"يأخذ بطاقتي للصراف الآلي ويحرمني التصرف في حسابي المصرفي"،
"يجبرني على ممارسة الجنس"،
"يسحب جواز سفري، يمنعني من السفر، من زيارة أهلي حتى حين توفي والداي"،
"غالباً ما يتحدث مع عشيقاته حين يكون معي في الفراش"،
"تتصل بي المرأة التي يخونني زوجي معها، تستفزني وتكيل الإهانات"،
"تزوج عليّ بأخرى"
"يتلفظ بألغاظ بذيئة تتعلق بكبر سني ويبصق أحياناً في وجهي"،
"حرمني من تقديم الامتحانات النهائية حين كنت بالمرحلة الإعدادية في محو الأمية"،
"اتهمني بالسرقة وأشتكى علي في النيابة ظلماً، برغم اعتماده على مرتبي الشهري"،
"يهددني دائماً بعمل عاهة في جسمي.. يهددني بالحرق لو طلبت الطلاق"،
...
العبارات ليست سيناريو فيلم أو مسرحية، إنها شهادات حية من عينة بحثية استمعتُ إليها ممن تعرضن لعنف من الأزواج أدى بـثمانين في المئة منهن إلى الطلاق. حدثتني إحداهن بصوت منكسر عبر الهاتف: "بعد مرور سنوات على طلبي الطلاق، حصلت عليه قبل أيام، لكن طليقي تهجم عليَّ في اليوم نفسه واغتصبني أمام أولادي في البيت، أشعر بالإهانة، والخجل من النظر في عيونهم"!
خلصت عديد الدراسات إلى ان الحياة الزوجية تمثل مرتعاً يمارس فيه الأزواج العنف على شريكاتهن، وهو ما يرده المحللون الى تراجع سلطة الآباء والأخوان والأقارب ووصايتهم لضبط معايير السلوك لمصلحة الأزواج. فالحياة الزوجية التصادمية تشكل فضاءً خصباً للمشاحنات والخلافات، لا سيما في حال تدني دخل الأسرة وزيادة أعباء تربية الأبناء وتلبية احتياجاتهم، وتداخل عوامل عديدة وتشابكها مع نمط التربية الأسرية السائدة، التي تمثل وسيطاً ينقل ثقافة المجتمع وقيمه وتفسيراته الدينية الملتبسة المتعلقة بعلاقة الرجل بالمرأة لجهة الحقوق والواجبات. أضف إلى ذلك كله قصورا في فهم العلاقة الزوجية المتأسسة على ثقافة تركز على وجوب طاعة المرأة ورضوخها للزوج وقبولها بسيطرته الدائمة.
وفي البحرين مثلاً، التي لا يتجاوز عدد سكانها النصف مليون انسان، يكادون يعرفون بعضهم جميعاً لقلة العدد وصغر المساحة، تشير الإحصاءات المعلنة لعام 2009، عن تردد 858 حالة على مكاتب الإرشاد الأسري التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، بينما راجعتهم 8063 حالة بين عامي 2007-2008، كما أفادت "دار الأمان" التابعة لها عن استقبال 453 حالة عنف بين 2007-2010، أغلبها من العمالة الوافدة، بينما البحرينيات منهن تعرضن لعنف جسدي من الأزواج. وتعاملت وحدة البحث والتوفيق الأسري في وزارة العدل والشؤون الإسلامية عام 2008 مع 211 حالة وسجلت 1905 دعوى عام 2004 و3063 دعوى عام 2008. وبينت وزارة العدل البحرينية عن نسبة طلاق قدرها ثلاثون في المئة لعقود الزيجات التي تمت حتى عام 2010، بينما كشف متوسط المراجعات القانونية الواردة إلى مركز الشكاوى بالمجلس الأعلى للمرأة بين 2007-2010 عن تسجيل 289 شكوى منها 272 معنّفة في 2010، وهي 145 معنفة جسديا و94 نفسياً و14 عنفاً لفظيا،ً وعانت 14 من الإهمال وسوء المعاملة و4 تعرضن لعنف جنسي دون توضيح لماهيته. أما بيانات المؤسسات الأهلية فتمثلت في إعلان الاتحاد النسائي البحريني عن تسجيل 155 حالة عنف أسري من 2008-2010، فيما قيد مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري 554 حالة مستجدة من 1998-2010 و4834 متابعة.
لا شك في ان ممارسة العنف تخلف آثارها العميقة على الضحايا، إذ صرحت لي 36 حالة ممن استجوبتهن من المطلقات في دراسة لي، عن معاناتهن المتمثلة في قلة النوم ومرروهن بحالة اكتئاب تراوحت شدتها حتى وصلت ببعضهن لتلقي العلاج في المستشفيات. وتشعر بعضهن بكراهية للزوج بل وللرجال عامة، ويتلبسهن خوف شديد، وعدم احترام للذات وفقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، إضافة لفقدان الرغبة في خوض تجربة زواج جديدة. كما حاولت بعضهن الانتحار للتخلص من المعاناة واليأس من عدم الخلاص من هذا الكابوس. أما اللاتي مررن بحالة انفصال زواجي مؤقت فقد تعرضن أثناءها لإصابات جسدية وأمراض مزمنة (صداع نصفي، ارتفاع ضغط الدم، السكري، أمرض القلب، ألم المعدة والقولون، وفقدان الشهية، وآثار دائمة للكدمات والحروق، وأمراض جنسية تسبب فيها بعض الأزواج...)، كما أبقيت بعضهن في حالة طلاق أولي أو معلق، بسبب بطء إجراءات المحاكم الشرعية، أو "تنمر" بعض الأزواج وعنادهم للانتقام من الزوجات لتجرئهن على طلب الطلاق، أو خسارة حقوقهن عند الطلاق بالخلع.
في هذا الصدد، لا تخفي المطلقات اللاتي تحدثت إليهن، ما مررن به من صعوبات واحباطات عند التبليغ عن عنف الأزواج. فهناك مستويات متفاوتة في تجاوب الجهات المستلمة للبلاغات المتكررة، أما بسبب صعوبة إثبات الضرر أو قصور في إجراءات التبليغ أو التقاضي أو خدمات الوقاية والإيواء والمساعدات القانونية والاجتماعية المقدمة أو غيرها، سواء أكانت هذه الجهات رسمية (مستشفيات، أقسام شرطة، محاكم...) أو مؤسسات أهلية، أو حتى من أهل الزوجة أو الزوج أو الأصدقاء. كما بحثت العديد من الدراسات في أسباب ظاهرة صمت المعنفات وعدم إفصاحهن عن مشاكلهن أحياناً مع الأزواج، بدءا من اعتقادهن بأنهن يحافظن على تماسك الأسرة من التفكك وضياع الأبناء، وصولاً إلى الخوف على سمعتهن لو حدث الطلاق وتعرضن للنظرة الدونية والتشكيك من المجتمع، ما يدلل على استمرارية قوة تأثير قيود المجتمع الذكورية المدعمة بأدوات ضبط اجتماعي لدى المؤسسات الاجتماعية والإعلامية والتعليمية والدينية، أضف إليها خوف بعضهن من فقدان مصادر دخل وإعالة ثابتة، أو الشعور بالوحدة والعزلة بعد الانفصال.
النتيجة، تغلب على هذه الفئة من النساء شعورهن بالمسؤولية تجاه أسرتهن والمجتمع، في تأصيل فاقع لثقافة الصمت خشية من الفضائح واهتزاز السمعة والمكانة الاجتماعية لأسرة الزوجين، لا سيما مع شيوع وترويج ثقافة الصبر على المكتوب في مجتمعاتنا الشرقية التقليدية، وإن الزمن كفيل بتغيير سلوكيات الزوج، الذي هو في الأساس يشعر بأن الزوجة جزء من ممتلكاته الخاصة ويحق له التصرف في شؤونها. وفي هذا بالطبع تحدياً جوهرياً كبيراً يواجه هذه المجتمعات في كيفية تعاطيها ومعالجتها لهذه الظاهرة المتفاقمة والمصاحبة لحالة الفقر وانعدام الأمان السياسي والاجتماعي، يضعها في دائرة المساءلة تجاه التزاماتها الدولية، ما يستوجب استعجال سن قوانين ردع وتجريم لممارسة العنف وحماية أفراده، الذي بحسب نظرية "دوائر العنف المغلقة"، ينتقل عبر الأجيال في الأسرة التي تنتهج العنف كأسلوب لفض النزاع.