حاولت المرأة السعودية أن تسرق من الربيع العربي بعضاً من نضرته. فرغم كلّ الإصلاحات التي طالت مجالاتها، بقيت هي الحلقة الأضعف في المجتمع السعودي الذي يرى فيها مجرد تابعٍ. وظل كل تحرّكٍ أو تغيير على الصعيد النسائي السعودي يواجه بالعديد من الأصوات المهاجِمة، أو الساخرة، أو المشككة في إمكانية الوصول إلى نتائج واقعية ملموسة.
لم تنل وجدان الشهرخاني ميدالية ذهبية أو فضيّة ولا حتّى برونزية في ألعاب لندن الأولمبية لهذا العام. لكنّ الفتاة السعودية التّي تحدّت العالم والكثير من الأبواق المثبطة في المملكة، جعلت من مشاركتها بحدّ ذاتها الميدالية التّي تبحث عنها المرأة السعودية. فلاعبة الجودو الصغيرة التّي منعتها اللجنة الأولمبية بداية من المشاركة بحجابها استطاعت أن تحصل على تسويةٍ تضمن لها الحدّ الشرعي الذي طالبت به الرياض، بعدما اشترطت اللجنة المنظمة لأولمبياد لندن تواجد الجنسين في الفريق التابع لأيّ دولة.
استُفزّت السعودية بادئا، فالمملكة لا تملك فرقا رياضيّة نسائية منظّمة، ولا تدرّس التربية الرياضية للفتيات، ولا توفر التجهيزات التي تسمح للهاويات بالاحتراف. وأثير الكثير من اللغط حول المشاركة التّي حُسمت بعنصرين نسائيين هما وجدان الشهرخاني وسارة العطّار، أثارت مشاركتهما متابعة عالمية، واعتبرت محطّة تاريخية... إلاّ في عيون بعض فئات المجتمع السعودي التي سخَّفت من قيمة هذا الإنجاز، وسخرت منه:
mohammedalbarrak@
خليجيون يتدربون في النجف على حرب الشوارع، تحت إشراف قائد فيلق القدس الإيراني، ومسؤولون عندنا همهم نشر الاختلاط ومشاركة المرأة في الأولمبياد.
Naifalsubaei@
أحد أمراء الأندلس لما حوصر قال له خدامه أهرب واترك النساء، قال والله أُقتل ولا أجعل كافر ينظر لمسلمة، سلموا لي على أهل الأولمبياد.
QmraALSubaei@
خبر: منع لاعبة الجودو السعودية من ارتداء الحجاب في الأولمبياد. تعليق: من تنازل عن قيمه ومبادئه لن يحترمه العالم.
Mofeed_saad@
البعض يشاهد افتتاح الأولمبياد بكل ما فيه من موسيقى ورقص وأفخاذ وقبلات وعاريات، وفي شهر رمضان.. ثم بدأ ينتقد مشاركة السعوديات! شعب متناقض.
بعد السخرية، يأتي دور الفتاوى الدينية واللسان السليط. حتى موضوع السماح للنساء بالعمل في المحال التجارية، الذي سعت الحكومة لتطبيقه ومنحت الشركات مهلةً زمنية محددة لإدخال الجناح الأنثوي إلى تركيبتها الإدارية، لاقى تنديدا من المتشدّدين الذين يرون في دخول النساء إلى ميدان العمل نوعا من المفسدة. فالمرأة عندهم لا تخرج إلا لثلاثة أماكن، من رحم أمّها إلى بيت أبيها، ومن بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومن بيت زوجها إلى قبرٍ يؤويها، مدّعين أيضا أنّ في عملها ما يحرم الرجل، سيد البيت، من فرص ستقطفها إناث ليس مطلوبا منهن سوى التزام المنازل وتربية الأطفال.
قد لا يمت الضخّ الديني المتواصل لأحكام الدين الأصلية بصلة. بل هو موظف في جعل المرأة مواطنا من الدرجة الثانية، في قبضة رجلٍ يُدعى "ولي الأمر"، من حقّه أن يمارس سلطته المطلقة عليها من دون خوف من محاكمة. فأقسى ما قد يناله لقاء تهشيمها أو ضربها قد لا يتجاوز حفظ أجزاء من القرآن وعدد من الأحاديث النبوية. "ولي الأمر" هو القانون الاجتماعي الحاكم في السعودية، ليست عدالته أو ظلمه من شأن الدولة. يجب أن تحصل الزوجة أو الابنة على إذن ولي الأمر في أي خطوةٍ تخطوها، حتّى ولو كان مجرد خروجها من البيت، وأي مخالفة لإذنه تعرّضها للسجن بتهمة العقوق.
سمر البدوي، ناشطة سعودية، نالت جائزة (أميركية) مخصصة لـ"النساء الأكثر شجاعةً على مستوى العالم" لعام 2012، بعد أن شغلت قضيتها الرأي العام لتمردها على قانون "ولي الأمر". وهي سجنت لسبعة أشهر بتهمة عقوق الوالدين. سمر كانت قد هربت من منزل والدها ولجأت إلى دار الحماية الاجتماعية في مدينة جدّة بعد تعرضها لصنوف العنف الجسدي والسطو على راتبها، ورفض والدها تزويجها من دون أن تدفع له مبلغ مالي كبير. ظلّت قضية سمر تتفاعل في المجتمع السعودي إلى أن تم إطلاق سراحها من سجنها نتيجة ضغوطات شعبية.
تحارَب المرأة بالنكتة، وبجعل ما تطالب به موضوعا فكاهيا تلوكه الألسن. تصبح المرأة مجرد مزحة عابرة تُسلب منها أبسط حقوقها ككائن حي. عندما أطلقت منال الشريف حملتها "سأقود سيارتي بنفسي" في شوارع الخُبر بالسعودية، انهالت عليها الفتاوى والتهكمات التّي ترى في القيادة نوعا من الجنون: قيادة المرأة للسيارة قد تفقدها عذريتها، قد تدفع النساء إلى الرذيلة، أو هي بداية الطريق نحو دعارة مفتوحة. حتّى موضوع الابتعاث إلى الخارج الذي تعتمده المملكة كبرنامجٍ دراسي لتشجيع طلابها على متابعة دراستهم، يَشترِط مرافقة الذكر للطالبة الأنثى، محرم هدفه حمايتها والتأكّد من أنّها لن تضيع في ثنايا العالم الخارجي المخيف.
وإن خرجت عن هذا المنهج، ولو قليلاً، يشك في سعوديتها الخالصة. تصبح من أصولٍ هندية أو حتى عربية..اخرى. بينما مطالب المرأة السعودية متواضعة، وليست أبداً "مريخية". وإنما موضع الإشكال أن النساء السعوديات ما زلن يعشن في مجتمعٍ يمارس الوأد بحقّهن... ولو افتراضيا.
