دونما تلويحة وداع ولا أثر لخطواتهم الأخيرة في رمال البلد المتحركة والغاصة بالألغام والإحداثيات وابلموت المتربص تحت القدمين.
بين سيف الشمال ورمح الجنوب، يعيش اليمنيون مواطنين بلا وطن، وأي حديث هنا عن السيادة هو من مجازات اللغة ومبالغات الشعراء الرومانسيين. فأي يمن تبقى لليمنيين، وأية دولة؟ لعنة طرد الدخيل بدخيل ما زالت تلاحق اليمنيين منذ سيف بن ذي يزن، الذي عاد من إيوان كسرى بجحفل من السجناء القتلة والمجرمين لتحرير اليمن من الأحبوش. فاحتل الفرس اليمن من باب المندب إلى باب اليمن في صنعاء، وظهر الفساد في البر والبحر.
يكرر التاريخ نفسه في اليمن مئات المرات، ومئات المرات ينسى اليمنيون الدرس. تلدغهم في الجحر كوبرا التدخلات ألف مرة فينسون أن اليمني الذي ينسى - أيضاً- يموت.
ثم ها هي الإمارات، خنفساء الخليج، تعبث باليمن وتطعن اليمنيين من ظهورهم، والآن من أمامهم وأيَمانهم ومن فوقهم وتحتهم، بعلم وتفويض سعودي. وما زلنا مضرب المثل في كرم الضيافة وقد أكل الضيف البلد وتجشأ دماء أبنائه في جوالين سرعان ما تحولت إلى طلاء يرسم وروداً حمراء وشقائق النعمان على جدران مدارسنا الفقيرة.
الإمارات في اليمن والأدوار المثيرة للجدل
25-05-2016
لكن ماذا عن المعتقلات الإماراتية في اليمن، سجونها السرية وبئر أحمد، أنات الأمهات ومرارات الفقدان والمصير المجهول لمئات المعتقلين بلا تهم، سوى أنهم يمنيون. هم نخبة اليمن، ونشطاء حياتها المدنية في مجالات الثقافة والوعي والتكافل والرقي، وهم خلاصة أناقتها وألقها الحضاري. فاليمن بلد عريق كسهيله اليماني في السماء، اختلف المؤرخون في لحظة وجوده، لكنهم اتفقوا على أنه ولد قبل التاريخ أو أن التاريخ ولد بعده، وذاك ما يغيظ دول النمل.
الإمارات تحكم الجنوب، تقتل وتعتقل كل من تتوجس فيه أن يقول "لا" قبل أن يقولها، يتكرر المشهد بين أمهات مختطفين ومخفيين قسراً، يرفعون صور أبنائهم في صنعاء وعدن على حد سواء. المأساة اليمنية هي أيقونة الوحدة وهوية البلد، لا شمال ولا جنوب بين صورة معتقل في عدن وبين صرخة مختطَف في صنعاء، اليمنيون واحد بحكم الجرح لكن جرح الإمارات في القلب اليمني أدمى وأنكى.
أهي سخرية الأقدار، أم لعنة الأبد، بلدٌ من يدِ طاغٍ إلى قدم أطغى.
تقول الإمارات على لسان قرقاشها، وبعد الترجمة من اللهجة القرقاشية إلى اللغة العربية: لا وجود لسجون إماراتية ومعتقلين في اليمن، وإن وقفات أمهات المخفيين قسراً في عدن حملات تشويه شعواء تستهدف طهر الإمارات الأنقى من ماء السحاب. وتقول الحقيقة الثابتة إن الخبر عن معتقلات إماراتية في اليمن يظل مجرد إشاعة ما لم ينفه قرقاش،وقد نفاه ألف مرة، قبل الأكل وبعده.
ما يهم في تصريحات قرقاش هو معرفة السيكولوجية العامة لبلد طارئ بلا تاريخ، وُجد بغتة على قارعة الجغرافيا العربية، ينام على كنز من الذهب الأسود الذي يتم تكريره في المصفاة السياسية الدولية إلى قدرات خارقة في إيذاء الدول العربية والاسلامية التي تبيت على الطوى الكريم.
الإمارات تحكم الجنوب، تقتل وتعتقل كل من تتوجس فيه أن يقول "لا" قبل أن يقولها. يتكرر المشهد بين أمهات مختطفين ومخفيين قسراً، يرفعون صور أبنائهم في صنعاء وعدن على حد سواء. المأساة اليمنية هي أيقونة الوحدة وهوية البلد، لا شمال ولا جنوب بين صورة معتقل في عدن وبين صرخة مختطَف في صنعاء، اليمنيون واحد بحكم الجرح.
في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، لم نسمع عن غرباء، حتى من إيران نفسها، يقومون بتعذيب المعتقلين في السجون. يحصل معتقلو الحوثيين على قدر زهيد من تقدير الكرامة اليمنية الخاصة، وذلك ما يفتقده المعتقلون تماماً في بئر أحمد والسجون الإماراتية السرية في جنوب اليمن، وبالذات في عدن التي يقال عنها العاصمة المؤقتة لليمن وثغره الباسم الذي تنفس عبق التحرير من ميليشيا الحوثي قبل سنوات.
ففي سجون الإمارات لا كرامة ليمني خلف الجدران الأسمنتية، يدوس على كرامتك كائن كولومبي، يقتلك مجرم مأجور من شركات الموت العابر للقارات، يتقاضى على دمك آلاف الدولارات وترقية عسكرية.
ماذا تريد الإمارات من اليمن. يبدو أن هذه الدويلة تنفذ في اليمن مشروعاً يتجاوز مفاهيم الإحتلال والإنتداب والوصاية والكراهية الإماراتية العدائية للإخوان المسلمين وحزب الإصلاح في اليمن. هذه الكراهية الشماعة التي بلغت مئات القتلى من خطباء المساجد وناشطي المجتمع اليمني بمسدسات كاتمة الصوت.
الذين حالفتهم الحياة وخرجوا من غيابت الجب الإماراتي في اليمن رووا قصصاً مفزعة عن تعذيب يتجاوز حدود الإحتمال والخيال الهوليودي في أفلام الرعب والجريمة، خوازيق اخترقت الأجساد وخصى معلقة إلى السقوف. حتى الشيطان نفسه عليه الالتحاق بأية أكاديمية عسكرية في أبوظبي ليتعلم ما تيسر من القدرات الخارقة في الإيذاء الجسدي والجنسي.
ماذا تريد الإمارات من خصيتي يمني معتقل، وهي التي استباحت المدن والجزر والقرار والأجواء بطائرات مسيّرة، إيرانية الصنع، إماراتية الدفع والتوجيه، وطائرات عملاقة في سرب "عاصفة الحزم" أنجزت عدداً قياسياً من الضربات الخاطئة عمداً.