرديفة تقارب قيمتها المليارين ونصف المليار دولار. تبع ذلك إعلانٌ آخرعن صفقة عسكرية بقيمة 750 مليون دولار لشراء معدات عسكرية رديفة لطائرات ف – 16 التي سبق أن تعاقدت البحرين على شرائها في صيف 2018 بقيمة ثلاثة مليار وثمانمائة مليون دولار. لا تبدو قيمة المشتريات العسكرية البحرينية كبيرةً عند مقارنتها بمئات المليارات التي تبلغها قيمة العقود العسكرية الأمريكية مع الدول الخليجية الأخرى. إلا إن البحرين ليست كشقيقاتها الخليجيات. فهي أصغر منهن جميعاً من حيث المساحة والتركيبة السكانية والبنى التحتية والقدرات المالية.
تعاقدت البحرين خلال السنتين الأول من عهد ترامب على شراء أسلحة تزيد قيمتها على ستة مليار دولار من أميركا وحدها. تبع ذلك شراء انظمة "باتريوت" بما يقارب مليارين ونصف مليار دولار، ثم معدات عسكرية لطائرات ف – 16 بقيمة ثلاثة مليار و800 مليون دولار.
عدد أفراد القوات العسكرية في البحرين يقل عن العشرين ألف عنصر، أغلبهم من المجندين من مواطني دول أخرى، عربية وغير عربية. وأما اجمالي عدد سكان البلاد فيبلغ 1,234,571 نسمة نصفهم من غير المواطنين. وأما مساحتها فتبلغ 934.57 كلم مربع.
يبدو جنونياً هدر السلطات البحرينية لموارد البلاد بالإضافة إلى الأموال التي تستدينها في محاولة محكوم عليها بالفشل لإنتزاع دور لها في الميزان العسكري الخليجي. فعدد أفراد القوات العسكرية في البحرين يقل عن العشرين ألف عنصر أغلبهم من المجندين من مواطني دول أخرى عربية وغير عربية. وهي تعاني مثل غيرها من القوات العسكرية الخليجية من معيقات استيعاب التقنية المتقدمة في أغلب منظومات الأسلحة التي تشتريها. وهو أمرٌ شاهدنا أمثلةً كثيرة على عواقبه المدمرة في حرب اليمن.
الحال المرعب للعالم!
16-05-2019
ويتأكد جنون الهدر بالتذكير بأن البحرين تعاني من أزمة مالية تفاقمت أعراضها في السنوات الأخيرة ووضعتها على شفا الإفلاس. فبسبب الخشية من تداعيات إعلان إفلاس البحرين، تدخلت كلٌ من الكويت والسعودية والإمارات لتقديم حزمة دعم مالي بقيمة عشرة مليار دولار. وفرضت الدول الثلاث لتقديم دعمها المالي أن تُشرف على إنفاقه وأن تلتزم البحرين بتنفيذ إجراءات مالية تحد من الإنفاق الحكومي، وتلغي الدعم الحكومي على كثير من المواد والخدمات، بهدف إعادة التوازن في ميزانية الدولة. لسوء حظ البحرين أضاع النظام السياسي فيها الفرص التي كان يمكن لحزمة الدعم الخليجي توفيرها. فبدلاً من ترميم الوضع الاقتصادي وتخفيف أعباء الأزمة الاقتصادية، اتجهت السلطات في البحرين إلى هدر مواردها على تكديس الأسلحة إرضاء لغرورملكٍ يأمل في أن ينتزع لنظامه دوراً سياسياً وعسكرياً يفوق إمكانياته وقدراته.