في زحمة الكلام عن الراحلة زها حديد تذكرتُ وصفاً لأستاذ الهندسة الوصفية بالجامعة، كان يردد قول جميل بثينة:
أقلّب طرفي في السماء لعلّه
يلاقي طرفي طرفها حين تنظرُ
أحبَّ أن يضيف بعض المرح على شرحه لبديهية رياضية وضعها إقليدس قبل ألفي سنة: الخطان المتوازيان لا يلتقيان.
لكن الشاعر العربي فعلها ونقض الهندسة الإقليدية وجعلهما يلتقيان ويتهامسان ويتغازلان!
اتجاه الهندسة اللا إقليدية الذي تبنته زها حديد، مع موجة المعماريين التفكيكيين، كان مقترحاً ثورياً ضد الأشكال الهندسية الاعتيادية في الثمانينيات، بل هو في الكثير من ملامحه يقطع الصلة بالتراث ويحتج عليه. لذلك كانت حديد، وخلافاً لمواطنيها من رواد العمارة العراقية الحديثة، لا تبدو معنية بالعمارة التراثية ولا تستل شيئاً من بغداد القديمة، وتظهر كغريبة ومتغربة جداً، فعيون أهلها لم تعتد إلا على محاكاة التاريخ واستعادته دائماً.
زها لا تستعيد ولا تستحضر إلا من المستقبل.
هذا هو التفكيك وهؤلاء هم أهله! وصدق من قال إن التفكيكية هي عبث الطفل بجهاز المسجل. يفسخه ويهدمه ويتعرف على دواخله ويفتك بجديته ويهتك وقاره!
المستقيمان المتوازيان يلتقيان في الأشكال المقعرة، هذا هو أسّ الفلسفة اللا إقليدية. لم يصدق الناس كاوس حينما حاول برهنة ذلك قبل سنوات طويلة.. ومات والعالم إقليدي جداً، ثم اكتشفنا بعده بأن الكون كله مشيد على اللا إقليدية. وأكثر المستقيمات المتوازية تلتقي في نهاية مطاف ما.
المغري بالنسبة للعمارة، هو أن أصحاب الهدمية أو التفكيكية يقترحون أشكالاً جديدة تبدو مختلة ومضادة للجاذبية.
حديد، بنت رجل الاقتصاد العراقي محمد حديد، التي تستعمل الحديد كثيراً في تصميماتها، تمنح أشكالها الثقل اللازم للوقوع والخفة اللازمة للطيران، تماماً مثلما يحدث في الحب!
نصّ ورسم مرتضى كزار