لم تختلف قمة الكويت لدول مجلس التعاون الخليجي (10- 12 كانون الأول/ديسمبر) عن سابقاتها في تركيزها على الإجراءات الأمنية والعسكرية الهادفة لحماية السلطات القائمة حتى ولو كان مفعول تلك الإجراءات قصير الأمد. فقد كرر المجتمعون الإشارة إلى قرارات اتخذت قبل ثلاثين سنة عن "بناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي" من دون الإشارة إلى كيفية التعاطي مع عوامل استمرارالمعيقات التي منعت حتى الآن تحقق ذلك. وفي مقدم هذه المعيقات جهود الولايات المتحدة وغيرها من الدول المصدرة للسلاح (أي التي تبيعه لسلطات متعددة)، علاوة على احتكار المناصب العسكرية من قبل أفراد العوائل الحاكمة وحلفائها.
أما في الجانب الاقتصادي، فاكتفى المجتمعون بإعلان صياغات عامة غير ملزمة، من قبيل "التوافق على قواعد موحدة تسهل تكامل أسواق الأواق المالية". وفي الوقت نفسه، تحاشت قمة الكويت كسابقاتها التعرض لمعيقات توحيد العملة الخليجية وما يترافق معه ويترتب عليه من قرارات اقتصادية ومالية وسياسية. كما تحاشت التعرض لمتطلبات توحيد سوق العمل في المنطقة بما فيها إزالة معيقات حرية حركة اليد العاملة.
وقد عكس البيان الختامي الصادر عن القمة حالة الارتباك تلك وعدم القدرة على التوافق على نهج للتعاطي مع المستجدات التي تشهدها المنطقة. وما يثير الاستغراب هذه المرة هو ان لغة البيان الناعمة لم تأتِ متناسبة مع تشدد تصريحات وبيانات لمسؤولين خليجيين سبقت انعقاد قمة الكويت، وجرى فيها التحذير من أخطار محدقة بالمنطقة وشعوبها نتيجة لما قيل إنها "تسويات سرية" بين إيران والولايات الأميركية المتحدة.
تعاون أم اتحاد
بجانب الموضوعات التقليدية التي يزداد الاهتمام بها في كل موسم لقمة خليجية، برز هذا العام موضوع الاتحاد الخليجي الذي طرحه الملك السعودي منذ عاميْن داعياً إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد. وقتها، جاءت تلك الدعوة في سياق محاولات التعامل مع تداعيات الربيع العربي.
فمن جهة تمكنت قطر، عبر قناة الجزيرة، ونفوذها المالي، وكونها تستضيف قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، من أن تستقطع لنفسها نفوذا إقليميا وحضوراً دوليا مستقلاً. ففيما عدا تدخلها المبكر عسكريا لقمع الحراك الشعبي في البحرين في 2011، بدت السعودية عاجزة عن التأثير في ما حولها والتعامل مع الأحداث المتسارعة في تونس ومصر وليبيا. تبين لاحقاً أن اقتراح الملك السعودي لم يكن مفاجئاً لزملائه من قادة مجلس التعاون فحسب بل حتى للأجهزة السعودية المعنية. فالملك لم يطرح اقتراحه مرفوقاً بحيثيات ودراسات تقييم جدوى لتسويقه بين حكام بلدان الخليج الأخرى. لهذا اكتفى الحكام المجتمعون في قمة الرياض منذ عامين بالترحيب بالاقتراح وإحالته على لجنة متخصصة. وفي أيار/مايو 2012، دعا الملك السعودي إلى قمة تشاورية في الرياض أيضاً لمناقشة اقتراحه على ضوء توصيات اللجنة المشكلة. إلا ان تلك القمة التشاورية فشلت في التوصل إلى اتفاق فأحالت الموضوع مرة أخرى على اللجان لاستكمال دراسة " كافة جوانبه وبشكل متأن يخدم الأهداف المأمولة". وفي القمة الاخيرة، لم يتمكن المجتمعون من التوصل إلى اتفاق نهائي، ولهذا دعا البيان الختامي لقمة الكويت إلى استمرار المشاورات واستكمال دراسة "الموضوع".
عُمان والبحرين
عدا السعودية، فالعائلة الحاكمة في البحرين هي الأكثر حماسة لإقامة الاتحاد الخليجي. ولا تقتصر الحماسة على أفراد العائلة الحاكمة بل تشمل فئات كبيرة من المواطنين والنخب السياسية. ويمكن تفسير هذه الحماسة على مختلف مستوياته بالإشارة إلى حجم نفوذ السعودية اقتصاديا وأمنياً في البحرين. فالسعودية تستورد أكثر من نصف صادرات البحرين. ويتمثل الرأسمال السعودي في مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة في البحرين، علاوة على حصص كبيرة من أسهم الشركات الكبرى (تملك السعودية ثلث أسهم شركة البتروكيماويات وخُمس أسهم شركة صهر الألومنيوم). ويعتمد قطاعا الخدمات والتجارة في البحرين على أكثر من عشرين ألف زائر يعبرون جسر الملك فهد يومياً في الاتجاهين. وفوق ذلك وهبت السعودية منذ 1997 البحرين نصف إنتاج حقل أبو سعفة النفطي.
وتشكل العوائد المالية من حصة البحرين من ذلك الحقل (البالغة 150,000 برميل يوميا) ما يقارب 70 في المئة من بند الإيرادات في ميزانية البلاد.
ولقد تعلم ملك البحرين درسا حين امتنعت السعودية في 2004 عن تسليم البحرين تلك العوائد تعبيراًعن عدم رضاها عن قيام البحرين منفردة بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الجانب الأمني تشكل القدرات الأمنية والعسكرية السعودية درعأ واقياً تحتمي به السلطة الحاكمة في البحرين من تداعيات خلافاتها الداخلية أحياناً، وفي مواجهة معارضيها أحيانا أخرى. وكان دخول القوات السعودية في منتصف آذار/مارس 2011 أحد أمثلة سبقته في العقود السابقة تدخلات وإن لم تنتشر أخبارها.
أما عُمان فلقد أعلنت مبكراً تحفظها عن فكرة الاتحاد. وهو موقف تطور بإعلان وزير الشؤون الخارجية العماني عشية انعقاد قمة الكويت ان بلاده ضد مشروع الاتحاد ولن تكون جزءا منه. استسهل بعض "المحللين" الأمور حين أشاروا إلى الخلاف الديني المذهبي لتفسير الموقف العُماني. فرغم ان المذهب الغالب في عُمان هو المذهب الاباضي (مقابل الوهابي في السعودية والشيعي الاثني عشري في إيران)، إلا انه على خلاف الحال في البلديْن، ليس محركا من محركات السياسة السلطانية محليا أو خارجيا، وهو لا يفسر العلاقة الودية التي تربط سلطان عُمان بإيران سواء في عهد الشاه الذي سانده عسكرياً، أو في عهد الجمهورية الإسلامية.
عوضاً عن النظر إلى عامل الاختلاف المذهبي، يمكن تفسير الموقف العماني من فكرة الاتحاد الخليجي بالرغبة في الحفاظ على استقلال السلطنة، ومنع أيٍ من السعودية أو الإمارات من استخدام الاتحاد غطاءً لفرض هيمنتها. وحققت جهود السلطان في هذا المجال هدفه منها. فليس للسعودية في عُمان ذلك النفوذ السياسي أو الأمني أو الاقتصادي الذي تتمتع به في البحرين. من جهة أخرى لا يمكن التقليل من جدية وإلحاح مخاوف السلطان من تدخلات شيوخ إمارة أبو ظبي في شؤون بلاده وعلى استقرارها وتماسكها. وتبيّن حجم المخاوف في أثناء الأزمة الحادة بين البلدين بعد الكشف عن "شبكة تجسس إماراتية" في عُمان في نهاية 2011. ولم تنته تلك الأزمة إلا بعد شهور من الوساطات وزيارات مكوكية قام بها أمير الكويت.
بعد قمة الكويت، وبعد مرور سنتين على إعلان الملك السعودي عن اقتراحه، يبقى أمر الاتحاد "قيد الدراسة". وعلى رغم ما تم خلال السنتين الماضيتين من مداولات بين الحكام أو بين أعضاء اللجان المختصة، ما زالت ميزات ذلك الاتحاد غامضة تماماً.