قال المثل قديماً «العلم في الصغر كالنقش في الحجر». حديثاً، يقول الناشطون في الأردن «التسحيج في الصغر كالنقش في الحجر». عَبِثَ الناشطون في فضاء المثل رداً على إفرادِ فصولٍ في مناهج التعليم «للتسحيج»، إنطلاقاً من الأول الابتدائي صعوداً حتى التخرج من الجامعات. وهو ما يبرره القائمون على المناهج بتعزيز الانتماء للوطن والولاء لقائد الوطن بعقول أبناء الوطن.
التسحيج ومرادفاته
والتسحيج، بفاعله سحّيج، ماركة أردنية مسجلة تطلق على أولئك الذين يوالون النظام بشكل أعمى، وغالباً ما يوظفون لقمع المعارضين جسدياً وفكرياً. ومجازاً يطلق على من يغمض عينه عن الحق وهو يراه. المصطلح الاردني الذي أنتجه حراك العامين الفائتين في المنطقة، يقابله في مصر البلطجي، والمرتزِق في ليبيا، والشبّيح في سوريا.
وإن كانت مناهج التعليم في مجملها محل نقد، فان منهاج التربية الوطنية، الهدف الذي صب عليه الناشطون جام غضبهم، يفرد في كل مرحلة دراسية فصلاً للحديث عن الملك عبد الله الثاني وانجازاته في خدمة الوطن والمواطنين. إنجازات لا تتعدى أن تكون حقوقاً أساسية للمواطنين.
يعلِّم منهاج التربية الوطنية الطلبة أن فتح الطرق وبناء الجسور إنجاز ملكي. ومن الإنجازات الملكية التي يدرسها الطلاب منحهم مكملات غذائية. ويعلمهم المنهاج أنهم يمنحون تلك المكملات فقط لأن الملك يحبهم، وتوزيع معاطف الشتاء على الطلبة إنجاز ملكي يدرس ضمن الإنجازات الإنسانية للملك.
أينما وليت وجهك في فصول التسحّيج الوطني ثَمّة وجه الملك، في الأول الابتدائي يتم تعريف الطلبة بملك الوطن ويلقنون الدعاء للملك بالصحة وطول البقاء. صورة بحجم صفحة الكتاب للملك بالزي العسكري تطالع الطلبة لتكون محل نقاش عبر جملة من الأسئلة تبدأ بـ «من صاحب الصورة التي تشاهدها ؟«، وتنتهي «بمَ ندعو الله تعالى لجلالة الملك؟». وبعد تلقين الطلبة سيلاً من الدعاء يمضي بهم المنهاج ليعرفهم بشجرة العائلة المالكة.
غالبية الطلبة يحبون الملك، يقولونها صدقاً لكثرة ما لهجت ألسنتهم على مقاعد الدراسة بحبه، ويرتفع منسوب الحب أو يقل طردياً بما يتناسب وضمير المعلم وتفانيه في الغرفة الصفية.
تتوالى المراحل الدراسية وتتبدل المناهج لتحقنهم رويداً رويداً بالولاء الفائض للملك.
ينتقلون من تلقينهم اسمه مع الألقاب والدعاء، الى تلقينهم إنجازاته الداخلية والخارجية، فهو راعي الزراعة والصناعة والتجارة والثقافة والإنسانية، وهو محور العلاقات الدولية، هو حفيد خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو الملك الذي يطالعهم بالزي المدني والعسكري على مختلف تشكيلاته، والبدوي، والرياضي.
رحلة المنهاج
لكل زمان دولة ورجال، ولكل مرحلة في الأردن منهاج وكتاب. في السنوات العشر الأخيرة من حكم الملك الرابع للعرش الأُردني، غُيرت المناهج بشكل جذري، حملت الملكة على عاتقها مهمة تطوير التعليم وتحديثه، ولأن الحاسوب واللغة الانجليزية لغة العصر، دُشنت مرحلة حوسبة التعليم وأصبحت اللغة الانجليزية متطلباً أساسياً اعتباراً من الصف الأول الابتدائي بعد أن كان الطلبة يتعرفون على الـ ABC في الصف الخامس الإبتدائي. جيد هذا شكلاَ ومضموناً، بل ومُرْضٍ أيضاً.
غير المرضي كان تغيير مضمون المناهج بما يتناسب وأولوية الولاء والانتماء، لتعج المناهج بدروس عشق الملك الهاشمي والهاشميين.
لكل مرحلة في الاردن منهاج وكتاب، فرضت مرحلة الخوف من تراجع الولاء شروطها على المناهج، التي فُرض عليها في السابق شروط مرحلة السلام وزوال العدو بعد أن وقع الأردن مع إسرائيل في 26 تشرين أول/ أكتوبر 1994 معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية (معاهدة «وادي عربة»). على أثرها نزعت الصفة التعبوية عن المناهج، فمحيت الآيات القرآنية التي تحث على الجهاد والقصائد الحماسية، واستبدلت بتلك التي تحث على السلام. وكان قبل ذلك أن حذفت إرضاءً للإسلاميين مناهج الفلسفة والمنطق، التي يرونها شُرْكية.
تدخلان جراحيان صُمِتَ عليهما، وكان من الممكن الصمت على التدخل الجراحي الأخير لولا التمرد العربي الذي وصلت نسماته الى الأردن ليمتلك الأردنيون القدرة على النقد والاحتجاج الصاخب. تدفق غزير لصور مناهج التعليم التي تبادلها الناشطون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وعلقوا عليها بأقلامهم نقداً بحدة، ونشروها بعنوان "سحّج لتعيش".