يفضّل 58 في المئة من الأردنيين زيادة التركيز على منشآت الطاقة النووية، حسب دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، بالتنسيق مع مؤسسة الرأي العام العالمي، العام 2010.
نتيجة انتقدها مناهضو الطاقة النووية، وشككوا بالقائمين على الدراسة الذين لم يضمّنوا استمارتها شيئاً عن المخاطر النووية المحدقة بالأردنيين.
لا يأبه الأردنيون الذين يرزح 80 في المئة منهم تحت خط الفقر المحدد بـ 1124 دولارا للعام (800 دينار)، حسب مسح نفقات دخل الأسرة، للمخاطر وهم يتخذون قرارهم تجاه الخيار النووي. ولو أجريت دراسة جديدة لارتفعت نسبة المؤيدين الذين تمسُ فاتورة الطاقة محافظهم بشكل مباشر، في ظل مواصلة الدولة سياسة تحرير أسعار الطاقة.
سياسة تبررها الدولة إحصائياً. فإحصائياتها تقدر كلفة الدعم الحكومي للطاقة على موازنة الدولة بـ 5 مليارات دينار سنوياً (7 مليارات دولار)، في وقت بلغ عجز الموازنة للعام 2013 ملياري دينار (2.8 مليار دولار).
هذا ويستورد الأردن 95 في المئة من احتياجاته من الطاقة، بمعدل سنوي قيمته 2.5 مليار دينار (3.5 مليار دولار) ، ما يشكل 24 في المئة من قيمة المستوردات و20 في المئة من اجمالي الناتج المحلي المقدر بـ 12.5 مليار دينار سنوياً ( 17.6 مليار دولار).
كل ذلك يبرر للأردنيين الطامحين للإفلات من مخرجات سياسة تحرير أسعار الطاقة، إيمانهم بالحلم النووي حتى وإن جاء مصحوباً بكابوس الموت.
صناعة الحلم
قبل سنوات مضت، كان النقاش الكوني حول الطاقة النووية يمرّ في الاردن مرور الكرام، وبقي الأمر على ذلك حتى العام 2009، عندما قال الملك عبد الله الثاني في كلمة أمام المنتدى الاقتصادي العالمي «للمرة الأولى في تاريخنا، نجد أنفسنا نجلس فوق سلعة يهتم بها الناس».
عبارة الملك التي عبر فيها عن حماسة الأردن للسير في طريق الخيار النووي، جاءت بناءً على الكشف عن وجود احتياطيات من اليورانيوم العالي التخصيب قدّرت بحوالي 140 ألف طن، يضاف اليها 59 ألف طن من احتياطيات البلد من الفوسفات. بهذا الكشف وجد الأردن نفسه مالكاً لحوالي 2 في المئة من احتياطيات العالم من اليورانيوم.
منذئذ، وبدعم من الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية، تبنّى الأردن رسمياً خيار الطاقة النووية ليكون أساساً في استراتيجيته الوطنية للطاقة، وتنص الاستراتيجية على زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 12 في المئة بحلول العام 2020، والاستفادة من مصادر الطاقة المحلية، مثل الصخر الزيتي، والاعتماد على الطاقة النووية لتغطي 30 في المئة من احتياجات البلد من الطاقة بحلول 2030.
كبر الحلم، أصبح بأن تتحول الأردن في العام 2030 بعد إتمام بناء أربعة مفاعلات نووية يدخل أولها في الخدمة العام 2018 كما هو مخطط، من بلد مستورد للطاقة الى بلد مصدر للطاقة الكهربائية. ويقدر أن ينتج كل مفاعل ما مقداره 1000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية سنوياً، ليودِّع الاردن توليد طاقة الكهرباء من شركات ومحطات التوليد القائمة والتي تنتج سنوياً 2400 ميغاواط.
منذ تشكل الحلم، ولإنجازه، وقّع الأردن عدداً من الاتفاقيات الثنائية مع بلدان عدة، وتنافست الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الاوروبي وفرنسا والصين وروسيا وكوريا الجنوبية من أجل الحصول على حصة في العمل، والأردن لا يخفي ترحيبه بجميع تلك الخبرات الخارجية.
وزيادة على حلم الطاقة نما حلم العمل، فالمشروع وفقاً لما هو مخطط سيوفر 5 آلاف وظيفة في عمليات بناء المفاعل، إضافة الى تشغيل ألف مهندس وفني وعامل بصورة دائمة خلال فترة التشغيل، كل ذلك في البلد التي سجلت فيها نسبة البطالة 13.1 في المئة بين الأردنيين في سن العمل، حسب احصائيات الربع الأول من العام 2013. لكل ذلك فهو حلم، لكنه للآن على الورق.
الترويج للكابوس
في فضاء الحلم الرسمي يبث ناشطون الكوابيس، وهي كلها مرشحة لأن تصبح حقيقة حال حدوث ما لا تحمد عقباه، ويسندون موقفهم بتوجه الدول المتقدمة لوضع خطط استراتيجية للتخلص من المفاعلات النووية رغم أزمة الطاقة خوفاً من نتائج الكوارث النووية، في غمرة ذلك ينطبق على الأردن المثل القائل «ذهب للحج والناس راجعة».
يؤرخ تاريخ الكوارث النووية وقوع 750 حادثة نووية منذ أربعينيات القرن الماضي تركت آثار سلبية عدة في الدول والمجتمعات التي وقعت فيها.
يرسم مناهضو الطاقة النووية صورة المأساة، إذا ما حدثت كارثة في الاردن من المستويات 4-7 على مقياس الحوادث الدولية، عندها فإن 70 في المئة من سكان الأردن البالغ عددهم، وفق أرجح الإحصائيات، ستة ملايين نسمة سيكونون في دائرة الخطر و70 في المئة من المواليد سيأتون مشوّهين و60 في المئة من أراضي المملكة ستتحول بوراً وستنهار 50 في المئة من البنية الصناعية الأردنية... كل ذلك من أجل ماذا؟ ما يمكن توفيره عبر الطاقة المتجددة النظيفة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
المشهد الذي يرسمه مناهضو النووي في الندوات والمحاضرات والمقالات مرعب، في حين يتواصل حراكهم على الارض خجولاً، فهم لم يتمكنوا للآن من جعل معارضتهم فعلاً جماهيرياً، ولم يتعدّ عدد المشاركين في فعالياتهم في أفضل حالاتهم عدد أصابع اليدين. فهل ينجحون؟