افتَتَحَ نفتالي بنِت Naftali Bennett، وزير التعليم الإسرائيلي، إحدى تصريحاته عام 2016 بالقول: “يجب تقديم المساعدة والدعم لكل من يُعلّم المنهاج الإسرائيلي، أريدُ المساعدةَ في عملية الأسرلة”.
كان ذلك تعليقاً على تقرير صحافيّ بثّته القناة الإسرائيلية العاشرة حينها، حول أزمة ماليّة كانت تعيشها إحدى مدارس القدس الخاصّة، التي تتبنّى المنهاج الإسرائيلي. “مدرسة فلسطينية في القدس تُدرِّسُ “منهاجنا”، كيف يمكن أن نتركها عرضةً للإغلاق؟”، بهذا المنطق أمر بِنِت بتسهيل الإجراءات البيروقراطية في وزارته لمساعدتها ماليّاً وضمان استمرارها.
يستعرضُ هذا التقرير، باختصار، أهمّ التطوّرات التي مرّت بها معركةُ أسرلة التعليم في القدس، بمظهرها الأبرز: فرض وإدخال المنهاج الإسرائيلي في مدارس القدس، وبالذات تلك المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية (ما يُعرف محليّاً بوزارة المعارف).
بعد الـ67
بدأ الصراع على المنهاج التعليميّ الذي يدرسه الطلبة الفلسطينيون في القدس منذ الأيام الأولى لاستكمال احتلال المدينة في يونيو/ حزيران 1967. حينها فَرَضَتْ سلطاتُ الاحتلال منهاجها الإسرائيلي على المدارس التي انتقلتْ من الإشراف الأردنيّ إلى إشرافها، لكنها فعليّاً فشلت في تحويل ذلك إلى أمرٍ واقعٍ، مما اضطرها مع بدء العام الدراسيّ 1974/1975 إلى التراجع عن ذلك والعودة إلى المنهاج الأردنيّ.
خَاضَتْ تلك المعركةَ، حينها، مجموعةٌ نشطةٌ من المعلّمين والتربويّين والسياسيّين، عُرِفوا لدى البعض باسم “لجنة المعلّمين السّريّة”. ركّز هؤلاء على استراتيجية “خلق البديل”، فبينما فرض الاحتلال منهاجَه على المدارس “الحكومية”، أي تلك التي انتقلت من الأردن إلى إشرافه، دعا هؤلاء إلى مقاطعتها، وفتحوا -أحيانا في بيوت الناس- مدارس مستقلّة بديلة، عُرِفت بمدارس “حسني الأشهب“1، تستبقي المنهاج الأردني الذي كان سائداً قبل الـ67.
في تلك الفترة، ضمّت “المدرسة الرشيديّة“، إحدى المدارس التي انتقلت إلى سلطة الاحتلال، حيث فُرِض المنهاج الإسرائيلي، 11 طالباً فقط في كلّ صفوفها الثانوية. في المقابل، كانت المدارس البديلة مُكتظةً بطلبةٍ مُقاطعين، يبحثون عن أية مساحة فراغ ليجلسوا فيها، وصل عددهم -حسب إحدى الشهادات- حدّ الـ 50 طالباً في الصّف الواحد.
في ظلّ المقاطعة الحاسمة، تراجعت سلطاتُ الاحتلال عن فرض المنهاج الإسرائيلي في بداية السبعينيات. وبهذا، نجح المقدسيون في معركتهم الأولى ضدّ المنهاج الإسرائيلي، ووحّدَ المنهاجُ الأردني المدارسَ بجميع أنواعها، وباختلاف جهات الإشراف عليها.
لكن سلطات الاحتلال لم تطوِ هذا الملف، وأبقتْ عينها على مدار السنوات اللاحقة على كُتب الطلبة المقدسيين، وبدأت جولةً جديدةً في هذه المعركة بداية الألفية الجارية تحت عنوان “الرقابة على المنهاج الفلسطيني”.
المنهاج المحرّف!
بقي الطلبة المقدسيون يدرسون المنهاج الأردنيّ حتى أَتَمَّتْ السلطةُ الوطنية الفلسطينية إعدادَ المنهاج الفلسطيني الأوّل بعد “اتفاقية أوسلو”. كان هذا المنهاج محكوماً حسب الاتفاقية بتبني مبدأ “التعليم من أجل السّلام ووقف التحريض“. وقد بدأ تطبيق كتب المنهاج الفلسطيني في المدارس، بما فيما مدارس القدس (يشمل مدارس بلدية الاحتلال)، تدريجياً من الصف الأول في العام الدراسي 2001/2000، حتى اكتمل تطبيقه للصف الثاني عشر الثانوي (التوجيهي) في العام الدراسي 2005/2004.
منذ العام 2010 تقريباً، دأبت سلطات الاحتلال على الإشارة إلى تقارير ودراساتٍ عالميّة ومحليّة، عمّا تُسمّيه “التحريض ومعاداة السامية في كتب المنهاج الفلسطيني”. ولأجل ذلك عُقِدَتْ في الكنيست الإسرائيلي عدّة جلسات ضمن “لجنة التربية والثقافة والرياضة” لمناقشة فحوى هذا المنهاج الفلسطيني. وكان أعضاء اللجنة يتساءلون: “كيف نسمح بتدريس هذا المنهاج في مدارس تتبع لنا ونصرف عليها من جيبنا؟”.
بالتوازي مع ذلك، استأنست “مديرية التعليم العربي” في بلدية الاحتلال في القدس، بأبحاث مركز دراسات إسرائيلي مختصّ في دراسة المناهج التعليمية في المنطقة، وأكّدت في تقاريرها على أن كتب المنهاج الفلسطيني التي توّزع في المدارس تحت إشرافها، تستدعي الرقابة وحذف بعض مضامينها.
لجأت المديرية إلى خدمات شركة إسرائيلية خاصّة، وأَوْلتها مهمّةَ الرقابة على كتب المنهاج الفلسطينيّ، ومن ثمّ حذف كل ما يُعتبر “تحريضاً” على الاحتلال واليهود، أو دالّاً على الهوية الفلسطينية السياسية، ومن ثمّ طباعة الكتب من جديد في نسخةٍ مُحرَّفَةٍ مُعدَّلةٍ، وتوزيعها على المدارس التابعة لها.
كان من بين المحتوى المحذوف في صيغة المناهج المعدّلة (المُحرّفَة): صورٌ للعلم الفلسطيني ولِقُبَّةِ الصّخرة، ومعلوماتٌ عن الجهاد وحبّ الوطن، وعن نشأة الحركة الصهيونية، وعن الانتفاضات الشّعبيّة الفلسطينيّة الُمتلاحقة، بالإضافة إلى قصائد عن الشّهادة وحقّ العودة.
عَمَّمَتْ بلديةُ الاحتلال على المدارس التّابعة لها، توجيهاتٍ بألاّ تستخدم إلّا الكتب التي تأتي عن طريقها، وألّا تحصل عليها من المطابع الفلسطينيّة. غير أنّ بعض مُدراء المدارس لا يستجيبون لهذا التعميم الذي يأتي عادةً في صيغة تهديد. كما أنّ بعض لجان أولياء الأمور الفلسطينيين، خاصّةً في بلدتي الطور والعيسوية، تتحدى “الأمر الواقع” وتوّزع سنويّاً على عاتقها المنهاجَ الفلسطينيّ غير المُحرّف مجاناً.
هكذا، نَجِدُ أنَّ بعضاً من مدارس القدس التابعة لـ وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية الاحتلال، تُدّرس المنهاجَ الفلسطيني كما هو، وبعضها يُدّرس المنهاج الفلسطيني المُحرّف، وبعضها الآخر يُدرّس المنهاج الإسرائيلي كما سنُبيّن لاحقاً.
النص الكامل على موقع "متراس