تعامل الإعلام الاميركي مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، في زيارته الرسمية الأولى باعتباره الملك العتيد، بمنتهى الرقة، فقدمه وكأنه قائد الثورة في الجزيرة العربية.
لم يناقشه أحد في مشروعه للتغيير في المملكة التي لم تخرجها ثروتها الخرافية من الجاهلية المغلفة بشعار "لا اله الا الله" مع النخلة والسيف. اختير له من المذيعات – المحاورات أجملهن، ومن المذيعين ألطفهم.. سألوا ما يتوقعه وما حضّر نفسه للإجابة عليه. وجرت المقابلة على طريقة سؤال فجواب فشكر على كرم الضيافة ورحابة الصدر: لم يناقشه احد، مثلاً، بأي حق يستدعي، فيحتجز اكثر من خمسة وعشرين من الامراء ورجال الاعمال، ثم يستولي على اموالهم (بمجموع تفوق قيمته المئة مليار دولار..)، هذا اذا ما افترضنا أن هذه الاموال قد ذهبت إلى الخزينة العامة، علماً أن موازنة المملكة لا يقربها النقاش من قريب اوبعيد. ومع الوعي بأن هذه الاموال بمعظمها منهوبة.. وهكذا فإنها قد انتقلت من ناهب قليل التأثير إلى ناهب أكبر.
كانت المقابلات التي توالت في الصحف الكبرى، وأخطرها المحطات التلفزيونية، "معلبة": لا تزعجوا ضيفنا المذهّب!
لم يسأله أي صحافي أو اية مقدمة برامج: لماذا، مثلاً، احتجز رئيس حكومة لبنان سعد الحريري (مع عائلته) ثم لم يطلقه الا بعد "وساطة" فعالة واصرار عنيد من رئيس الجمهورية الفرنسية.. كذلك لم يسأله أي صحافي عن ثروته الشخصية، ومن أين جاءته، او عن ثروة أبيه الملك سلمان، الذي تباهى مرة بأن جده الاعلى هو مسيلمة الكذاب..
ولم يسأله احد، بطبيعة الحال، عن حقه في محاكمة ومحاسبة ابناء أعمامه وشركائهم، ومصادرة ثرواتهم حتى لو كانت منهوبة مثل ثروته.
واشنطن تنتقم لمحتجزي "الريتز"
13-03-2018
المهم أن ولي العهد السعودي هو ضيف الشرف لدى الرئيس الاميركي جبار الكون دونالد ترامب، الذي أقال وزير خارجيته ريكس تيلرسون، عشية وصول ضيفه الكبير، من دون تفسير هو الآخر، كما حال الامراء ورجال الاعمال السعوديين الذين احتجزهم ولي العهد المتعجِّل وفرض عليهم دفع الخوة والجزية معاً، عشية زيارته لعاصمة الديمقراطية في العالم، واشنطن.
ولمناسبة الزيارة الملكية، يفترض أن تشهد واشنطن حدثاً تاريخياً: اذ سسيجتمع فيها وتحت رعايتها لقاء المصالحة الموعودة بين أمير الامارة ال"مِن غاز"، قطر، وسائر ملوك وأمراء مجلس التعاون الخليجي..
وبالتأكيد فان هذا اللقاء بين أصحاب الجلالة والسمو المشاركين فيه، هو لبحث قضية تحرير فلسطين، وذلك عبر التصدي للخطر الإيراني عليها، ولسوف تكون الادارة الاميركية في طليعة المساندين، بدليل نقل سفارتها من تل ابيب إلى القدس، استعداداً لاستقبال الرئيس ترامب في زيارته المقبلة لها احتفاء بالعهد الاسرائيلي الجديد، وعودة سليمان الحكيم إلى أولى الكعبتين وثالث الحرمين.
ومن المرجح أن يقرر المجتمعون مباغتة إيران بخطتهم لتحرير القدس، مباشرة بعد تحرير اليمن، وهكذا يهزمونها مرة أخرى في مجال تمددها الاستعماري، قبل أن ينقضوا في هجوم مباغت عليها ليحرروها من "الملالي" ويعيدوا الشاه ــ ممثلاً بابنه ــ إلى عرشه، مكرماً معززاً، بحيث يتم "تطهير" شبه الجزيرة العربية ومحيطها من "الجمهوريات الفاشلة" كتلك القائمة في كل من العراق وسوريا ــ مع استثناء لبنان حرصاً على "وضعه الخاص" ــ وكذلك مصر حرصاً على الرئيس الذي قزّم أعرق دولة في العالم واوقفها على باب الله يا محسنين..
ترامب.. والمليارات المقدسة!
30-05-2017
على أن الاخطر هي "كلفة" هذه الرحلة العربية المذهّبة إلى الولايات المتحدة الاميركية بشخص رئيسها، وهو قد وقف امام أجهزة الاعلام متباهياً بما جناه "كجزية" من الحكام العرب الذين وصلوا إلى سدة الحكم مثله (!!) عبر انتخابات ديمقراطية تنافست فيها الاحزاب العريقة، فهزم بعضها البعض الآخر، وتسلّم الحكم من اختاره الناخبون - ديمقراطياً وبإرادتهم الحرة ــ رئيساً لأربع سنوات، تماما كما ملوك آل سعود وآل خليفة وآل هواش..
***
لم يعد المواطن العربي يتوقع أو ينتظر الانتصارات، لا في ميدان فلسطين، ولا في ميدان الديمقراطية وحقوق الانسان.
لم تعد مطالبه تتجاوز هموم حياته اليومية: فلقد اغتيلت شعارات النضال وجماهيره.
إن الميدان العربي على إتساعه، مغلق بالجثث وحطام الشعارات التي كانت ذات يوم متوهجة، تستدعي الجماهير إلى الشارع، بالإيمان بقضاياها العادلة وحقوقها في أرضها وأبرزها حقها في صنع غدها الافضل.
لقد شاخت الجمهوريات، قبل اكتمال نموها، واستيفاء شروط أصالتها، وضربها الوهن والدكتاتورية، وأقفلت الشوارع، وصودرت الجامعات: لقد صارت الجمهورية برأس ملكي أو اميركي.. واشترت الممالك والامارات المذهّبة الرؤساء فجعلتهم خدماً في بلاطها، واستقوت بهم على شعوبها.
كانت العلاقة بأي نظام ملكي، والسعودية بالذات، شبهة بل تهمة، بل هي فعل مشين ينكره المتورطون فيه او يبتدعون له المبررات والذرائع.
"غريزة" ترامب الاصلية!
24-08-2017
أما اليوم، وبعد انهيار جمهوريات التاريخ تحت وطأة الاحزاب العقائدية التي سجنت الشعوب في أقبية مخابراتها، وقربت الفاسدين والمرتشين، فقد استعادت الملَكية اعتبارها ومعها الامارات ومعها المشيخات التي تحولت ــ فجأة، ومن دون أي تبريرــ إلى ممالك، كالبحرين مثلاً.
وليس من حق أي عربي أن يلوم المسؤولين الاميركيين، او حتى الملكة البريطانية، فالمليار استرليني التي دفعها تستحق أكثر.
هل هو ظلم القدر أن تتفجر الارض أو البحور بالثروات الطائلة، نفطاً وغازاً، في بلاد تغلق ابوابها على شعوبها فتبقيها خارج التاريخ، بينما بلاد التاريخ تغرق في فقرها، أو في دمها، كما الحال في سوريا والعراق واليمن، نتيجة تآمر معلن بين اصحاب الثروة، لاستعمار أخوي لأهلهم الفقراء؟
على انه يجب أن يُسجَل لحكام النفط العرب انهم الأذل من بين حكام الأرض جميعاً.. فهم يدفعون "الجزية" او "الخوة " صاغرين، بينما لو أدركوا قيمة بلادهم بثرواتها الخرافية، لجاءهم ترامب وأمثاله يطلبون رضاهم، وأمكنهم ــ بالتالي ــ أن يتحدثوا عن حقوق العرب بعنوان فلسطين التي نسوها جميعاً وباعوها، وهم المذهّبون، بأربعين من الفضة!