انتخب مجلس نواب الشعب التونسي يوم 30 كانون الثاني/ يناير السيد نبيل بفون رئيساً جديداً لـ"الهيئة العليا المستقلة للانتخابات". وأكد هذا الأخير ان الانتخابات التشريعية والرئاسية ستجرى في موعدها أي أواخر سنة 2019، واضعاً حداً للشكوك واحتمالات التأجيل.
في الواقع، لم تنتظر الطبقة السياسية، خاصة الأحزاب والشخصيات الموجودة في السلطة، هذا التأكيد أو حلول الآجال القانونية للحملات الانتخابية لكي تفتتح صراعاتها وحروبها. فمنذ ربيع 2018 (وحتى قبل ذلك)، بدأ غبار المعارك يعمي العيون. ولا يبدو أن الرأي العام مهتم جداً بهذه الانتخابات، ففقدان الثقة في الطبقة السياسية من جهة، وفقدان الأمل بتحسن الأمور من جهة ثانية، يجعل الكثيرين يقاطعون الشأن السياسي.
ما هي رهانات هذه الانتخابات؟ ما هي برامج الأحزاب والقوى السياسية التي لديها حظوظ في الفوز؟ أسئلة مشروعة قد تتطلب ساعات للإجابة عنها في دول أخرى، لكن في تونس الجواب بسيط جداً: لا شيء تقريباً. ومن الملفت للانتباه أن الانتخابات القادمة تدور في مناخ مشابه جداً لانتخابات 2014، بالاستقطابات والمشاحنات نفسها، وكذلك بالوجوه نفسها تقريباً. في الاثناء، تتفاقم مؤشرات خراب البلد وإحباط أهله، لكن لا يبدو أنها تًقلق الحاكمين الحاليين والقادمين في شيء، بل ربما لا يرون أنهم معنيون بها أصلاً..
شحذ السكاكين و"تسخين البارد"..
أكثر المعنيين بالانتخابات، والأوفر حظاً في الفوز، هم الموجودون في السلطة حالياً.. وهم كذلك الأكثر شراسة واستعداداً لاستعمال كل الأسلحة للبقاء في أماكنهم أو قضم جزء أكبر من السلطة. في ربيع 2018 بدأت تظهر بوادر حرب في معسكر السلطة بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. بدأ الشاهد في اقالة الوزراء والمسؤولين الكبار المحسوبين على عائلة السبسي واهمهم وزير الداخلية السابق لطفي براهم، ولم يتردد في مهاجمة إبن الرئيس في الإعلام، وعبّر عن رغبته في تعديل الحكومة على الرغم من رفض حزبه والباجي قايد السبسي للفكرة. وصل الأمر إلى حدود تجميد عضوية الشاهد في حزب "نداء تونس" وأصبحنا نعيش وضعا سوريالياً: الحزب الحاكم ورئيس الجمهورية في موقع معارضة لرئيس حكومة وهو من حزبهم. الشاهد كان يعرف جيداً ان الدعم الخارجي ضروري لتحقيق غاياته، فتوجه إلى الاتحاد الأوروبي في نيسان/ابريل 2018 ليعد المسؤولين الأوروبيين بأن التوقيع على اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق "الأليكا" (المدمِّرة للاقتصاد التونسي) سيكون قريب جداً. اما حركة النهضة التي كانت قلقة من تعاظم نفوذ يوسف الشاهد، فقد وقفت في البداية إلى جانب رئيس الجمهورية وابنه - على الأقل هذا ما كان يظهر في العلن - وأرادت أن تحد طموحات رئيس الحكومة عبر دعوته إلى الالتزام بالترشح لرئاسة الجمهورية أو الاستقالة من منصبه. تغير الموقف تدريجياً حتى أصبحت النهضة هي تقريباً السند الأكبر للشاهد وقوّت موقفه أمام معسكر السبسي، وهي ربما اعتبرتها فرصة لضرب حليف/ خصم طالما اجبرها على القيام بتنازلات واتخاذ قرارات تمس من شعبيتها و"هويتها" الأيديولوجية. ردُ رئيس الجمهورية لم يتأخر إذ أعلن في أيلول /سبتمبر 2018 نهاية التوافق مع حركة النهضة.. لتبدأ المناورات والضربات تحت الحزام بين مختلف أجنحة السلطة.
تَدْخل أحزاب وزعامات السلطة الانتخابات بدون برامج أو حلول لمشاكل التونسيين. ويبدو أن الحل الوحيد لحشد التونسيين واقناعهم بالذهاب إلى الانتخابات هو إعادة صناعة مناخ انتخابات 2014: استقطاب حاد ولكن مزيف بين المعسكر "الحداثي" المدني والمعسكر "المحافظ" الديني حول "النمط المجتمعي" و"الهوية".
هناك أخبار و"أرقام قياسية" كارثية عن نسب التضخم وتراجع المقدرة الشرائية وحجم إهدار المال العام وهجرة الكوادر والانتحار عند الشباب.. لكنها ليست مهمة ولا تركّز عليها وسائل الإعلام كثيرا، فالحداثة أو الإسلام - حسب توجهاتك - في خطر..
بعد أيام قليلة من نهاية "التوافق"، تفجرت فجأة قضية "التنظيم السري" لحركة النهضة وعلاقته بالاغتيالات السياسية، والتي قامت أساساً على وثائق موجودة عند وزارة الداخلية منذ كانون الأول /ديسمبر 2013. بدا وكأن الأمر يتعلق بملف كان معداً من قبل ومخبأ في أحد الأدراج حتى يأتي الوقت المناسب. ثم ألقت قوات الأمن القبض على برهان بسيس أحد أبرز المستشارين السياسيين والاعلاميين لعائلة السبسي اثر صدور حكم بسجنه في قضية فساد. أعتبر الأمر ضربة من الشاهد والنهضة لعائلة السبسي، رد عليها رئيس الجمهورية بإصدار عفو خاص لكي يخرج بسيس من السجن بعد بضعة أسابيع.
تحالف "الشيخين": لكلّ مقام مقال!
28-07-2016
تدْخل أحزاب وزعامات السلطة الانتخابات بدون برامج أو حلول لمشاكل التونسيين. ويبدو ان الحل الوحيد لحشد التونسيين واقناعهم بالذهاب إلى الانتخابات هو إعادة صناعة مناخ انتخابات 2014: استقطاب حاد ولكن مزيف بين المعسكر "الحداثي" المدني والمعسكر "المحافظ" الديني حول "النمط المجتمعي" و"الهوية". المتتبع للأخبار في تونس في الأسابيع الأخيرة سيلاحظ أن هناك "نَفَس" معين يطغى عليها: قضية التنظيم السري للإسلاميين، عرض مشروع قانون المساواة في الإرث على البرلمان، التفطن لوجود مدرسة قرآنية على النمط الأفغاني في محافظة سيدي بوزيد، ميثاق لتحييد المساجد في الانتخابات، شبكات تسفير الشباب الجهادي، الخ... طبعا هناك أخبار و"أرقام قياسية" كارثية عن نسب التضخم وتراجع المقدرة الشرائية وحجم إهدار المال العام وهجرة الكوادر والانتحار عند الشباب لكنها ليست مهمة ولا تركز عليها وسائل الإعلام كثيرا، فالحداثة أو الإسلام - حسب توجهاتك - في خطر..
يوسف الشاهد: يحيا "قاتل أبيه"..
من كان يتوقع أن يصبح المستشار الزراعي الصغير السابق في السفارة الأمريكية بتونس مرشحاً وافر الحظ لرئاسة تونس؟ أراد الباجي قايد السبسي، رئيس الجمهورية، "الانقلاب" على الدستور الذي يعطي الصلاحيات الأكبر للبرلمان ورئيس الحكومة، فأتى بشاب تربطه به صلة قرابة عائلية وسياسية، وعيّنه كوكيل يمسك له الحكومة ويأتمر بأمره. لكن يبدو أن المناصب تصنع الأعاجيب، فبعد أقل من سنة من توليه رئاسة الحكومة (آب /اغسطس 2016) بدأت تظهر بوادر طموحات "الابن" السياسي لرئيس الجمهورية. أغلب الظن أن هناك أطراف داخلية وخارجية غذت طموحات هذا "الشاب" الذي يبدو خياراً جيداً للمستقبل: مستقبل البرجوازية التونسية ورعاتها الدوليين. وكان من الطبيعي أن تُقلق هذه الطموحات رئيس الجمهورية وعائلته وأعضاده في الحزب وأن يتحول الأمر تدريجياً إلى صراع مع هذا الابن السياسي "الضال". فبدأت مساعي رئيس الجمهورية وحزبه لإقالة الشاهد وإبعاده من المشهد، لكنها تأخرت كثيراً، ويبدو أن "حركة النهضة" دخلت على الخط ووعدت الشاهد بالدعم، وهذا ما حصل فعلاً. فلقد اقترح تعديلاً وزارياً موسعاً جداً، وذهب للبرلمان ونجح في الحصول على مصادقة الأغلبية، مما إعتبر إنتصاراً كبيراً له وهزيمة مُرّة لمعسكر رئيس الجمهورية.
يوسف الشاهد لا يكتفي بقتل الأب، بل يسعى أيضاً لقتل "أمه"، أي حركة "نداء تونس". فمنذ أواخر 2018 كثر الحديث عن نية الشاهد في تأسيس حزب جديد يكون المصعد الذي سيوصله إلى رئاسة الجمهورية في 2019. تحولت التخمينات إلى واقع في أواخر كانون الثاني / يناير 2019، اثر إعلان مولد حزب "تحيا تونس"، الذي ولئن لم يحضر الشاهد إجتماعه الأول، فالجميع يعرف من هو الزعيم. قيادات الحزب الجديد كلها كانت في نداء تونس، وأغلبها كانت إلى وقت قريب من أنصار الرئيس وأبنه، لكن يبدو انها فهمت تغير إتجاه الريح. حتى الداعمين الماليين الكبار لنداء تونس بدأوا يراهنون على الحصان الجديد: حضر الاجتماع رجال أعمال كبار من أهم المدن التونسية وأكثرها ثقلاً اقتصادياً وكثافة سكانية: العاصمة ومدينتي سوسة وصفاقس.
المنصف المرزوقي: حلم العودة
لم يخف يوما "الدكتور"، كما يناديه أنصاره، رغبته في رئاسة البلاد، وكان قد عبّر عن ذلك بعد دقائق من عودته من منفاه الباريسي اثر سقوط بن علي. قايض حركة النهضة الفائزة في انتخابات 2011: التحالف معها في المجلس التأسيسي لإعطائها الأغلبية مقابل منحه كرسي رئاسة الجمهورية. يحلم الدكتور بالعودة إلى قصر قرطاج، وهو مرشح معلَن لرئاسيات 2019 منذ هزيمته في الدور الثاني لرئاسيات 2014. وهو يعلم جيداً ان أصوات مناصريه ومناصري حزبه "حراك تونس الإرادة" ليست كافية للحصول على تذكرة العودة إلى القصر، لذا سيحاول التعويل على الناخبين غير المتحزبين، واستمالة قواعد أحزاب وتيارات أخرى. هذه الاستراتيجية توضحت في الاجتماع الذي نظمه في محافظة صفاقس في 27 كانون الثاني/ يناير 2011 وهو اليوم نفسه الذي تمّ فيه إجتماع حزب يوسف الشاهد "تحيا تونس".
يقدم المرزوقي نفسه كمرشح "الثورة" آملاً في استقطاب جمهور المحبَطين خاصة من الشباب، ويحاول استقطاب قواعد إسلامية غاضبة من تحالفات النهضة وتسترها على "الأزلام"، لكنه في الوقت نفسه يغمز لقيادات حركة النهضة داعياً إياهاً للتحالف معه ضد "الثورة المضادة" و"الفساد"، وهو لا يريد ان يُغضب رجال الأعمال والممولين المحتملين، لذا يقسم الشعب إلى أربع طبقات: فقراء ومتوسطي الحال وأثرياء فاسدين وأثرياء شرفاء كوّنوا ثرواتهم بجهدهم. الرجل يحاول أيضاً حشد المحافظات الجنوبية للبلاد، وعلى رأسها صفاقس، عبر التعبير عن رفضه للتمييز الذي "تتعرض" له مقارنة بمناطق أخرى. من المبكر الحديث عن حظوظ "الدكتور"، لكن المؤكد أن أعدائه وخصومه أكثر بكثير من أنصاره، كما إن السنوات الثلاث التي تقلد فيها منصب رئيس الجمهورية لم تترك ذكريات جميلة لدى عموم التونسيين، فلقد تميزت بانبطاحه أمام حركة النهضة، وتساهله مع التيارات المتشددة، وانسياقه التام وراء المحور القطري - التركي. يضاف إلى كل هذا أن الرجل ضعيف إتصالياً ولا يتمتع بكثير من الكاريزما.
الباجي قايد السبسي: مائة عام من السلطة.. وأكثر؟
بدأ رئيس الجمهورية الحالي مشواره السياسي منذ خمسينات القرن الماضي وخدم الديكتاتورية بإخلاص شديد لمدة أربعة عقود تولى خلالها عدة مناصب لعل أهمها وزارتي الداخلية والخارجية، حتى تقاعد في بداية التسعينات من القرن الماضي. من سخرية الأقدار أن "الثورة" هي التي مكنت رجل بمثل هذا التاريخ من العودة إلى الحياة السياسية بل وفرشت أمامه السجاد الأحمر للوصول إلى مناصب لم يحلم بها يوماً: رئاسة الوزراء ومن بعدها رئاسة الجمهورية. إستفاد الرجل كثيراً من فشل الترويكا وتشتت اليسار وخوف المواطن العادي من الإرهاب والانهيار الاقتصادي، فقدم نفسه (بدعم كبير من البرجوازية التونسية والدول الغربية وبعض الدول الخليجية) كزعيم منقذ يسير على خطى الحبيب بورقيبة ليصحح الأوضاع. تجاوز سن الرئيس 92 عاماً، وبلغ أعلى المناصب في الدولة، وله ثروة طائلة.
من سخرية الأقدار أن "الثورة" هي التي مكنت الباجي قايد السبسي - وهو الذي خدم الدكتاتورية باخلاص طوال أربعة عقود - من العودة إلى الحياة السياسية بل وفرشت أمامه السجاد الأحمر للوصول إلى مناصب لم يحلم بها يوماً: رئاسة الوزراء ومن بعدها رئاسة الجمهورية.
يَفترض المنطق أن يعود السبسي إلى بيته ويرتاح، لكن هذا ليس من شيم الحكام العرب. فالرجل يريد تثبيت أقدام إبنه وعائلته في السلطة حتى بعد رحيله. وهو أصلاً لا يفكر في الرحيل، فمنذ أشهر بدأ مقربون منه "يناشدونه" أن يترشح في انتخابات 2019، مما اضطره للتفكير في الأمر، خاصة "إذا ما اقتضت مصلحة البلاد ذلك". لكن السبسي لا يحظى هذه المرة بالإجماع الذي حاز عليه في 2014، فالكثير من ناخبيه غاضبون منه لتحالفه مع حركة النهضة، وآخرون منزعجون من تغليبه مصلحة ابنه على مصلحة الحزب. السن والحالة الصحية هي أيضاً عوامل ليست في مصلحة الرئيس الحالي، هذا دون ان ننسى أنه في هذه المرة هناك منافس قوي من العائلة السياسية نفسها: يوسف الشاهد.
حركة النهضة: ملكة وصانعة ملوك..
تبدو النهضة اليوم في وضع مريح جداً خاصة مقارنة بسنة 2014، فهي الحزب الأكثر شعبية وتماسكاً وتأكد ذلك في الانتخابات البلدية 2018. إذا ما دخلت كل الأحزاب إلى الانتخابات التشريعية بقائمات حزبية صرفة، فمن الصعب ان ينتزع أحدها المرتبة الأولى من النهضة. أما بخصوص رئاسة الجمهورية، فلقد راجت أنباء عن نية زعيم الحركة راشد الغنوشي الترشح للمنصب الذي طالما تخلى عنه الإسلاميون لمقربين أو لخصوم، لكن لا يمكن الجزم بما إذا كان الأمر يتعلق بقرار فعلي أم هو بالون اختبار.. أو مجرد خلط أوراق.
أغلب الظن ان الحركة لن "تتهور" وترشح أحد أبنائها، وخاصة زعيمها، فهي تعلم جيداً ان فوزها في التشريعيات والرئاسيات سيجيّش كل الطبقة السياسية والمجتمع المدني والإعلام ضدها، وستعود بذلك إلى السنوات الصعبة (2012-2013). مجرد ترشيح الغنوشي قد يضمن فوز المنافس، فالزعيم الإسلامي ما زال اسمه مرتبط في أذهان الكثير من التونسيين بالعنف والإرهاب والسعي إلى أسلمة المجتمع بالقوة، خاصة في ثمانينات القرن الماضي. ربما ستتكتم النهضة على قرارها لآخر لحظة حتى تقيّم كل الحسابات وتقدر مكاسبها في حالة إذا ما رشحت أحد أبنائها للرئاسة أو في حالة دعم مرشح من خارج الحركة، سواء أكان مستقلا أو من حزب منافس. وفي هذه الحالة الثانية، ستلعب دور "بيضة القبّان" وتصنع ملكاً على مقاسها أو على الأقل لا يمثل خطراً عليها.
لكن أين المعارضة من كل هذا؟
نظرياً هناك عشرات الأحزاب المعارِضة في تونس، لكن فعلياً هناك قوتين معارضتين لها حضور نسبي في المشهد السياسي: "ائتلاف الجبهة الشعبية" (يساري - عروبي) و"حزب التيار الديمقراطي" (ليبرالي إجتماعي تأسس سنة 2013). هاتين القوتين أقليتان في البرلمان وليست لديها القدرة على تمرير أو منع تمرير قانون بحكم سيطرة النهضة وشقوق نداء تونس على المجلس. فشلت المعارضة التونسية في أن تكون حتى قوة إحتجاج وأن تعيد للشارع نبضه، فما بالك بأن تكون قوة مبادرة وصنع قرار. وعلى الرغم من تنامي شعبية "التيار الديمقراطي" فإنه من الصعب ان يُحدث مفاجئة كبيرة في التشريعيات القادمة، فليس لديه - لحد الآن - الدعم المالي والإعلامي (وحتى السياسي الخارجي) الذي يمكّنه من أن ينافس جدياً أحزاب السلطة. وتبدو حظوظه في إيصال أحد قيادييه لرئاسة الجمهورية شبه معدومة. وضعية "الجبهة الشعبية" غريبة حقاً، ففي حين يعاني أغلب الشعب التونسي من السياسات النيوليبرالية للدولة وتتوالى الاحتجاجات والحركات الاجتماعية في كامل ارجاء البلاد، فالجبهة الشعبية تبدو وكأن لها أولويات أخرى: التصدي للإسلاميين، وأساساً حركة النهضة. ولن يكون من المستبعد أن تعاود قيادات "الجبهة الشعبية" لعب الدور نفسه الذي لعبوه - بوعي أو من دونه - في انتخابات 2014، عندما كانوا أحد أهم الجسور التي سهلت عبور الباجي قايد السبسي وحزبه إلى الرئاسات الثلاث. إذا ما دخلت أحزاب المعارضة الانتخابات بدون تحالفات ثنائية أو جبهات موسعة فيجب ان تستعد - والبلاد معهم - لخمسٍ عجاف أخرى قد تكون مصيرية في تاريخ البلاد.
مع كل انتخابات جديدة يتناقص عدد التونسيين الذين يقررون الذهاب إلى مراكز الإقتراع. وهناك شعور عام يسود البلاد بعبثية إنتخابات رهانها الأول والوحيد إستبدال حكام فاشلين بالحكام أنفسهم أو بحكام يشبهونهم.
بالإضافة إلى القوى السياسية، فهناك قوى أخرى سيكون لها دور مؤثر في صناعة مناخ الانتخابات، وحتى نتائجها. نتحدث هنا عن البرجوازية الكبيرة، ووسائل الإعلام الأكثر شعبية، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني. الكثير من كبار رجال الأعمال أظهروا دعمهم للشاهد وحزبه الجديد لكن لا يمكن الجزم بأن البقية ستفعل الشيء نفسه، فهناك اعتبارات أيديولوجية وارتباطات بمحاور إقليمية ودولية. كما ان البرجوازية لا تضع عادة كل البيض في سلة واحدة. اما إتحاد الشغل الذي يعيش حالياً ما يشبه المواجهة مع حكومة الشاهد - النهضة، فبات يلوح بالتدخل المباشر في الانتخابات سواء بترشيح قوائم او الدعوة لدعم قوائم بعينها. مواجهة ظاهرها المفاوضات الاجتماعية والتصدي لسياسة خصخصة المرفق العمومي وباطنها سعي القيادة النقابية للحفاظ على دورها كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزه من طرف السلطة أو إعادته الى خانة العمل النقابي الصرف. بالنسبة لوسائل الإعلام الكبرى، فلا أحد يتوهم حيادها أو انتصارها للمهنية والمواطنة، فأغلبها مملوكة لرجال أعمال ويديرها اعلاميون عادة ما يُحسبون ضمن المعسكر "الحداثي".
الخوف كمحرك للتاريخ والسياسة في تونس
24-06-2017
مع كل انتخابات جديدة يتناقص عدد التونسيين الذين يقررون الذهاب إلى مراكز الإقتراع، وهناك شعور عام يسود البلاد بعبثية انتخابات رهانها الأول والوحيد إستبدال حكام فاشلين بالحكام أنفسهم أو بحكام يشبهونهم. قبرت حكومات "الترويكا" (2011-2014) و"توافق الشيخين" (2015-2018) المطالب الاجتماعية - الاقتصادية لانتفاضة "جانفي 2011"، بل وعمقت أزمة البلاد والفروقات الطبقية وسرعت بشكل كبير مسار تهرئة القطاع العمومي وتصفية ما تبقى من سيادة وطنية. ماذا تبقى اذاً: بعض من حرية التعبير وديمقراطية "إجرائية" تتلخص في تنظيم انتخابات كل 5 سنوات يشيد العالم بنزاهتها وشفافيتها.