كان إعلان الحكومة المصرية عزمها على إنشاء صندوق سيادي، رغم عدم امتلاكها لفوائض تستثمرها فيه، آخر حلقة في سلسلة إجراءات تحاول الدولة من خلالها تجاوز هياكل إدارية قائمة في سبيل تحقيق عدة أهداف اقتصادية وسياسية تعكس رؤية جديدة لأساليب الحكم في مصر، تحت ضغوط فرضتها التغيّرات السياسية في سنوات ما بعد ثورة 25 يناير.
تختلف الصناديق السيادية عن غيرها من الصناديق الاستثمارية بقيمتها الكبيرة، كما أنه لا يبحث بالضرورة عن تحقيق أكبر عائد مادي. يُستخدم الصندوق لتحقيق أهداف سياسية إلى جانب الأهداف الاقتصادية، كالاستثمار في مشاريع اقتصادية ذات أهمية استراتيجية في دول أخرى لبسط النفوذ خارجيًا.
السمة اﻷساسية بين كل الدول التي تملك صناديق سيادية كبيرة هو أنها تحقق فوائض كبيرة. تأتي هذه الفوائض من موارد طبيعية أو أي موارد أخرى. أكبر صندوق سيادي في العالم تمتلكه النرويج بأصول تتجاوز قيمتها تريليون دولار، ومصدرها بشكل أساسي هو البترول. ويأتي الصندوق الصيني في المرتبة الثانية، لكنه يعتمد على فوائض غير سلعية.
لكن مصر لا تحقق فائضًا. على العكس، تعاني مصر عجزًا كبيرًا في الموازنة (9.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2017/18)، وقدرًا كبيرًا من الديون وصل في منتصف 2018 إلى 37% من الناتج المحلي الإجمالي (92 مليار دولار).
قدر وكيل لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان، النائب مدحت الشريف، أن تصل قيمة أصول الصندوق إلى تريليون جنيه مصري (50 مليار دولار) بعد الانتهاء من الاستحواذ عليها. يعني هذا أقل من 5% من حجم الصندوق النرويجي. لهذا يرى بعض المختصين أن هذا ليس صندوقًا سياديًا بالمعنى التقليدي وإنما جهة إدارية جديدة. بحسب وزيرة التخطيط هالة السعيد، فإن الغرض من الصندوق هو إدارة واستغلال أصول الدولة، واجتذاب استثمارات أجنبية.
تكرر نمط إنشاء جهات «إدارية» جديدة ﻹتمام مهام يفترض أن تقوم بها جهات أخرى داخل الجهاز اﻹداري للدولة كثيرًا خلال سنوات حكم السيسي، والذي وصف الجهاز الإداري للدولة بأنه «عقبة في طريق تقدم مصر» خلال خطاب له في 2015. هذا النمط يتضح عند مراجعة عدد من القوانين والتوجهات التنفيذية، ويأتي في محاولة لتجاوز عجز الجهاز البيروقراطي وعدم قدرته على تنفيذ سياسات وتوجهات الحكومة.
يشير مختصون إلى أن التوجه للاستعانة بجيوب إدارية أكثر كفاءة تعمل بعيدًا عن تعقيدات الجهاز البيروقراطي العاجز هو توجه قديم تعددت صوره. لكن هذا التوجه يأتي هذه المرة في ظل تحول كبير أجراه -ويستمر في إجرائه- النظام السياسي الحالي في بنى وهياكل السلطة في الدولة، يتمثّل في بناء جهاز إداري موازٍ يتمكن من تحقيق نمو اقتصادي يتجاوز أزمات البيروقراطية، ما يشكل رهانًا كبيرًا يخاطر به نظام يقوم بمثل هذا التحول الكبير.
النص الكامل على موقع "مدى مصر"