بدأ الصحافيون والإعلاميون في مهاجمة الرئيس. وأحزن هذا الرئيس كثيراً. لم يفهم لماذا يهاجمونه هو بالتحديد دوناً عن باقي الشعب المصري. وقف أمام نفسه في المرآة وقال إن هذا ليس عدلاً، فكل الصحف لا شأن لها إلا به. وقالت له نفسه إنه كفى، تكفي كل طيبة قلبه هذه، وإن عليه معاملة أعدائه بما يستحقون. العدل يا ريس، ولو لمرة واحدة، وليس الرحمة.
قال الرئيس إنه فعلاً آن له أن يكون أكثر شراسة، أن يُظهر لأعدائه الوجه الذي يستحقونه. وبدأ الرئيس في قراءة افتتاحية الجريدة التي هاجمته اليوم هجوماً قاسياً، وكاتبها كان رئيس التحرير، وفي جملة منها ناشد السيد الرئيس اتّخاذ كافة التدابير لمواجهة السيول بالإسكندرية.
قرأ الرئيس الافتتاحية بتمعن وبدأ في محاولة كتابة مقال رد، بصفته مواطناً وليس رئيساً، شكا فيه من تقاعس رئيس التحرير، هو نفسه، عن حل أزمة السيول بالإسكندرية، وقال إن هذا أمر صعب جداً، أي هذا التقاعس، ولا يصح، ولا يليق، وتجاوز جميع الحدود. وقال إنه قبل أن ننشغل بالهجوم على الآخرين علينا أن نحاسب أنفسنا أولاً.
نُشر المقال في الصفحة الأولى من الجريدة،. وأكسب الرئيس هذا ثقة في موهبته الصحافية، خاصة أنه عندما وقّع على المقال، وقعه باسم "المواطن السيد الرئيس"، بما يعني أنه اعتبر نفسه مواطناً قبل أن يكون رئيساً، وأن نشر المقال بالتالي لم يكن مجاملة له.
في اليوم التالي استقال رئيس التحرير من منصبه، وفي اليوم الذي بعده انتحر.
بدأ الرئيس من هذه اللحظة يؤمن بأهمية الكلمة وقدرتها على التغيير، حتى أنه كتب مقالا ثانياً يشيد فيه بانتحار رئيس التحرير، ويقول إن هذا نموذج لإعلامي أثبت قدرته على تحمل المسؤولية، فأين باقي الإعلاميين؟ ولم يتأخر التجاوب مع مقاله، ففي الأيام التالية تطوع رؤساء التحرير بالانتحار في محاولة لتلبية مطلب المواطن السيد الرئيس، وبدأت الصحف تُغلق ويتطوع الصحافيون للذهاب لبيوتهم.
بعدها بأيام، أعلن الرئيس في خطاب له أنه أساء الظن بالإعلاميين، وأن التجاوب المذهل الذي أظهروه مع مقالاته جعلته يعيد النظر في أهمية الإعلام، وختم خطابه بكلمة إلى الصحافيين الذين لم ينتحروا بعد. قال بابتسامته الجميلة: رغم كل شيء، لن أسيء الظن بكم، أعرف أنكم ستتحملون مسؤوليتكم يوماً ما. ولكن فقط، حذار، حذار، حذار أن يحدث هذا بعد فوات الأوان وانهيار البلد.
نص نائل الطوخي ورسم مخلوف