إن شرعية أية سلطة حاكمة ترتبط بشكل مباشر وبغض النظر عن الطريقة التي وصلت بها لموقع المسؤولية، بمستوى الخدمات العامة التي تكفلها وتوفرها هذه السلطة لمواطني الدولة، وقدرتها على ترسيخ الاستقرار وتعزيز الأمن وفرض سيادة القانون في البلد، وقد أدى الصراع المستمر في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى تراجع مستويات الخدمات العامة والاستقرار والأمن وفرض سيادة القانون بشكل كبير، وهذا يضع شرعية السلطة القائمة في مأزق حقيقي، فتراجع مستويات الخدمات العامة والأمن والاستقرار، المفترض أن تكون مسؤولية السلطة وفقا للعقد الاجتماعي بينها وبين الشعب صاحب المصلحة، يؤدي إلى تراجعها أيضا.
منذ نشأتها عام 1962 وحتى توحدها مع دولة اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) وإعلان الدولة اليمنية الموحدة (الجمهورية اليمنية) في مايو1990، شهدت الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي) عدداً من الانقلابات والحروب الأهلية المتكررة، وفي جنوب اليمن مارست سلطات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حكما استبداديا من عام 1967 حتى اندلاع حربها الأهلية (يناير 1986) التي مثلت ذروة صراعات أجنحة السلطة والحزب (الاشتراكي) فيها.
بعد توحيد الشمال والجنوب في دولة واحدة عام 1990، ازداد التوتر بين قيادات الدولتين السابقتين حول كيفية تقسيم السلطة والموارد، مما أدى إلى نشوب حرب صيف 1994. تلى انتصار علي عبد الله صالح الحاسم في تلك الحرب سنوات من تجميعه/استحواذه على السلطة والقرار، وفي نهاية المطاف انتهاك أحكام الدستور اليمني. وبدأت المعارضة السياسية في عام 2000 تثير الأسئلة بشكل متزايد حول شرعية حكم صالح، وبلغت ذروة تلك التساؤلات في انتفاضة عام 2011، فالصراع على السلطة السياسية لا يمثل تطوراً جديداً في اليمن، بل هو صراع مستمر تتفاوت حدته وتختلف أساليبه بين مرحلة وأخرى.
في أعقاب انتفاضة 2011، حاولت مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي ترعاها السعودية بدرجة أساسية دعم شرعية السلطة اليمنية الناتجة عنها، التي بموجبها صعد الرئيس عبد ربه منصور هادي للرئاسة خلفا لصالح، وتم الاعتراف الرسمي به من قبل المجتمع الدولي، ضمن إجراءات أخرى تضمنتها المرحلة الانتقالية المحددة في المبادرة، إلا أن العملية الانتقالية تراجعت، وتغيرت مساراتها بسيطرة قوات الحوثيين على صنعاء في سبتمبر عام 2014، وما نتج عنها من تطورات وتداعيات لا زالت مستمرة.
الآن، وبعد عدة سنوات من الصراع، خسرت حكومة هادي معظم الدعم السياسي الذي كانت تتمتع به في السابق. إلا أن بعض القادة السياسيين ما زالوا حلفاء لهادي شكليا للاستفادة من شرعية لا تزال تعلق على حكومته المعترف بها دولياً. ومع ذلك، ففي المناطق التي تدعي الحكومة المعترف بها دولياً السيطرة عليها، غالباً ما يتجاهل الزعماء المحليون سياساتها أو يتحدونها علانية. حيث لا تستطيع حكومة هادي ولا سلطة الأمر الواقع للحوثيين في صنعاء تقديم الخدمات الأساسية للشعب اليمني. أما في جنوب اليمن، فقد اكتسبت حركة الانفصال قوة مدعومة جزئياً من دولة الإمارات العربية المتحدة. ومع استمرار الصراع، تزداد أزمة شرعية السلطة في اليمن.
في حين لا يزال التساؤل حول وجود/عدم وجود موارد أو إرادة سياسية لمعالجة أزمة شرعية السلطة في اليمن قائما، فإن هناك العديد من السبل التي يمكن لأصحاب المصلحة الرئيسيين اتباعها لتحقيق هذه الغاية (تعزيز شرعية السلطة اليمنية المعترف بها)، يمكن تلخيصها في التوصيات التالية:
- مع استمرار النزاع، يجب على الحكومة اليمنية:اتخاذ خطوات لحماية ما تبقى من مؤسسات الدولة، والبدء في العمل على احتكار القوة من خلال دمج جميع الوحدات العسكرية والأمنية تحت قيادة موحدة؛ وتمويل الخدمات الأساسية من خلال استئناف استخراج النفط؛ والعمل بشكل وثيق مع السلطات المحلية لمعالجة نقاط الضعف المؤسساتية على المستويين المركزي والمحلي؛ وإعادة الطاقم الحكومي المقيم في الخارج للعمل من داخل البلاد.
- يجب على الحكومة اليمنية خلال العملية الانتقالية في مرحلة ما بعد الصراع الجاري:البدء بإصلاحات عبر مؤسسات الدولة لتعزيز المشاركة الواسعة والشفافية والمساءلة؛ وضمان أن تكون العملية الانتقالية في مرحلة ما بعد إقرار السلام مصممة لتكون شاملة ومعبرة عن الهياكل الاجتماعية والسياسية للبلد؛ والتأكيد على نهج “من الأسفل إلى الأعلى” في تصميم العملية الانتخابية والسياسية؛ وإدراك أن مركزية السلطة السابقة لم تعد قابلة للتطبيق؛ إضافة إلى الاعتراف بالحاجة إلى العدالة الانتقالية لمعالجة المظالم من النزاعات السابقة وسوء المعاملة.
- يجب على أعضاء التحالف العسكري بقيادة السعودية أن:يغيروا عقليتهم التعامل مع اليمن كأمة بحد ذاتها بدلاً من اعتبارها ميدانا لمتابعة أجنداتهم الجيوسياسية والإقليمية. وهذا يستدعي الامتناع عن دعم الجماعات المسلحة الوكيلة غير التابعة للدولة اليمنية؛ وتبني آليات تعاونية وفعالة أكثر شفافية لتوفير الدعم الإنساني في اليمن؛ في حالة حدوث عملية انتقالية في مرحلة ما بعد الصراع، إضافة للامتناع عن التدخل في كيفية اختيار اليمنيين لطريقة إعادة بناء هياكلهم الاجتماعية والسياسية.
- يجب على المجتمع الدولي:التأكيد على أن سيادة واستقلال الدولة اليمنية قضية أساسية في تصميم العمليات السياسية المستقبلية والحكومة الانتقالية. من خلال إدراك أن لليمن هيكل اجتماعي وسياسي معقد، وأن فهمه هو الخطوة الأولى نحو المساعدة في تشكيل عمليات السلام والعمليات السياسية المقبلة؛ والمساعدة في تأسيس عملية انتقالية شاملة تشارك فيها جهات خارج إطار الأحزاب السياسية التقليدية.
النص الكامل على موقع مركز صنعاء