الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير 2013، احتضن شارع الحبيب بورقيبة، شريان العاصمة الرئيسي، الجميع: خياما لعائلات الشهداء والجرحى، منصّات للغناء والمواقف، من دون أن يخلو المكان من باعة الحلوى والكتب والصور التي تؤرخ للثورة.
اتخذ الاحتفال شكلين هما: واحد رسمي انطلق بتأدية الرؤساء الثلاثة، المنصف المرزوقي رئيس الدولة، حمادي الجبالي رئيس الحكومة، ومصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي، تحية العلم بساحة القصبة، إضافة الى استعراض قطعات من الجيش. وآخر شعبي، امتلأ بالمعارض الفنية، والرسومات الحائطية، والأغاني الملتزمة، علاوة على مهرجانات خطابية ومسيرات وتظاهرات مطلبية.
جمع شارع الحبيب بورقيبة كل الأطياف، من أحزاب وجبهات وحركات سياسية، فتمثلت التعددية التي كانت مطلبا سياسيا في مرحلة ما قبل الثورة. وفي ائتلاف ثلاثي هو الأول من نوعه، جمع "الجبهة الشعبية" بحزبي "الجمهوري" و"المسار"، انتظمت مسيرة رمزية أمام وزارة الداخلية، تتقدمها القيادات السياسية. وعلى لافتة كبيرة امتدت على طول ذلك التجمع الشعبي، كتب "القوى المدنية والديموقراطية تناهض كل أشكال العنف"، ونادى الجميع بالحريات الفردية والعامة وتأسيس بالاقتصاد الوطني والتنمية والعدالة الاجتماعية. في حين انطلق أنصار حركة "نداء تونس" من شارع محمد الخامس نحو "ساحة 14 جانفي" بشارع الحبيب بورقيبة في مسيرة احتفالية، رُفعت خلالها شعارات تنادي بانجاز الدستور والانتخابات، وبمدنية الدولة ومناهضة العنف، وضُربت فيها حراسة مشددة على قيادات الحركة خوفا من الاعتداءات. وأمام المسرح البلدي في الشارع نفسه، عقدت "حركة النهضة" اجتماعا شعبيا، تعاقبت قياداتها خلاله على الكلام أمام جمع غفير حمل لافتات أهم شعاراتها "إنجاح المسار الديموقراطي واجب وطني" .
وبعيدا عن كل ما هو رسمي، امتلأ المكان بكل الفئات الشعبية، صغارا وكبارا، نساء ورجالا. ارتسمت على وجوههم الابتسامة، وزُيّنت وجنات الأطفال برفقة الآباء بعلم تونس وكلمة حرية. وارتفعت أصوات الباعة المتجولين لتعانق أصوات الهاتفين بالشعارات السياسية، وتنوعت السلع المعروضة من حلوى وكتب إلى أعلام لتونس ولفلسطين ولافتات تحمل شعارات الأحزاب .
لم يقاطع الإبداع الاحتفالات، فعُلقت الأعمال الفنية على أشجار شارع الحبيب بورقيبة: لوحات زيتية وصور فوتوغرافية بأحجام كبيرة، تؤرخ للحظات الحراك الاجتماعي أحيانا وتذكّر بالشهداء وبنضال المرأة التونسية أحيانا أخرى. وردد الجمهور ما صدحت به حناجر الفنانين من التراث الغنائي للشيخ إمام أو لمارسيل خليفة أو للبحث الموسيقي وأولاد المناجم. غنى الجميع بصوت واحد "إني اخترتك يا وطني" و"اتجمعوا العشاق في سجن القلعة"، فغابت للحظة الانقسامات.
الخيبات التي ما زالت الثورة التونسية تتلقاها، والنقاشات التي حادت بالمسار الثوري، من مطالب التشغيل والكرامة والحرية، إلى جدال الهوية والتكفير والإقصاء وأحيانا العنف، ليست المحدد ولا هي الوجهة النهائية للمجتمع التونسي.. وليس التراجع المسجل إلا موقتا، لأنه كما قيل إبان رحيل الطاغية: "لا خوف بعد اليوم"!