تفتيت الركام: إعلام إسرائيل والرأي العام العربي

ما هي اليوم وإجمالاً وظيفة الكذب العمد في السياسة وفي الإعلام؟ مثال عن اعلان إسرائيلي رسمي بأن القناة الحكوميّة الناطقة بالعربيّة ("مكان") ستبثّ مباريات المونديال بالمنطقة العربيّة مجّاناً عبر القمر الصناعي الإسرائيلي..
2018-07-13

مجد كيّال

كاتب فلسطيني من حيفا


شارك
محمود العبيدي - العراق

قبل أسابيع من بدء مباريات كأس العالم لكرة القدم، انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي بحيلةٍ إسرائيليّة دعائيّة بسيطة وسطحيّة: أعلنت صفحة فيسبوك حكوميّة إسرائيليّة أن القناة الحكوميّة الناطقة بالعربيّة - قناة "مكان" - ستبثّ المباريات بالمنطقة العربيّة مجّاناً عبر القمر الصناعي الإسرائيلي. بعد أيّام قليلة نُفي الخبر نفياً تاماً. ومع هذا، استمرّت المعلومة الملتقَطة من الصفحة الإسرائيليّة تنتشر دون توقّف وفحص لصحّتها. ومع بداية المباريات وانكشاف الكذبة الإسرائيليّة، انتهى أمر الإشاعة، ولم يبقَ إلا صداها يتردّد في إعلامٍ عربي يجتر العناوين ذاتها ويَلحق مُرتبكاً مترهلاً مُنهَكاً خلف تطوّر الاستراتيجيّات الصهيونيّة وتعقيدها.

لنا أن نجزم أن المسؤولين الإسرائيليين في "سلطة البث" كانوا على يقين بأن بث المباريات للوطن العربي غير ممكن بأي شكلٍ من الأشكال، إذ أنّهم على علم (ومن الجدل الداخلي والتجربة الإسرائيليّة ذاتها) بكافّة تفاصيل العقود وحقوق الملكيّة الفكريّة المتعلّقة بالاتحاد الدولي لكرة القدم (الـ"فيفا"). إلا أنّ الكذبة التي استُخدمت عبر صفحات التواصل الاجتماعي نجحت بأداء وظيفتها الدعائيّة: إشهار القناة الصهيونيّة مع انطلاقها، واكتساب تغطية هائلة على مستوى الوطن العربي لم تكن لتحققها أي حملة دعائيّة رسميّة، من دون أن تدفع لقاء هذا الإشهار دولاراً واحداً. دفْع الجمهور العربي للبحث عن القناة، دخول موقعها على الانترنت وتثبيت تردّد القمر الصناعي الإسرائيلي "عاموس" تجهيزاً لاستقبال البث.

ودون مبالغة أو تهويل بخطورة هذه الكذبة وأثرها، إلا أنّها تُلقي الضوء على الاستخدام الإسرائيلي لوسائل التواصل الاجتماعي في علاقتها مع الوطن العربي. ولا بد من فهم هذا الاستخدام ليس في السياق الفلسطيني فقط، إنما في سياق تطوّر البروباغاندا عالمياً بعلاقتها مع التكنولوجيا، ولا سيما بالعلاقة (المتبادلة) مع تجارب يمينيّة أخرى في العالم، أهمّها انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتّحدة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

البروباغاندا التي تمارسها القوى المهيمنة في أيّامنا، في ظل السطوة التامّة للأيديولوجيا النيوليبراليّة، لا تسعى إلى صناعة روايةٍ كاذبة أو تجذير مفاهيم أيديولوجيّة عينيّة فحسب، ولا تهدف إلى خلق جمهور شمولي متجانس ومُسيّر بالمعنى المباشِر للكلمة. إنما جوهر الإعلام النيوليبرالي هو هدم الرأي العام: تدمير مساحات التداول الفكري والنقاش السياسي في المجتمع، تحديد التمايز وتوسيع الفجوات بين الفئات الاجتماعيّة، تعزيز المختلِف ونفي المُلتقى بين المهمَّشين، في محاولة لتأبيد المركز السياسي - الاقتصادي في الدول المُهيمنة، وإحكام منظومة علاقاته الانتاجيّة. أما في السياق العربي، فليس من شأن البروباغاندا الإسرائيليّة أن تُقنع العرب فعلاً بصحة السرديّة الصهيونيّة، بقدر ما هي تهدف لإضعاف المجتمعات العربيّة وزيادة شرذمتها وتجهيلها وزعزعة أسسها الاجتماعيّة من خلال الترويج الصهيوني.

"الكذبة مش خطيّة"

إن الأكاذيب هي الذرّات المكوّنة لهذه الاستراتيجيّة. تنتشر وتتراكم إلى أن تصل نقطةً وصلتها إسرائيل كما وصلها كثيرون غيرها في العالم: تسمح الأنظمة لنفسها، من صغار موظّفيها إلى كبار قياداتها، بأن تكذب دون خوفٍ وخجل من انكشاف الحقيقة. يُصبح الكذب طبيعياً واعتيادياً فلا يستقيل وزير كُشف كذبه ولا يعتذر صحافيّ كُشفت فبركته. مع نهاية العام 2017، أعلن معجم "كولنز" عمّا اعتبرها "عبارة العام": "fake news". تُرجمت صدمة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتّحدة، وما تلاها من إدارة تهريجيّة الطابع، إلى بحثٍ في استراتيجيّته الإعلاميّة والانتخابيّة. رأت مواقف يساريّة في الولايات المتّحدة بأنّ النظام الأميركي بجميع أطيافه لطالما استخدم الأنباء الكاذبة من أجل تبرير سياساته الخارجيّة، ولا سيما حروبه على شعوب العالم أو بحقّ مجتمعاته، وقد ينطبق هذا فعلياً على جميع الأنظمة السياسيّة في التاريخ. إلا أن فرقاً جوهرياً يكمن بين الاستخدام التاريخي للأنباء الكاذبة وبين استخدامها اليوم. لا تهدف الأنباء المفبركة اليوم إلى مجرّد خلق روايةٍ جديدة مخالفة للحقيقة، ولا يكمن هدفها الجوهري في تأليب الرأي العام ضد فئةٍ أو شخصيّة فحسب، ولا تهدف إلى تبرير فعلٍ سياسي ما، أو تحقيق ربح اقتصادي ما فقط، ولا في الحرب النفسيّة فقط. إنّما باتت تلعب دوراً اجتماعياً أكثر جوهريّة: إنها تهدف إلى تبديد الحقيقة، إنها تُغرقنا بالأكاذيب حتّى تنعدم إمكانيّة تأصيل الحقائق وإسنادها، ويقتنع الناس بأن الحقائق متمنّعة لا يُمكن لمسها، فتخلو من قيمتها ومعناها. ليس هدف الأنباء المفبركة أن نصدّق الكذبة قدر ما تهدف إلى إغراق الحقيقة وإخفائها حتى يعتزل الناس البحث عنها.

الكذبة نجحت بأداء وظيفتها الدعائيّة: إشهار القناة الصهيونيّة مع انطلاقها، واكتسابها تغطية هائلة على مستوى الوطن العربي لم تكن لتحققها أي حملة دعائيّة رسميّة، دون أن تدفع لقاء هذا الإشهار دولاراً واحداً. دفع الجمهور العربيّ للبحث عن القناة، دخول موقعها على الانترنت، وتثبيت تردّد القمر الصناعي الإسرائيليّ "عاموس" تجهيزاً لاستقبال البث!

هكذا، تسمح لنفسها صفحة إسرائيليّة على وسائل الإعلام الاجتماعي أن تكذب، ثم تُعدّل المنشور ببساطة شديدة بعد أن حازت على المفعول المطلوب منه. وهكذا باتت السياسة الإسرائيليّة تتصرّف إعلامياً، والأمثلة لا تُحصى: بداية العام 2018 صرّح نتنياهو في جلسة الحكومة أنه يجري مفاوضات مع الحكومة الأميركيّة لضم الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وهو ما كذّبه الأميركيّون قطعاً. في العام 2017، وبعد أن قتل الإسرائيليّون المربّي يعقوب أبو القيعان خلال هدم قرية أم الحيران، صرّح وزير "الأمن الداخلي" جلعاد إردان بأن أبو القيعان نفّذ عمليّة دهس، وأنّه ينتمي لتنظيم داعش، وهو ما ظهر كذباً خالصاً. وفي 2016، مع اندلاع موجة حرائق في جبال الكرمل وجبال القدس، صرح رئيس الحكومة الإسرائيليّة بأنّ الحرائق نتجت عن "أعمال إرهابيّة" وأطلق أسم "إرهاب الحرائق" عليها، ثم ثبت لاحقاً ألّا علاقة للحرائق بأي خلفيّة سياسيّة.. والقائمة تطول. يُصبح الكذب ممارسة يوميّة اعتياديّة لا حاجة للاعتذار عنها أو لتحمّل مسؤوليّتها.. خاصةً وتحديداً عندما يتعلّق الأمر بفئات مستضعَفة.

أونلاين فرّق تسُد

لا يُمكن التفكير بهذه البروباغاندا دون ربطها بالخوارزميّات التي تقوم عليها الشبكات الاجتماعيّة، وبالإمكانيّات التكنولوجيّة التي توفّرها هذه الشبكات. إن الأداة الجوهريّة التي يجب الالتفات إليها هنا، هي إمكانيّة استهداف فئات عينيّة جداً بواسطة ما تجمعه وسائل التواصل الاجتماعيّ عن مستخدميها من معطيات شخصيّة تحلّل تصرّفاتهم واهتماماتهم وأنماط تصفّحهم بدقة، ويجري بالتالي توجيه معلومات ومضامين عينيّة ومحددة ومصمَّمة لهذه الفئة الاجتماعيّة تحديداً. ويسهل بهذا، إلى حدٍ بعيد، بث الأكاذيب لفئات لديها الجهوزيّة المعرفيّة لقبول هذه المعطيات وتذويتها دون التشكيك بها. ومع تعمّق هذه المعلومات لدى الفئات الاجتماعيّة المتمايزة، تضعف التغطية الصحافيّة التقليديّة التي تتمتّع بحدٍ أدنى من الموضوعيّة. ينتقل الصراع من جدلٍ سياسي حول الصياغات والاصطلاحات والتحليلات للوقائع ذاتها، إلى قطيعةٍ تامّة بين وقائع وحقائق ومجالات مختلفة كلياً عن الجدل السياسي. تتعمّق الاختلافات والفجوات، تُصبح أكثر جذريّة وتَحول دون أي إمكانيّة لبناء حوارٍ اجتماعي وسياسي حول تحليل الوقائع السياسيّة، بل تؤدّي لتزمّت أشدّ في المواقف الذاتيّة، ولانعدام تام لأي مرونة يُنتجها الحوار. هكذا، تعمل الأنباء المفبركة على تعزيز العصبيّات، وتُنتج بالتالي فئات اجتماعيّة محددةً بشكلٍ أشدّ. وهكذا يدور الدولاب فتزداد نجاعة الأدوات التي توفّرها وسائل التواصل الاجتماعي للاستهداف الفئوي للجمهور، وضخ مضامين أكثر عينيّة وأكثر ملائمة لهذه الفئات، ما يضاعف تزمّت وانغلاق هذه الفئات على نفسها ودوائرها الاجتماعيّة.

لا تهدف الأنباء المفبركة اليوم إلى مجرّد خلق روايةٍ جديدة مخالفة للحقيقة، بل إلى تبديد الحقيقة: إنها تُغرقنا بالأكاذيب حتّى تنعدم إمكانيّة تأصيل الحقائق وإسنادها، ويقتنع الناس بأن الحقائق متمنّعة لا يُمكن لمسها، فتخلو من قيمتها ومعناها.

وبالطبع، يُمكن رؤية هذه الاستراتيجيّة الإعلاميّة كتجسيد تكنولوجي لتقاليد الشرذمة الاستعماريّة. فالجديد ليس مبدأ التفرقة نفسه، إنما أدوات الانترنت التي تُنجِّع العمليّة لأقصى الدرجات أولاً، وثانياً فظاظة استخدام التفرقة، والإفراط فيها ودفعها للامنطق في ظل سياسة تجاوز الحقيقة – أي تحوّل الكذب والهراء إلى جزء طبيعي من الحياة السياسيّة اليوميّة، وانعدام تطلب معيار الأخلاقيّة والمصداقيّة، وبالتالي اعتزال البحث عن الوقائع وإعدام العقل النقدي.

وانطلاقاً من تقاليد الشرذمة الاستعماريّة، فإن تقصّي هذه الاستراتيجيّة الإعلاميّة يتطلّب دائماً البحث عن الثغرات التي يستخدمها الإسرائيليّون في بث خطابهم. فالفئات التي تُستهدف وتُعمّق الفجوات بينها هي فئات (وفجوات) موجودة أصلاً في مجتمعاتنا، حيث تنتج الظروف المحليّة والإقليميّة على كل الأصعدة بيئة قابلة للضرب والتفرقة. مثلاً: مع تصاعد الاعتداءات على الكنائس والأديرة في العراق ومصر وسوريا ضخّمت إسرائيل استثمارها في استهداف الفلسطينيين المسيحيين ومحاولات تجنيدهم للجيش الإسرائيلي وصولاً إلى اعترافها "بالقوميّة الآراميّة". وهي تستثمر باستغلال الانتماء الأمازيغي في المغرب العربي لتقريب مجموعات أمازيغيّة لإسرائيل، وتستثمر في التقرّب من الأكراد والأزيديين.. وحديثاً بدأ الخطاب الإسرائيليّ يستخدم بمنهجيّة تخويف السُنّة من "السيطرة الشيعيّة بواسطة حزب الله وحماس"، والقائمة تطول.

إن هذه الشرذمة الهويّاتيّة ليست إلا جزءاً من الصورة الاستراتيجيّة الأكبر التي تستخدم فيها إسرائيل كل الأزمات الجارية والآنية، أو العميقة والمزمنة، التي تضرب في الوطن العربي. فحين تستخدم الأنظمة العربيّة كامل أدواتها القمعيّة ضد الإبداع الفكري أو الحريّات الفرديّة، تُظهر إسرائيل قناعها "المتنوّر". وحين تمضي الثورات المضادّة في الوطن العربي بجرائم حربٍ مروّعة ضد شعوبها، تحاول إسرائيل أن تسوّق نفسها على أنها من يمد السلم والمساعدات الإنسانيّة للشعوب (كما فعلت مع بعض الجرحى السوريين). ولا ينحصر هذا بالوطن العربي فقط. على سبيل المثال، أدلى نتنياهو عبر فيسبوك في شهر حزيران/ يونيو بخطاب قصير مسجّل موجه للشعب الإيراني. في الفيديو (السخيف الذي يبدأ مع نتنياهو وهو يسكب كأس ماء من إبريق زجاجي!) يصف نتنياهو أزمة المياه الإيرانيّة (بمبالغةٍ شديدة طبعاً)، ثم يدّعي بأن إسرائيل "تمتلك التكنولوجيا والمعرفة لحلّ هذه الأزمة، إلا أن السلطات الإيرانيّة تمنعنا من الزيارة، لذلك كان علينا أن نُبدع". ثم أعلن السفّاح عن موقع إسرائيلي على الانترنت يهدف لمساعدة المزارعين الإيرانيين على تكرير المياه واستخدامها بشكلٍ صحيح.

وعلى مستوى أعمق، مثلاً، يُلاحظ مؤخراً تزايد استخدام الإسرائيليين للخطاب الديني، مثل نشر "أحاديث نبويّة" تُنهي عن التظاهر، أو "آيات قرآنيّة" (!) "تُنهي النساء عن الخروج من بيوتهن للمسيرات"!

الإعلام الفاسد أبو الأنباء المفبركة

إن هدفاً أساسياً لهذه الإستراتيجيّة هو أن تضرب ثقة المجتمعات بالإعلام التقليدي. وتتزعزع هذه الثقة بفعل الفجوة الهائلة بين محدوديّة ما يمكن للإعلام التقليدي تغطيته ونقله من جهة، وعطش المتلقّين من جهةٍ أخرى، وهوسهم بكثافة المعلومات وسرعتها. فوعي المتلقي للإمكانيات التكنولوجيّة في نقل المعلومات وتناول المادّة الخام دون الحاجة للوسيط التقليدي مُحرِّراً ومُحلِّلاً (وهو ما كسر حصريّة الوسائل الإعلاميّة)، ولّدت حاجةً عند المتلقّي لا يمكن سدّها. بالتالي فإن العلاقة بين المتلقّي والإعلام التقليدي باتت علاقة قائمة على شك الفرد بانتقائيّة الوسيلة الإعلاميّة وتحيّزها. لكنّ الأمر هنا لا يتعلّق بالعامل النفسي والتكنولوجيا فحسب: لقد راكمت معظم وسائل الإعلام العالميّة ما يكفي بالفعل لنزع الثقة والمصداقيّة عنها: خضعت لرؤوس الأموال، تستّرت عن جرائم الدول، تحوّلت بوقاً للحكومات أو للفئات الاجتماعيّة المهيمنة، كرّست الصور النمطيّة ضد فئات مستضعَفة، استفادت من الدمويّة وأججت الخوف.. وغير هذا الكثير.

حين تستخدم الأنظمة العربيّة كامل أدواتها القمعيّة ضد الإبداع الفكري أو الحريّات الفرديّة، تُظهر إسرائيل قناعها "المتنوّر". وحين تمضي الثورات المضادّة في الوطن العربي بجرائم حربٍ مروّعة ضدّ شعوبها، تحاول إسرائيل أن تسوّق نفسها على أنها من يمد السلم والمساعدات الإنسانيّة للشعوب.

يحصل هذا في العالم كلّه، حتّى في الدول التي لا زالت تتمتّع بصحافةٍ حرّة، وتعمل فيها مؤسسات تراقب عمل ونزاهة الصحافة. فأي سهولةٍ ستلاقي البروباغاندا الإسرائيليّة في ظل رأي عام عربي مهدّم وممزّق، ومشهد صحافي عربي معطوب جذرياً؟ في ظل إعلام عربي تخضع أغلبيّته الساحقة إلى سيطرة مباشرة من الحكومات ورؤوس الأموال، وتفتقر أغلبيّة مؤسساته للحد الأدنى من المهنيّة والأخلاقيّة؟ بأي سهولة يمكن للإعلام الإسرائيلي أن يستخدم استراتيجيّته الإعلاميّة وتغييبه للحقيقة في ظلّ مشهدٍ إعلاميّ منقسم عامودياً بحسب مصادر تمويله، ويغرق في ثنائيّات تضع التزمّت والتعصّب الفصائلي أو الطائفي - علاوةً على المنطق الربحي - فوق أي اعتبارٍ أخلاقي أو مهني أو معرفي؟

وعلى بساطة المثال وثانويّته: أليست حيلة "بث المونديال مجاناً" التي لعبتها إسرائيل، والتي أثارت الصحافة العربيّة برمّتها، هي استغلال مباشر لاحتكار شركة قطريّة لبث المباريات وإجبار ملايين المواطنين العرب، وأغلبيّتهم الساحقة من الفقراء، على دفع مبالغ ماليّة (130 دولار!) من أجل مشاهدة حدثٍ عالمي يحق لكل إنسان أن يكون جزءاً منه؟ أليس استخدام الناطق بلسان الاحتلال "آيات قرآنية" تُنهي عن التظاهر في غزّة هو استمرار لتفشّي الخطاب الديني واستخدامه في الحسم السياسي على معظم وسائل الإعلام العربيّة؟ أليست زيارة الصحافيين المغاربة لإسرائيل امتداداً مباشراً لما تجذَّر في الصحافة العربيّة من نهج زبائني يُباع فيه الصحافي ويُشترى في خدمة الدكتاتوريّات؟ وأليس هزيلاً أن تستهجن الصفحات الإسرائيليّة الموجّهة للعرب عبر الفيسبوك، في حين يُستضاف مجرمي حرب إسرائيليين على منصة كُبرى شبكات الإعلام العربيّة؟

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

للكاتب نفسه

فلسطين: حقوقيّون في ظلال الـ"درونز"

مجد كيّال 2022-01-06

تلعب إسرائيل دوراً محورياً في تشكيل رؤية الحروب في عصر "الدرونز". فهي اعتمدت في حروبها السريعة بعد حرب 1967، على الارتكاز لسلاح الجو، وقدرات المراقبة والسيطرة عن بعد، وتجنب التوغّل...

لحظة كل الممكنات وكل المخاطر

مجد كيّال 2021-05-26

الحرب العميقة تنطلق على مستويين. الأوّل هو المستوى الأمني، وقد بدأت إسرائيل تسعى إلى ترميم صورة "الوحش" التي كسرناها. ولكن هناك مستوى أخطر: حين تهدأ الأخبار، تبدأ المؤسسة الأمنيّة ببسط...