الانتخابات المحلية في الجزائر: معضلة الوعود "المعقولة"

عدد الصور المنشورة في فايسبوك للمرشحين أكثر بكثير من عدد النصوص المكتوبة التي يمكن ان تحيل الى برنامج المرشح الانتخابي المحلي.
2017-11-22

محمد مرواني

باحث وكاتب صحافي من الجزائر


شارك
خالد تكريتي - سوريا

يبدو أن مخاوف الحكومة في الجزائر من تراجع مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات المحلية المزمع تنظميها في 23 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري ما زالت قائمة بقوة، يغذيها الواقع الاقتصادي الصعب الذي لا يتيح في الوقت الراهن للمترشحين لهذه الانتخابات المغامرة بإطلاق وعود انتخابية لا يمكن الالتزام بها مستقبلاً بسبب الضائقة المالية التي تعرفها البلديات والولايات، يضاف إليها تبعات التقشف التي تنتهجها الحكومة منذ ثلاث سنوات على سياسة شراء السلم الاجتماعي في البلاد.

وقد كشفت تجربة الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي عرفت مشاركة خجولة للغاية للناخبين لم تتعدَ سقف 35 في المئة حسب المجلس الدستوري، اتساع ظاهرة "العزوف الانتخابي" الذي تراه المعارضة سلوكاً ورسالة سياسية تعبِّر بشكل واضح عن ضعف صلة الاحزاب السياسية الموالية بالناخبين وعجز خطابها عن استقطاب الشباب، الذين تزايدت موجات الاستياء والغضب لديهم لتصل الى اختيار "الهجرة غير الشرعية الى أوروبا"، للهروب من واقع اجتماعي مرير تصنعه البطالة والفراغ الذي يرونه قاتلاً لآمالهم وتطلعاتهم المستقبلية.

توقعات تراجع مستوى المشاركة تأتي على الرغم من تطمينات بعض الأحزاب والشخصيات السياسية الداعمة للسلطة، التي تشير الى إمكانية تحقيق نسبة مشاركة مشرفة في الانتخابات المحلية، كونها ترتبط في تقديرهم بوعاء انتخابي محلي وبخصوصية المقاطعة الادارية التي يتنافس عليها مرشحون من مناطق يعرفون فيها بعضهم البعض، وهو ما تراهن عليه الحكومة التي أمرت مؤخراً المحافظين بالولايات وموظفي مصالح محليّة حيوية بتنشيط حملات موسعة لتوعية المواطنين باهمية المشاركة الانتخابية.

اقناع الناخبين في عهد التقشف

يلاحظ تغيير الخطاب السياسي على المستوى الحكومي الذي رسمته لغة الوزير الأول أحمد أويحى خلال عرضه قبل شهر بيان السياسة العامة للحكومة، إذ اشار الى الوضعية المالية الصعبة والمعقدة التي يعاني منها الاقتصاد، وتراجع مداخيل البلاد من عائدات قطاع المحروقات، وقال متحدثا لنواب البرلمان "الوضع الاقتصادي صعب والمداخيل المالية ليست مستقرة..."، داعيا الى ضرورة التضامن المؤسساتي والاجتماعي مع الوضع المالي.

تنتج هذه اللغة الجديدة في خطاب المسؤول الأول عن الجهاز الحكومي في الجزائر حالة من القلق والشك في قدرات المسؤولين المحليين المنتخبين بالمجالس الشعبية البلدية والولائية في إدارة شؤون المحافظات والبلديات بالشكل الذي كانت تدار به اثناء البحبوبة المالية، اذ كانت المئات من المشاريع التنموية القطاعية والبلدية تُنجز، واستفاد منها حتى سكان الأرياف من تعبيد الطرقات ومشاريع السكن الريفي وشبكة المياه الصالحة للشرب.. لتتراجع الحكومة عن هذا الانفاق المالي وتتجه الى عدم المجازفة باحتياطي الصرف الذي لم ينجُ هو الاخر من تراجع عائدات الجزائر من قطاع المحروقات، وأمواله تتآكل حسب تقارير رسمية.

لا يمكن للوعود الانتخابية ــ على الرغم من أن الانتخابات محلية ــ أن تتحقق على أرض الواقع في وقت وجيز بسبب الضائقة المالية وغياب رؤية عمل واضحة لدى المجالس البلدية والولائية في إدارة الشأن المحلي والتنموي..

من جهة أخرى، فقد عدد من الاحزاب وفاء قواعده النضالية لمرشحيه، واتسعت في هذه الانتخابات ظاهرة "التجوال السياسي"، إذ ترشح البعض في أحزاب سياسية لم يناضلوا فيها ولم تكن تربطهم بها أي علاقة. ويرى فاعلون في العمل الجمعوي والسياسي في الجزائر أن المرشحين للانتخابات المحلية، وجلهم منتخَبون سابقا، وبعضهم نواب بالبرلمان انتهت عهدتهم الانتخابية، لا يملكون مفاتيح الحل التي يمكن ان يتجاوز بها الجزائريون واقعهم الاقتصادي والسياسي. ثم ان الكثير من المرشحين لهذه الانتخابات شاركوا في تجارب التسيير السابقة، وهم يتحملون مسؤولية فشل بعض البرامج التنموية، الأمر الذي يجعل ترشحهم ووجودهم في العملية الانتخابية عائقاً لا محفزاً على تحقيق مشاركة شعبية معقولة في الانتخابات.

كما ان الوعود الانتخابية، على الرغم من أن الانتخابات محلية، لا يمكن ان تتحقق على أرض الواقع في وقت وجيز، بسبب تلك الضائقة المالية وبسبب غياب رؤية عمل واضحة لدى المجالس البلدية والولائية في إدارة الشأن المحلي والتنموي، اذ ما زالت تعيش من النفقات العمومية الممركزة، ولا تملك الا هامشاً من العائدات المالية التي لا يمكنها ان تضمن حتى تسديد أجور الموظفين بشكل منتظم.

وقد فرضت عقلية التسيير المركزي ثقافة الاتكالية عند الجماعات المحلية، إذ ينتظر رؤساء البلديات حصة بلدياتهم المالية لانجاز مشاريع تنموية، فيما تغيب روح المبادرة، بسبب ما يرونه من جهتهم، لجهة محدودية الامكانيات وبقاء الصلاحيات في يد السلطات المركزية في كل ما يتعلق بالاستثمارات المحلية.

فايسبوك منصة لوعود انتخابية افتراضية

يلاحَظ أن المرشحين للانتخابات، الذين يملكون مستويات تعليمية متباينة، وجدوا في مواقع التواصل الاجتماعي منفذاً ووسيلة اتصال لمخاطبة الناس، وخاصة الشباب الجزائري الذي يقبل بكثافة على استخدام فايسبوك في يومياته. ويجتهدون في تزيين صفحاتهم بالصور وبنشاطاتهم، ولو كانت محدودة خلال الحملة الانتخابية، وذلك لجلب الانتباه، من دون ان ينشروا برامج انتخابية يمكن ان تقدم حلولاً عملية للوضع الراهن.

والملاحظ أن عدد الصور المنشورة في فايسبوك للمرشحين اكثر بكثير من عدد النصوص المكتوبة التي يمكن ان تحيل المتصفح الى برنامج المرشح الانتخابي المحلي، كما كشفت وسائل إعلام محلية إذاعية اتاحت فضاءات للمرشحين عدم درايتهم بالكثير من الوقائع والمعطيات الموجودة في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه