في آخر حوار ودي جرى بينهما، وهما ينتظران دورهما لمقابلة الحمار الوحشي، وزير الأشياء المخطَّطة، قال الضبع للحمامة: أنت مدعوّة هذا المساء لحفلة طهور ابننا. ترددت الحمامة في قبول الدعوة. تلفتت يميناً وشمالاً وتأكدت من خلو الجو من البصاصين، تلمظت وتجشأت وهمست له: سأحضر بكل ممنونية، سأجلب لكم هدية من النبيذ المعتق، لقد افتتحت شركتي الصغيرة لتعبئة المشروبات الروحية وتسويقها.
ابتعد الضبع أربع خطوات للوراء وأدار وجهه. أعاده حراس الوزير إلى الدور أمام الحمامة. شعرت الحمامة بفزعه وخشيته من الاعتقال. فكيف للضبع أن يجاهر بشرب الكحول في هذه الأيام، كيف له أن يكرر فعلته السابقة بعد افتضاحه في أرجاء المملكة وتحول حكايته إلى علكة تمضغها العصافير وتتناقلها ألسن الماعز. فقد حدث قبل أسابيع أن كان الضبع عائداً من بيت خاله في العاصمة، فاستوقفته دورية على حدود المدينة وفتشت سيارته وضبطت لديه زجاجة كحول. أخذوها وأخذوه. سجنوه وعذبوه. لكن بعض أرحامه من خلاّن الملك توسَّطوا له وأفرجوا عنه.
من أجل سوء الفهم ذلك، عادت الحمامة وهمست للضبع: لا تقلق عزيزي الضبع، فنبيذي غير ممنوع، لقد أصبح الشراب الوطني للمملكة، يحتسيه الملك ويعصره بيده، الجميع حولك الآن سكارى بنبيذ الحمامة، إنه متاح وغير محظور، جائز ومبارك، لأنه يا صاحبي مصنوع من عصارة خطابات السياسيين وتحريضاتهم.
استعاد الضبع هيبته الأولى واعتذر للحمامة وقبل هديتها.
(نص ورسم مرتضى كزار)
بعد الزاوية الحمرا، هذه "بيتونة" أسبوعية تراقب ما يجري بطريقتها الخاصة.