تعيش مدينة النجف مركز المرجعية الدينية الشيعية العليا، منذ ليلة أمس هدوءا نسبيا بعد موجة احتجاجات شعبية عارمة استمرت لمدة ثلاثة أيام، أودت الى مقتل اثنين من المتظاهرين وحرق العديد من مكاتب جهات سياسية من بينها مقر حزب الدعوة الاسلامية وتعطيل عمل مطار المحافظة لأيام نتيجة اقتحام المتظاهرين له وحرق منزل مدير ادارته.
وبحسب مصادر محلية فان الضابط عبد الوهاب الساعدي وعلى راس قوة من جهاز مكافحة الارهاب قد وصل أمس الاثنين، لبسط النفوذ فيها بعد وصول قوة عسكرية من عصائب اهل الحق بزعامة قيس الخزعلي قادمة من بغداد، كانت قد ساهمت بالرد على المحتجين الذين أرادوا الاقتراب من منزل زعيمه في حي السعد بالكوفة باطلاق الرصاص الحي، بالتزامن مع تعزيز قوة من سرايا السلام حمايتها حول منزل زعيم تحالف سائرون مقتدى الصدر الواقع في الحنانة.
انتفاضة جديدة في العراق
13-07-2018
جاءت تظاهرات النجف بعد يومين من اندلاع حركة احتجاجية غير مسبوقة غاضبة بمحافظة البصرة اسفرت عن غلق منفذي الشلامجة وسفوان، وحرق مقار عدد من الاحزاب، وشهدت تواجد رئيس الوزراء حيدر العبادي في فندق الشيرتون وسط البصرة مباشرة، قادما من بروكسل للاطلاع على مجريات الأحداث والاستماع لمطالب المتظاهرين.
ويروي أحد المشاركين بتظاهرات النجف رفض الكشف عن هويته، في حديث لـ"العالم الجديد" تفاصيل الاحداث في النجف، بالقول إن "التظاهرات انطلقت الجمعة الماضية، الساعة الخامسة عصرا من ساحة ثورة العشرين، وكانت مشكلة من ثلاث تنسيقيات، الاولى تضم اكثر من ١٥٠٠ شخص موزعين بين نخب مستقلة وناشطين واعضاء من الحزب الشيوعي ورجال دين وشيوخ عشائر ومن عامة الناس، اما الثانية والثالثة، فأفرادها جدد على التظاهر، بعضهم من اصحاب المواكب الحسينية، خرجوا بعد سماع خطبة الجمعة المرجعية المؤيدة للتظاهر والآخرون مجهولو الانتماء، ولا نعرف من هو المنسق لهم".
ويضيف " بعد مرور 15 دقيقة تقريبا تبلورت رغبة لدى العديد من المتظاهرين من المجموعتين الثانية والثالثة بالتوجه للاحتجاج امام المجمع الحكومي وفور وصولهم لمجلس ومقر ديوان المحافظة ودخول بنايتيهما قاموا بالتقاط الصور داخلما دون احداث اي ضرر بالممتلكات العامة، ثم بعد ذلك تم اخراجهم من قبل مكافحة الشغب بمساندة من قوة امنية مشتركة".
"في الاثناء (يتابع المتظاهر)، استمرت التظاهرات في ساحة ثورة العشرين وسط المدينة، وحصلت مشاجرة كلامية بين المتظاهرين الجدد (المجموعة الثانية والثالثة، لأنهم يريدون سحب مسيرة الاحتجاج باتجاه احدى المؤسسات"، مبينا ان "المجموعة ثالثة توجهت لوحدها للمطار، وتوقعنا بان التظاهرة ستكون امام باب المطار فقط، ولكن بعد وصولنا للمطار شاهدنا قوة عسكرية بسيطة من جهاز (سوات) الحكومي، برفقة قائد شرطة النجف أمام متظاهرين تقدر اعدادهم بـ100 شخص تقريباً، يريدون دخول مبنى المطار الا ان الشرطة كانت قد اتخذت اجراءات احترازية من خلال حاجز بشري يمنعهم من العبور".
الـ"هوسة" العراقية تلازم الثورات
19-07-2018
ويستدرك "بعد فترة وجيزة جاءت اعداد بشرية من المتظاهرين لتدعم التظاهرة، ما ولد قوة كبيرة تمكنت من دخول المطار وعبور حاجز القوات الامنية بشكل سلس وهم يرددون هتافات (علي وياك علي)"، لافتا الى أن "فئة المتظاهرين القدامى (المعروفين) دخلوا المطار في محاولة منهم لتخفيف الفوضى واعادة الامور الى مسارها الصحيح، بعيداً عن اعمال التخريب".
ويلفت "أثناء ذلك، كان قائد شرطة النجف (المقال على إثر هذا الخرق) يحث المتظاهرين على سلمية التظاهر، حين أقدم نحو 20 متظاهرا مراهقا على محاولة عبور الابواب الفاصلة بين صالة المغادرة ومدرج الطائرات، وهؤلاء قد يكونون مندسين او ممن لا يفقهون ثقافة التظاهر السلمي، وحينها دخلت قوة أمنية تحمل العصي الكهربائية، وتسببت بذعر المسافرين المتواجدين في الصالة، ما أدى الى تدافع داخلها حيث كسر الزجاج بفعل الفوضى".
ويبين المصدر "في حدود الساعة 7 مساءً حدثت انسيابية بدخول العديد من المتظاهرين لصالات المطار بشكل اشبه بالمتعمد، بعد تسرب خبر وصول علي صادق مستشار رئيس الوزراء لتسلم إدارة المطار الى ادارة جديدة، وهذا ما ولد شكا بتواطؤ الادارة المقالة في دخول المتظاهرين"، منوها "في الساعة 10:45 مساءً تم حرق مقر حزب الدعوة الواقع بجوار مديرية الوقف الشيعي بداية شارع الجنسية ثم اعقب ذلك حرق مقرات الحكمة والفضيلة وكتائب حزب الله والمؤتمر الوطني ومنزل اعضاء مجلس ادارة المطار (فايد نون الشمري وجواد ابو اكثم الكرعاوي)، كما وتم حرق منزل عضو مجلس النواب السابق (ازهار الطريحي وصادق اللبان)، بعدها تم توجه المتظاهرين الى مقر حركة عصائب أهل الحق في حي السعد وحاولوا اقتحامه، الا ان رد الحركة كان باطلاق العيارات النارية في الهواء لتفريقهم، بعدها دخل المتظاهرون لمقرات منظمة بدر بزعامة هادي العامري، والمجلس الاعلى بزعامة همام حمودي دون حرقهما".
وبشأن الانتهاكات التي رافقت تلك التظاهرات، يوضح ناشط مدني رفض الافصاح عن هويته في حديث لـ"العالم الجديد" احترازا من الملاحقة، ان "متظاهرين قضوا نحبهما فيما أصيب اكثر من 10 اشخاص، اضافة الى صدور مذكرات اعتقال بالعديد من المتظاهرين"، منبها الى ان "القوات الامنية اعتقلت العشرات من المتظاهرين يوم السبت، وأفرجت عن العديد منهم يوم الاثنين و5 منهم تمت بكفالة بعد ان توكل بعض المحامين المتطوعين بالدفاع عنهم، وثبت عدم تورطهم بأعمال حرق المقرات وتخريب المطار، فضلا عن قائمة اوامر قبض صادرة بحق 80 شخصا سيتم تنفيذهاـ فضلا عن المعتقلين لدى جهاز الامن الوطني، وقوات (سوات)، أو في مراكز الشرطة ببعض مناطق المحافظة".
ويردف أن "هناك قائمة صادرة من الامن الوطني وصلت من بغداد تضم اسماء المدونين والناشطين، ولم يتم اعتقالهم او تبليغهم لحضور المحكمة او في مراكز الشرطة"، منوها الى "صدور امر من محافظ النجف بتوجيه مذكرات اعتقال بحق كل من شارك في توثيق وتصوير حوادث الحرق لمقرات الاحزاب، وحسب ما ابلغني احد المقربين من محافظ النجف فان قائمة الامن الوطني التي شملت اسماء الناشطين والمدونين ليست ذاتها القائمة التي تحمل 80 اسما، وانما تلك قائمة صدرت من جهاز الامن الوطني في بغداد وتم تكليف مكتب النجف بتنفيذها".
ويبين ان "غالبية المعتقلين تم اتهامهم بالقيام باعمال تخريبية وهناك اخرون لم توجه لهم تهم لغاية الآن، وانا اتابع مع المحامين المتطوعين ويبلغوني اذا ما صدرت اي توجيهات او قرارات قضائية، ولغاية الان القائمة التي صدرت يوم امس وتضم امر قبض بحق ٨٠ شخصا لم نعرف منهم سوى اسمين فقط نتيجة التكتّم والسرّية".
ورفض المصدر تزويد الصحيفة بالوثائق، خوفا على سرية مصادرها، مبينا بالقول "اي محاولة لإخراج اي وثائق ممكن محل استهداف مباشر من قبل المتضررين منها".
ويردف ان "القتلى سقطوا برصاص قوة تابعة لجهة حزبية لم يعلن عنهم وكذلك غالبيتهم من اهالي حي "ابو صخير" الواقع في اطراف المدينة"، مشيرا الى أن "تظاهرات ساحة الصدرين الواقعة في شارع الكوفة انتهت بالمقر العام لحركة العصائب هي عبارة عن مسيرة تضم رجال دين من مختلف محافظات العراق جاؤوا بحجة الاطلاع على مطالب المتظاهرين، إلا أنه تبين أن مسيرتهم جاءت دعما للعصائب ضد المتظاهرين المناهضين لهم".
وبحسب شهادة المصدر، فان "تظاهرات ساحة الصدرين ليست فقط لجماعة العصائب، وانما هي للمطالبة بالافراج عن 71 من جماعة العصائب، كانوا معتقلين من قبل قوات (سوات) اثناء الاصطدام مع المتظاهرين".
يذكر أن منزل زعيم الحركة قيس الخزعلي يقع في حي السعد، المجاور للحنانة محل اقامة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
في ظل هذا التعزيز العسكري متنوع المصادر، وانتشار عدد من الفصائل الأخرى، يفيد مصدر محلي مطلع لـ"العالم الجديد" بالقول ان "معلومات من داخل المحافظة تؤكد قدوم عبد الوهاب الساعدي القائد في جهاز قوات مكافحة الارهاب للنجف لضبط الامن فيها".