استمع الموريتانيون الى نشيدهم الجديد الذي رافق اذاعته صخب وإثارة شديدين، وقد كلف بإنجازه تسعة وثلاثين من كبار الشعراء والأدباء، عملوا عليه لأكثر من شهر.
جاء النشيد بعد اربع محاولات فاشلة، وقد صادق عليه مجلس الوزراء واعتبره وزير الثقافة، وهو الناطق الرسمي باسم الحكومة، مطلب الموريتانيين منذ الاستقلال، وانه صادر وفق قانون ذا مرجعية دستورية عقب حوار وطني، وانه سبيكة لمجموعة من مختلف الاناشيد التي تغني الامجاد والاعتزاز بالأرض والمقاومة والتضحية والتمسك بالقيم الدينية والاخلاقية والشهامة والكرم.. وغير ذلك من المعاني النبيلة.
لكن النشيد واجه سخرية من المواطنين العاديين الذين قال أحدهم انه “صام سنة وفطر على جرادة”. وقد انتقده عدد كبير من شعراء ونقاد موريتانيا ورأوا انه لا يليق بسمعة موريتانيا، بلد المليون شاعر والتي يتنفس ابنائها الشعر، وأنه يشبه لعب الاطفال.
الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله، وهو أحد ابرز النقاد كتب: “يا هؤلاء، القضية ليست سياسية وليست بحثاً عن تسجيل نقاط. القضية أدبية وثقافية. هذا النشيد لا يليق بسمعة موريتانيا الثقافية. واسألوا من تثقون فيه من دعاة تغيير النشيد القديم شاعراً كان أو ناقداً. النشيد مختل معنىً ومبنً ومتكلّف.. وتم ليّ عنق العبارات والصور حتى صرخت ألما من نشازها. وفي هذا النشيد معلومة خاطئة.. وفيه سذاجة في التعبير”.
وتابع قائلاً: “لم ننتقد الشعراء الذين تمّ تعيينهم لإنتاج هذه الخطيئة وصرحنا باحترامنا لهم، على الرغم من أننا في الصميم نأخذ على بعضهم القبول بهذه المسرحية أصلاً.
من جهته، كتب الشاعر الشيخ ولد بلعمش في قطعة شعرية تحت عنوان “إن الحمية لا تغلب السبعَ”، في إشارة إلى أن هذا العدد من الشعراء عجز عن كتابة نشيد بديل عن الذي كتبه العلامة باب ولد الشيخ سيديا.
كتب آخر يقول أن النشيد الجديد “ضلال ابداعي”، وأضاف: “لغة مكسرة وأسلوب مذبوح بسكاكين التكلف وارتباك يصعد بنا إلى الثريا ثم يعيدنا لمحاولة الصعود إليها وينتقص من بلدنا ويختصر اسمه وهو ما لا يليق في الأناشيد الوطنية. كوكتيل من العبارات المستنسخة من أناشيد دول عربية لتوضع هنا خارج سياقاتها”
ومن جانبه اعتبر حبيب الله ولد احمد انه غير منطقي أبداً أن يكون هذا النشيد الميت إبداعياً صادر عن لجنة تضم تلك القامات السامقة فكراً وشعراً.. وقال “لله ما أصدق نزار قبانى، و”ليمون يافا يابس في حقوله”، وهل شجر في قبضة الظلم يثمر، وهل يبدع كل شعراء الأرض إذا وضعناهم بين قوسي العصا والجزرة”؟ وأضاف: “الإبداع مثل الشجرة قد تتنفس مؤقتاً في كيس “بلاستيكي” لكنها لا تكون شجرة حقيقية إلا إذا عانقت الأرض والشمس والماء والأفق الفسيح. قبل ذلك يسمونها “شتلة” أو “شجيرة”.
ومن جانبها، اعتبرت منى بنت الدي، القيادية في حزب المعارضة الرئيسي “تكتل القوى الديمقراطية”، أن كلمات النشيد الحالي نتيجة مرحلة التردي التي يعيشها البلد الآن، فلا وزن ولا شاعرية ولا معنى ولا حماسة. وأضافت بنت الدي (في تدوينة على صفحتها في فايسبوك) إن النشيد متكلف يشبه شعر عصور الانحطاط، حيث نجد كلمات أقحمت بدون معنى مثل “لغز السلام”، “إلا إذا كانت ترمز إلى أن الحكم إذا كان لا يأخذ إلا غلابا فيصبح السلام لغزاً”. أحمد أبو المعالي عبر عن صدمته لما قال إن مستوى النشيد “صدمة لو وزعت على أهل وطني لوسعتهم”. ودعا الذين صوتوا لصالح تعديل النشيد أن “يعبروا عن عدم اقتناعهم بالنشيد الجديد، لأنه لا يحرك مشاعر أي مواطن ولا يمثل ما عُرف به هذا البلد الذي ارتبط ذكره بالشعر في مختلف المحافل”. واعتبر الصحافي والشاعر المختار السالم ولد أحمد سالم، ان اللجنة ضمت بعض القامات الأدبية السامقة، التي لها كل التقدير والاحترام، ولكن النشيد الجديد “ضرب مستويات قياسية في العنينية الشعرية”.
|
||
---|---|---|
كلمات النشيد الجديدبلاد الأباة الهداة الكرام *** وحصن الكتاب الذي لا يضام |